يشهد الواقع المعيش في مجال نقل المسافرين داخل المدن وخارجها، على استفحال ظاهرة تأجير رخص سيارات الأجرة الصغيرة والكبيرة، وكذا حافلات نقل المسافرين، الذي تسيطر عليها بعض الشخصيات النافذة في الدولة، حيث يستغل مالك عدد من الرخص، وأصحاب الشكارة الذين ليسوا إلا سماسرة للمأذونيات أو ما يطلق عليها كريمات النقل، حاجة السائقين للعمل لإملاء شروط تعسفية تأخذ بعض من حقوقهم، وتجعلهم دون أية حماية قانونية أو إنسانية، إذ تصل نسبة الأشخاص المالكين لمأذونيات، ولا تربطهم بالمهنة أي صلة 90 %، وذلك بسبب عقود الامتياز التي تمنح لغير أهلها حسب ما تنطق به العديد من بيانات نقابات هذا القطاع يكمن الإشكال الحقيقي في ملف المأذونيات بداية في الأسلوب الغامض التي تتوزع به عقود الامتيازات، التي هي في الأصل هبة ملكية للمعوزين وذوي الحاجات الخاصة، لا تكرى ولا تباع ولا ترهن، نهاية بعملية المتاجرة والاستغلال التي يتعرض لها عدد من مهنيي القطاع . سقوط شبكة أمر ممثل النيابة العامة بمحكمة الاستئناف بسلا يوم الاثنين 31 دجنبر الماضي باعتقال المتهم (خ.أ )، الملقب بـالبهجة المتميز باحترافية في ميدان الترصد للمواكب الملكية، والذي له علاقة بموظفين في الإقامة الملكية بالرباط وإقامتي الأمير مولاي رشيد وللاحسناء، احتياطيا وإيداعه بالسجن المحلي بسلا لارتباطه بشبكة متخصصة في التزوير وتقديم شكايات ذات طبيعة اجتماعية. وقد وجه ممثل النيابة العامة للمتهم، وهو رياضي سابق، ينحدر من مدينة سلا أثناء التحقيق معه تهم تكوين عصابة إجرامية متخصصة في النصب والاحتيال، وتزوير وثائق رسمية وإدارية، واستعمالها وانتحال هويات والارتشاء. ويتابع في هذه النازلة التي أصبحت تعرف بملف لاكريمات، 28 متهما من بينهم قائد سابق، وستة من رجال الأمن وثلاثة موظفين بوزارة الداخلية، ضمنهم امرأة وثلاثة أعوان سلطة وتاجر، ومدير شركة. وينحدر المتهمون، الذين أحيلوا على النيابة العامة بالمحكمة ذاتها في تواريخ مختلفة، من مدن الرباطوسلا وفاس ومكناس والعرائش وطنجة والناظور، وقد قررت النيابة العامة خلال الشهر الماضي إحالة 25 متهما من أفراد الشبكة، مباشرة على غرفة الجنايات المختصة في جرائم الأموال، وحدد تاريخ أول جلسة يوم الخميس الماضي لمناقشة الملف، فيما قررت غرفة الجنايات الابتدائية بالمحكمة ذاتها، خلال الشهر الماضي، الاستجابة لملتمس تقدمت به النيابة العامة بحجز ممتلكات 13 متهما من أفراد الشبكة. واعتقلت السلطات أيضا محمد ركيك الذي يلقب بـ زامبيا، ويعتبر من كبار سماسرة الهبات الملكية، واستغلال رخص سيارات الأجرة الصغيرة بعدة مدن بينها العرائش، الذي اعترف بأسماء المتعاملين معه، الذين كانوا يشكلون أخطبوطا داخل القصر وخارجه برؤوس عديدة، للمتاجرة في هبات الملك وباقي الأمراء. وعلى خلفية الاعتقالات التي طالت بعض الأشخاص النافذين في الدولة، روجت بعض الصحف صدور تعليمات ملكية بسحب مأذونيات النقل الكريمات وجميع الامتيازات التي سبق أن حصل عليها من جميع العاملين في سلك الجيش، وكبار ضباط الدرك الملكي والأمن الوطني وموظفي القصر، ومصالح وزارة الداخلية، بل طال الأمر حتى بعض الحراس الشخصيين للملك. ذكرت جريدة الصباح قبل أسابيع، أن جلالة الملك يتابع عن كثب التحقيقات المكتفة التي ما تزال متواصلة، وتنذر بإسقاط العديد من الرؤوس الأخرى التي تختص في المتاجرة والتلاعب بالهبات والمنح التي يقدمها جلالته للمعوزين وذوي الاحتياجات الخاصة، وإلغاء العمل بهذا الأسلوب في منح الرخص بعد افتضاح الحقائق الخطيرة في أعقاب اعتقال السمسار زامبيا واعترافه بأسماء جميع المتعاملين معه. سماسرة المأذونيات المسار القضائي المذكور لنازلة واحدة هو بمثابة الجزء الظاهر من جبل الجليد، إذ إن قطاع نقل المسافرين يعاني منذ أمد بعيد من كثرة الوسطاء، وهم سماسرة أشباح من الدرجة الثانية، يحترفون المتاجرة في لاكريمات، وقد تمكنوا من ربط علاقات متشعبة ومتفرقة، مكنتهم من كسب المزيد من المال غير المشروع. ومعظم السائقين لا يعرفون صاحب المأذونية الأصلي الذي توقع الأوراق باسمه لدى السلطات، بحيث يجري الاتفاق فقط مع الوسيط الذي يكتري المأذونية من المالك الأصلي ليستغل عن طريقها حاجة السائق المهني ويفرض شروطه عليه. القضية تصل