تعتبر أراضي الجموع أو الأراضي السلالية صورة من صور الملكية، و نظام عقاري يندرج ضمن البنية العقارية المعقدة والمركبة بالمغرب. وتصل مساحة هذه الأراضي إلى 12 مليون هكتار تتوزع بين الأراضي الزراعية والغابوية والرعوية والقاحلة، بعضها أصبح ضمن المدار الحضري وما يعنيه ذلك من قيمة عقارية ومالية، وبعضها الآخر عبارة عن أراضي سقوية، وكذلك مقالع أحجار ورمال وغيرها. فأراضي الجموع عبارة عن وعاء عقاري متنوع ومهم من حيث المساحة والنوعية. لكن هذه الأراضي بهذه الأهمية تنظم بموجب قانون يعود إلى الفترة الاستعمارية، وبالضبط ظهير 27 أبريل ,1917 وتم تعديل بعض مواده سنة ,1963 لكن هذه التعديلات رغم قدمها فهي لم تمس جوهر وفلسفة القانون القديم. لقد أصبحت هذه الأراضي موضوع نزاعات داخل المحاكم، وأمام مجلس الوصاية أيضا، نزاعات بين أفراد الجماعات السلالية، وبين هذه الأخيرة والمؤسسات التابعة للدولة، وأضحت في بعض الحالات عائقا أمام الاستثمار في كل المجالات. لكن الأخطر هو أن الفراغات الموجودة في القانون ووضعية هذه الأراضي، جعلتها فريسة للترامي عليها وتفويتها أو استغلالها بأثمنة لا تناسب وقيمتها الحقيقية. وإن وضعية هذه الأراضي تجعل من غير المنطقي أن يتم تنظيمها بقانون يعود إلى أوائل القرن الماضي؟ ليطرح السؤال حول أسباب استمرار تنظيمها من خلال آليات لا تنسجم والتحولات الاجتماعية العميقة التي يعرفها المجتمع المغربي؟ ما السر في تمسك الوزارة الوصية أي وزاري الداخلية بقانون يعود إلى سنة ,1917 وهي التي تقيم الدنيا ولا تقعدها ببرامج حكامة التدبير المحلي؟ هل المبالغ المحصل عليها من التصرف في هذه الأراضي تشكل الصندوق الأسود للوزارة؟ هل هناك آليات شفافة وواضحة توضح وضعية الصندوق وطريقة التصرف في هذه الأموال؟ ولماذا لم يتم تفعيل توصيات مناظرة الوطنية حول أراضي الجموع المنعقدة في دجنبر 1995؟ أليس من المنطقي إعادة النظر في طرق وآليات تدبير هذه الأراضي في ظل الكم الهائل من المنازعات أمام المحاكم؟ ولماذا تحرم المرأة من حق الاستفادة من هذه الأراضي؟ كيف يتم تدبير أراضي الجموع؟ حسب ظهير 27 أبريل ,1919 فالأراضي السلالية تتصرف فيها القبائل لكن تحت مراقبة وزير الداخلية باعتباره ممثلا لسلطة الوصاية. وهناك مستويين من تدبير الأراضي الجموع، الأول يتمثل في جماعة النواب وتتكون من ممثلين للجماعة يتم تعينهم من طرف السلطة المحلية، من اختصاصهم توزيع الانتفاع بين أفراد القبيلة، وتنفيذ قرارات مجلس الوصاية. لكن الملاحظ أن الذي يرأس الجلسة النيابية ويصدر المقرر النيابي، هو القائد كممثل للسلطة الترابية، بينما دور النواب هو التوقيع. المستوى الثاني يتمثل في مجلس الوصاية المكون من ستة أشخاص أربعة منهم ينتمون إلى الحكومة واثنان يعينهم وزير الداخلية، وله اختصاصات مهمة في مجال تدبير هذه الأراضي وتوزيع واستثمار الأموال المتأتية من أوجه التصرف فيها. ويرى السكال إن النظام المعتمد في تنظيم هذه الأراضي هو نظام متجاوز ويطرح إشكال عميق حول مدى ملاءمة هذا التنظيم للتطورات التي عرفتها بلادنا، فعدد مهم من هذه الأراضي أصبح