رغم توقيع الاتفاقيات بين وزارة الإسكان والسلطات المحلية وتسطير البرامج الاستعجالية لمعالجة مشكلة البناء الآيل للسقوط، ما تزال عدة منازل تسكنها آلاف الأسر بالمغرب، ويمكن في أي لحظة أن تتحول إلى مقابر وأكوام من التراب ويهرع حينها رجال الوقاية المدنية لانتشال الجثت من تحت الأنقاض. هذه المقابر تتكون من صنفين صنف يتمثل في المنازل الآيلة للسقوط والمنازل حديثة البناء ولكن مبنية بطريقة عشوائية. أوضاع اجتماعية صعبة ومئات القصص والحكايا يعيشونها سكان هذه المنازل،التي تقطن بها بـ 70 ألف أسرة (يضاف إليها 20 ألف في الأحياء غير القانونية). أحداث مأساوية هنا وهناك، حصدت عشرات القتلى والجرحى في العديد من المدن مثل مدينة فاس ومراكش وبني ملال. التجديد عاينت جزءا من أوضاع هذه البنايات وأوضاع قاطنيها ببعض المدن، كما استطلعت آراء المختصين في الموضوع، فأنجزت الملف التالي: مئات الأسر تحصي أيامها، وتعيش في دوامة الهلع والفزع في كل لحظة وحين، مسنون وأطفال ورجال ونساء يتقاسمون ألم العيش في منازل آيلة للسقوط، وينتظرون حلين لا ثالث لهما، فإما الموت تحت الأنقاض أو الرحيل إلى سكن لائق ملائم وفق تسهيلات تراعي أوضاعهم المادية. التجديد استطلعت واقعهم وعاينت ظروف عيشهم، كما طرقت أبواب المسؤولين بالمدينة فوجدتها موصدة. إلى الله المشتكى بدرب التويزي بالمدينة العتيقة بفاس، يوجد ممر مظلم اصطلح عليه السكان درب الميترو، توجد بنايات متصدعة وشقوق يسيل منها التراب، الدخول للمكان بمثابة مغامرة. ففي إحدى الغرف يوجد سرير وبعض الأمتعة يزينها التراب والأعمدة الخشبية، سقف على أهبة الانهيار في أي لحظة وحين، هذه الغرفة تأوي إليها السيدة (فاطمة التوزاني) التي تعبت من كثرة الشكايات الموجهة للمسؤولين، غير أن جملة ما زالت راسخة في مخيلتها إنها المثل القائل ما يحك ليك غير ظفرك، الذي قاله حميد شباط، رئيس المجلس البلدي بفاس، لمجموعة من سكان المنازل المهددة بالانهيار منذ سنة عندما عقد معهم لقاء بمقر العمالة بالمدينة مما جعلهم ينسحبون احتجاجا. فكرت فاطمة لعلها تجد حلا يجنبها هي وأسرتها الكبيرة الموت تحت الأنقاض، غير أن قلة ذات اليد كان العائق أمامها، تقول بانفعال ذهبت عند فؤاد السرغيني وعند شباط ولكن لم يجدوا لنا حلا سوى الوعود الفارغة. انهيار إحدى الدعامات الخشبية بمنزل فاطمة جعلها تعيش يوميا في رعب شديد، ختمت كلامها والدموع تنهمر على خديها بالقول إلى الله المشتكى. سكن بديل في غرفة صغيرة تحلقت (العالية الحميدي) وأبناءها الثلاثة حول مائدة الأكل، لا يضيء المكان سوى شمعة ، تقول العالية لـالتجديد زوجي دخله ضعيف ونحن نسكن في الأسفل فلو قدر الله وهوى المنزل لأصبحنا في عداد المفقودين، تنضم إلينا جارتها نجية لتبدي رأيها في الموضوع قائلة لقد نفذ صبرنا ونريد حلال عاجلا ونحن مستعدون لدفع تكاليف سكن بديل شرط أن يراعي ظروفنا المادية. تقاطع حديثنا طفلة جميلة (فدوى) من سكان المنزل، لتقول بجرأة طفولية أنا أدرس بالمستوى الخامس ابتدائي كيف يمكن أن أدرس وأجتهد في مثل هذه الظروف؟