بعد كارثة القنيطرة تعالت الأصوات من كل جانب تدعو إلى حماية أرواح المواطنين البسطاء من خطر مخدق. وأصبح مستقبل مدينة أكادير التي تخترقها سبعة أودية مهدد بالخطر، فقد أقيمت على مجاريها بنايات شاهقة ومؤسسات رسمية في خرق تام لضوابط التعمير وأنظمتها، ما يجعلها مهددة باستمرار بخطر الفيضانات. وهناك دعوات إلى إنشاء مشاريع وقائية مستعجلة حفاظا على أرواح السكان وممتلكاتهم وحماية للمدينة وسمعتها خصوصا وان مدينة أكادير الشهيدة (زلزال فبراير 1960) سجلت بدورها انهيارات في بنايات قيد الإنشاء، وأخرى همت بنايات عشوائية وقيد الهدم لكنها لم تكن مدوية لمحدودية ضحاياها ولشمولها برغبة الاحتواء مخافة ترويع السكان يقول المهندس عبد المجيد ابن المصطفى الحر مهندس استشاري ومدير مكتب المراقبة التقنية ومستشار حماعي ببلدية أكادير سابقا. والذي أضاف بأن خصوصيات المدينة من حيث التعمير والبناء، بعد فاجعة الزلزال الجارف الذي عرفته في الستينات، انفردت بعدة تنصيصات قانونية ألزمت العمل بالهندسة الواقية من مخاطر الزلازل لغاية الدرجة الثامنة على سلم ريشر، كما استفادت من التحسينات التي وقعت في هذه الهندسة جراء دراسة الكوارث الزلزالية التي وقعت بعدها بشمال إفريقيا وبشمال أمريكا و بالشرق الأوسط وغيرهم، وما قانون الوقاية من الزلزال 2000 الذي بادرت بوضعه وزارة السكنى والتعمير لكامل التراب الوطني إلا من إلهام مدينة أكادير. وعليه فكامل البناء بأكادير الذي عرف تطبيق المعايير المانعة من مخاطر الزلزال في حدود رزمانة الحد الأدنى يتمتع بقدرة عالية على الصمود في وجه الأخطاء الهندسية والغش في الانجاز و التعليات والتغييرات العشوائية، بحيث لم نشهد بعد انهيارات وتصدعات معطلة للاستغلال و متسببة في إزهاق الأرواح. لكننا نلاحظ كامل الأعراض الدالة على ضعف كثير من البنايات في جميع أرجاء المدينة على مقاومة زلزال لا محالة قادم إن عاجل أم آجل لأن القاعدة تقول بأن أي ارض زلزلت مرة معرضة حتما لزلازل أخرى بعده. وفي سؤال عن تسجيل مدينة اكادير لحالة تساقط مباني صرح عبد المجيد الحر بانه للأسف الشديد خربت مدينة أكادير بصفة شبه كاملة في أوائل الستينات وكان الثمن البشري 15000 شهيد و جحافل المشردين، وهذه تعد ضربة بغيضة لكامل الاقتصاد الوطني حيث تمت إعادة البناء بتكافل وطني، و لا أريد ترويع أحد إن قلت بأن المغرب ليس على استعداد لتحمل فاجعة أخرى بحجم سابقتها، لا على الصعيد البشري ولا على الصعيد الاقتصادي، لذا أقول بأن الوقاية خير من العلاج، وأملي أن يعم الوعي، وأن تسري صرامة القانون على الجميع قائمين وملزمين. وخارج خطر الزلزال هناك حالات انهيارات مباني وقفنا عليها، لم تؤدي للكثير من الخسائر مقارنة مع بعض مدن المغرب الأخرى، غير أن فقدان حياة بشرية واحدة لا يقدر بثمن وعلى وجه الخصوص لا يمكن القبول به كثمن للتراخي في تطبيق القانون. أما عن أسبابها، فقال الحر : هي أسباب متعددة ومتشعبة، بدءا بالجهل بضوابط البناء، ومرورا بفقر الحال وانتهاء بجشع بعض المتدخلين الذين تمادوا في تسويق سلطهم أو في تعلية أرباحهم، و في كل الحالات تبت الخروج عن القانون. هذا مع العلم بأن ثمن البناء السليم من حيث المثانة يبقى جد مقبول مع ما صرف على غيره من زيادات سمحت به وبدون احتساب المخلفات. من جانب آخر أكد عبد المجيد الحر بأن أخطارا أخرى تهدد مدينة أكادير ومنها مخاطر الفيضانات- كما وقع في عيد الأضحى الماضي - وانجراف التربة النابع من نوعية التضاريس و الأرضية و الساحل نظرا لشدة المنحدرات و كثرة المجاري والأودية المخترقة للمدينة من كل الجوانب والنواحي خصوصا في عصر التقلبات المناخية الفجائية التي بدأ يعرفها العالم من جراء انبعاث الغازات و ارتفاع درجة الحرارة الأرضية. كما ان لمجاري المياه الشتوية بالمدينة مجالب شاسعة نائمة نظرا لطبيعة التساقطات المطرية العادية الشحيحة (متوسط 300 مم سنويا بصفة متفرقة)، وللتساقطات الاستثنائية ندرة و تباعد خادعة للذاكرة بحيث لا أثرا لأي حذر أو احتياط يذكر من مخاطر الفيضانات وانجراف التربة، الشيء الذي مكن البناء من الزحف على كل المجاري بتحد وعناد، علما بأن للطبيعة قانون لا يقبل بالتهور الغير المحسوب العواقب. وبخصوص المناطق المهددة بدرجات متفاوتة بخطر الهدم يقول عبد المجيد الحر ندكر الميناء القديم، و المجرى المحاذي للمخيم المركزي، وجوانب وامتداد شارع الجيش الملكي، و على وجه الخصوص مجرى واد لحوار القاطع للمدينة على أطول وأخطر مجرى يختص بأوسع مجلب للمياه الشتوية ومنحدر حاد قادر على تسريع المياه الجارية بسرعة حمل الرواسب والكتل. و الرائج حاليا هو بناء سد واد لحوار التلي المحدود السعة والذي لن يكفي و حده للوقاية بقدر ما قد يفاقم الخطر في الحالات الملء والتفريغ. لقد تمت تغطية معظم المجاري دون احتساب الخطورة التي قد تنجم عن ذلك، و أشد منه الترخيص بالبناء السكني فوق المساحات المغطاة بلا أدنى احتياط علما بما انه كما للزلازل هندسة واقية، لمخاطر الفيضانات أيضا هندسة تمكن من تقليص الخطر لمستواه المقبول حفاظا على الأرواح والممتلكات. وعلى التعمير في المجالات الحضرية الآهلة بالسكان أن يأخذ بالدرس و الاعتبار الصبيب المئوي للمجاري وأن يهتم بصيانة منشآت الصرف المعرضة للاختناق بالمطروحات الحضرية. فالماء عنيد في الإخلاص لمجراه و لغيرته تدمير هائل لا يبقي. لا قدر الله، قد تكون كلفة ذلك على المدينة مجحفة، و المسئولية في ذلك راجعة للخروج عن القانون تحت ضغط الجهل والحاجة والفساد. هذه الحالة تستوجب التدخل السريع من أجل تجريف وتنظيف المجارى العارية و صيانة المجاري المغطاة حسب سعة الصرف الكافية وحسب الضوابط التقنية، وتوظيف المهارات الهندسية المختصة في وضع حلول مرضية للتجاوزات الحاصلة بالمجاري المغطاة دون احترام الضوابط.