عبارة عن أراضي سقوية تحتاج إلى استثمارات كبيرة، إضافة إلى الفوضى في عمليات البناء في هذه الأراضي، والتي تؤدي في كثير من الأحيان إلى مضاربات عقارية، وأضاف بأن التحولات الاجتماعية التي عرفتها بلادنا وحاجيات المرحلة يفرضان إعادة النظر جذريا في نمط التدبير، خصوصا الحضور القوي لوزارة الداخلية في هذا المجال وكذا طريقة تشكيل جماعة النواب ومجلس الوصاية. من جهته يرى رباح أن النظام المعتمد لا يساعد على التدبير الشفاف والنزيه لهذه الأراضي، بل إن غموض مقتضيات القانون المنظم يسمح بوجود مؤسسات تدبيرية يشغلها ممثلون مفروضون على الجماعات السلالية، لان نظام انتخاب النواب غير واضح، وحتى النواب الذين يمثلون هذه الجماعات لا يتوفرون على ثقافة قانونية ويستخلص رباح أن الأمر يحتاج إلى مزيد من المأسسة وكذا التكوين القانوني للنواب. بالنظر إلى أهمية الأراضي السلالية وحجم المنازعات بخصوصها، يتطلب الأمر التسريع بإعادة النظر في قانون موروث عن الحقبة الاستعمارية، كان هدفها الأساسي هو إيجاد صيغ قانون لشرعنة احتلال واستغلال الأراضي، بالتالي لا يفهم لماذا يتم الاحتفاظ بقانون عكس المنطق الكولونيالي في التعامل مع الإنسان والأرض وقد طالبت الهيئة الوطنية لحماية المال العام بضرورة تغيير القانون المنظم لأراضي الجموع لكي يضمن حقوق أصحابها من خلال تعويض المتضررين وتمليك المتبقين منهم. التفويت.. بأي ثمن؟ بلغ عدد الأراضي التي تم تفويتها برسم سنة 2007 ما يناهز 2489 هكتار، كما أن هناك 5500 هكتار سيتم تفويتها للمكتب الشريف للفوسفاط،، بطبيعة الحال فالذي له صلاحية النظر في التفويتات هو مجلس الوصاية، ويؤكد رباح أن تفويت هذه الأراضي يتم بثمن زهيد وفيه ظلم كبير لذوي الحقوق لأن ثمن هذه الأراضي لا يتناسب وقيمتها الحقيقية، بل إن نواب الجماعات السلالية، والذين يتم فرضهم في غالب الأحيان، يوقعون دون استشارة ذوي الحقوق أو يكرهون على التوقيع على محاضر التفويت أو على أوراق بيضاء، في استغلال لامية الكثير منهم. وحسب عدد من الملفات؟ الشكايات تتوفر عليها الجريدة، فذوي الحقوق غالبا ما يفاجئون بتفويت أراضيهم دون علمهم أو بأثمان بخسة، وكمثال على ذلك النزاع القائم بين الجماعة السلالية لكسيمة مسكينة و شركة العمران، بحيث تم تفويت أرضها وتعويض ذوي الحقوق بثمن 50 درهما للمتر، وتوضح الصور التي حصلت عليها الجريدة أن الأرض أقيمت عليها مشاريع تجارية وعقارية مهمة، ولازالت هذه القضية معروضة على أنظار المحكمة الإدارية بأكادير، وهناك أمثلة كثيرة لهذا النوع من النزاعات كالأراضي التابعة لقبيلة أهل إكلي بميسور إقليم بولمان وأخرى بقبيلة تمزقت، وهي على كل حال قضايا معروضة على القضاء، وبعضها على مجلس الوصاية. لكن الأكيد أن هذه المنازعات تكون لها ضريبة اجتماعية ثقيلة، وتؤدي في غالب الأحيان إلى الاحتجاج واللجوء إلى المحاكم. فقد وصل عدد الملفات المعروضة على مجلس الوصاية في تسع أشهر من سنة ,2007 وصل إلى 334 ملفا، أما عدد طلبات إلغاء قرارات مجلس الوصاية المعروضة على أنظار المحاكم الإدارية فوصل خلال سنتي 2006و2007 إلى ملف,246 وهي ملفات تتراكم ويتم حفظ بعضها. وهي دليل على حالة الفوضى التي تعرفها عمليات التفويت، وعلاقة بالموضوع قال رباح إن قسم الشؤون القروية بوزارة الداخلية المتدخل الرئيسي في الملف، مطلوب منه بدل جهد كبير من اجل تحديث وتخليق تدبير هذه الأراضي، من خلال اعتماد معايير دقيقة للتفويتات. أين تذهب الأموال؟ حسب ظهير ,1919 فمجلس الوصاية هو الذي ينظر في توزيع العائدات المالية في حالة رغب في ذلك ذوي الحقوق، وحسب الإحصاءات الرسمية فقد تم سنة 2007 توزيع ما قدره 37 مليون درهم على 13000 ألف شخص من ذوي الحقوق ينتمون إلى جماعات سلالية مختلفة، كما تم استثمار 28 مليون درهم في مشاريع لصالح هذه الجماعات. وهذه المبالغ هي فقط جزء من عائدات المقالع والأكرية والتفويتات والعمليات التجارية بأراضي الجموع. وفي هذا الإطار يؤكد السكال أن هناك مبالغ هامة يتم ضخها بصندوق الوصاية من خلال عمليات التفويت والاكرية، لكن الملاحظ هو غياب سياسة لتنمية الجماعات السلالية وتطويرها أما رباح فيرى بأن صندوق الوصاية الذي تشرف عليه وزارة الداخلية يشوبه الكثير من الغموض، والمطلوب هو أن يكون الاستثمار بهذه المناطق عبارة عن تعويض مادي لقيمة الأرض التي تم تفويتها أو كرائها، لأن هذه المناطق تحتاج إلى عملية تنموية حقيقية، ويمكن أن تشكل هذه العائدات أساس هذه العملية. لكن، يبقى السؤال المطروح حول طبيعة هذا الصندوق ودوره وما مصير الأموال التي يتوفر عليها؟ وماهي معايير التعويض؟ ومعايير اختيار المشاريع وإنجازها؟ المرأة تحرم من الاستفادة حسب فصول ظهير ,1919 فالمرأة لا تستفيد من حق الانتفاع من أراضي الجموع وفي حالة إذا كانت أرملة فهي تستفيد إذا كان لها ولد ذكر، أما إذا كان لها ولد بنت فلا تستفيد. وإذا كان هذا الأمر قد يفهم من حيث أن القبيلة تحافظ على الملكية داخل القبيلة من خلال اقتصار ذلك على الرجل، لأن المرأة قد تتزوج من خارج القبيلة بالتالي انتقال الملكية من خلالها إلى خارج القبيلة. لكن الأمر غير مقبول من الناحية الشرعية، إذ يؤكد عز الدين توفيق إمام وخطيب بمسجد عقبة بن نافع بالدار البيضاء أنه ليس هناك في الشرع ما يمنع المرأة من أن ترث، فالنصوص واضحة في هذا الموضوع، من جهتها قالت بسيمة حقاوي رئيسة منظمة تجديد الوعي النسائي بأن إعطاء الرجل حق الانتفاع في أراضي الجموع، وحرمان المرأة من ذلك هو حيف يمارس ضدها، وأمر غير منطقي ولا علاقة له بالقانون والشرع، ولا يجوز على كل حال أن يتحول العرف إلى قاعدة قانونية، مادام أن هذا الأخير غير منصف بل يلحق الضرر بالإنسان. بكلمة، موضوع أراضي الجموع يحتاج فعلا إلى إعادة النظر في تدبيرها من خلال عملية إحصاء تدقق في المساحة، وضم الأراضي وتوزيعها على ذوي الحقوق في اتجاه العمل على تحفيظها، إضافة إلى إخراج نظامها من مربع الوصاية إلى نظام التدبير الشفاف والنزيه واعتماد الآليات الحديثة في المراقبة، واعتماد برنامج تنموي يستهدف حاجيات هذه المناطق، مع التأكيد على إعطاء المرأة حقها الشرعي والقانوني في الانتفاع كأخيها الرجل. وإلا فان خطاب الحكامة الجيدة في واد ووزارة الداخلية في واد آخر.