، كما أن فاتورة الضوء باهظة الثمن جعلت أبي يحرمنا من الضوء، مما يجعلني أذهب عند عمتي في حي آخر للدراسة. فدوى وأطفال آخرون بهذه المنازل ينامون يوميا وكوابيس سقوط المنزل تطاردهم، والدعامات الخشبية والأتربة التي تحيط بالمكان يعتبرونها لوحات فنية تصلح لأن تزين بها مكاتب المسؤولين حتى يشعروا بمعاناتهم. فوق الواد الحار بالمنزل 92 بدرب التويزي توجد روائح كريهة تزكم الأنوف، تشعر كل من ولج مدخل المنزل بالغثيان ، فالمنزل أسفله مجمع الوادي الحار للدرب، تقطن به سبعة أسر، توجد غرفة على وشك الانهيار مما جعل المقيمة بها (سيدة مسنة) تنام على حافة الغرفة تحسبا لأي طارئ. في الغرفة المجاورة يرقد (محمد بوسلهام) يصارع المرض وزوجته بجانبه لا تعرف ماذا تصنع، وحده أخوه رشيد الذي سعى ليجد حلا لأخيه خاصة أن أوضاعهم المادية صعبة لكن دون جدوى. بأسى وحزن عميق، يقول رشيد المنازل الآيلة للسقوط تقتل وأيضا الروائح الكريهة، لقد تعبنا من وعود المسؤولين ومن كثرة زيارتهم لنا لكن دون نتيجة تذكر، تنهمر دمعة على خده دون سابق إنذار، خاصة أن الرجال قلما يبكون، ويتمم حديثه قائلا نريد حلا مناسبا في أقرب الآجال.. رسائل استغاثة وجهها سكان درب التويزي للمسؤولين غير أن جواب هؤلاء هو قرار الإفراغ، ليرد السكان من جديد بشكايات عديدة توضح أن لا حول لهم ولا قوة حتى يغادروا منازلهم التي كانوا يكترونها بثمن بخس. وللأفارقة نصيب بباب سيدي بوجيدة، يوجد منزل كبير يحمل الرقم ,23 سوره الأمامي مهدد بالانهيار، ما إن تراه لأول وهلة حتى تظن أنه خربة مهجورة، لكن ما إن تلج إليه حتى يشدك معماره الأصيل، وتنبهر بجمالية الهندسة المغربية التي ما زالت آثارها بادية للعيان، بهو شاسع زخرفت أرضيته بألوان وأشكال مختلفة، وغرف واسعة، دعائم من الخشب تحول دون سقوط الواجهة الأمامية للمنزل، أما الجزء الأكبر منه فلم يعد صالح للسكن فتم إغلاقه. لم يكن هذا المنزل الجميل سوى وقف من العلامة عبد الحي المودن الكتاني أوقفه للأفارقة، ويقطن به ست أسر ومازال يستقبل التلاميذ والطلبة الأفارقة الذين يأتون لمدينة فاس للعلم والمعرفة. حسن حيدر (تاجر) ينحدر من السينغال، مقيم به منذ 19 سنة متزوج وأب لثلاثة أطفال، لا يمكنه هو وشركاؤه في السكن أن يغيروا من الواقع شيئا، يكتفي بالقول إنكم تشاهدون الواقع، تقاطعه سعيدة بشور، من سكان المنزل بقولها إن وجدوا لنا حلا سنكون سعداء. على حافة الانهيار اعتبر محمد يوسف، إطار بالوكالة الحضرية بمدينة فاس، أكبر خطر تواجهه فاس هو البنايات الآيلة للسقوط بالمدينة القديمة، حيث توجد 1097 منزلا مهددا بالانهيار من بين 13924 منزل بما يشكل نسبة 18 %. ولعل من أسباب التهديد بالانهيار، يقول يوسف، في تصريح لـالتجديد هو تقادم البنايات، حيث تلاشي مياه المجاري التقليدية والتقادم على مستوى القناطر والقنوات والأسس وجدران الدعم والقناطر التي فوق الوديان (وادي الجواهر) وامتداد المجاري ووجود أشجار ونباتات، إضافة إلى ارتفاع درجة الرطوبة داخل المدينة وانهيار المناعة على مستوى السطوح والقنوات . ومما يؤدي إلى تأزم الوضع أكثر هو بعض التدخلات في طريقة الإصلاح والتي لا تنسجم مع المواد التقليدية (مثل استعمال الاسمنت المسلح) بالإضافة إلى إصلاح قنوات الصرف الصحي بالآليات العصرية التي تحدث في غالب الأحيان تصدع الجدران، علاوة على أن المنازل التي كانت تمتلكها العائلة الواحدة أصبحت مكتراة للعديد من العائلات مما يصعب معه عملية الترميم حسب تصريح يوسف.