البرلمان وكان النائب البرلماني حبيب الشوباني، قد اتهم الحكومات المتعاقبة بالفشل في تحقيق كسب محترم لمكافحة الفساد في مجال مأذونيات نقل الأشخاص، وقال النائب خلال جلسة الأربعاء 12 دجنبر المنصرم بمجلس النواب أن قطاع نقل الأشخاص ما زال مرتعا لاقتصاد الريع مما أدى إلى تفشي الفساد، وتفجير فضائح التلاعب بالمأذونيات قبل أيام، بلغت دائرة الفساد المحيط الملكي، ودعا الحكومة إلى امتلاك إرادة سياسية لمكافحة الفساد، وتفكيك أنظمة الريع والامتياز غير المشروع. احتجاج هنا وهناك سبق للهيئات النقابية لسيارات الأجرة الكبيرة والصغيرة في أكثر من مدينة كبني ملال وأسفي وأكادير،أن طرحت فيها أكثر من مرة مشكل الامتيازات التي تمنح للذين ليسوا في أمس الحاجة إليها، وخاصة بعض الشخصيات النافذة مما ساهم حسب بياناتها، في تصدير هذه الرخص إلى مدن الجنوب، بالرغم من كون المأذونية ليست إلا هبة للمحتاجين وذوي الاحتياجات الخاصة لا تكرى ولا تباع ولا ترهن. واستنكرت 11 جمعية ونقابة ممثلة لقطاع سيارات الأجرة بصنفها الأول والثاني بأكادير ما وصفوه بالوضعية غير الطبيعية التي يعرفها قطاع سيارة الأجرة بالمدينة، وذلك بتسليم 300 مأذونية تقريبا في أقل من سنتين للذين ليس لهم علاقة بالقطاع، الشيء الذي أثر سلبا على المهنيين وخلق أزمة اجتماعية. كما طالب مهنيو قطاع سيارة الأجرة بأسفي بفتح تحقيق حول ما أسموه بـ التلاعبات التي عرفتها طريقة تفويت رخص الكريمات، موضحين أن عدد من رخص الامتيازات وزعت بواسطة مافيا السماسرة، حيث يستفيد منها أناس لا يتوفر فيهم على أبسط معايير الاستفادة، لدرجة أن البعض تحدث عن منح رخص لرضع ونقابيين ومستشارين وأغنياء في المدينة. وقال مسؤول نقابي بالمدينة إن العديد من العائلات تمتلك 10 كريمات، بل هناك أطفال رضع بمدينة لا تتجاوز أعمارهم ستة أشهر ويتوفرون على مأذونية خاصة بهم! وأضاف المصدر النقابي في تصريح لـ التجديد بأن عدد المأذونيات بالمدينة لم يكن يتعدى 180 امتيازا قبل 5 سنوات من الآن إلا أن حجمها ارتفع إلى 502 خلال خمس سنوات فقط، في حين توجد بمدينة أكادير 1300 رخصة للصنف الصغيرة، و1200 من الصنف الكبير. حالة ناطقة مثل المئات من السائقين، يعاني (ع.أ) من انتقاء الصفة القانونية عن كراء المأذونية التي تربط بين السائق وصاحب الشكارة الذي قد يكون مالكا للمأذونية، أو أي شخص آخر لديه من المال ما يكفيه لاقتناء بعض السيارات وكراءها بمبلغ معين، بالإضافة إلى مبلغ سنوي قد يصل إلى 14 مليونا، وتختلف قيمة المبلغ حسب المنطقة أو المدينة والخط الممنوح للمأذونية. وجد (ع.أ) نفسه وعائلته في الشارع، دون عمل بعد انتهاء الثلاث سنين المتفق عليها مع صاحبة المأذونية، سيما وأنه لم يُـتم أقساط السيارة التي كان يشتغل عليها كسائق، إذ فرضت عليه صاحبة المأذونية مبلغ 3000 درهم عبارة عن رشوة (حلاوة)، بالإضافة إلى مبلغ 1500 درهما شهريا، لتجديد العقدة معها، وهو المبلغ الذي لم يستطع (ع.أ) توفيره خلال المدة التي اشتغل فيها طبعا. وبعد ثلاث سنوات من العمل المضني، يقول (ع.أ)، يجد نفسه رقما إضافيا للمعطلين، فلا قانون يحميه من الاستغلال الذي تعرض له، لأن صاحبة المأذونية هي صاحبة القرار، ولها أن تفرض شروطها على الضعفاء من شاكلته. وما حالة (ع.أ) إلا نموذج لكثيرين غيره ممن يعانون الحيف نفسه، ولكن يخشون من التصريح لوسائل الإعلام بما حصل معهم مخافة الانتقام منهم، ومحاربتهم في لقمة عيشهم، ومن الأشياء التي تظهر الممارسات غير القانونية، أن يدون مالك السيارة ـ الذي هو السائق ـ سيارته في اسم صاحب المأذونية، لأن عملية الكراء غير قانونية، ثم يوقعان ورقة جانبية تثبت أن السيارة ليست لهذا الأخير بل هي للسائق، وبالطبع يعتبر الاتفاق تحايل على القانون، ولا حل أمام السائق المغلوب على أمره إلا الإذعان للأمر الواقع. فماذا سيحدث في حالة وفاة صاحب المأذونية؟ وأي قانون سيحمي السائق ويعيد إليه سيارته؟سيما وأن العديد من مهنيي القطاع اتصلت التجديد بهم يعون جيدا بأن الاتفاقية التي تجمع السائق بصاحب المأذونية أو مكتريها لا تتم بشكل قانوني، بل هي عقد هامشي بينهما، وغير مصادق عليه من لدن السلطات المعنية، وبالتالي فالملايين التي تقدم رشوة (حلاوة) لاستغلال المأذونية لا تدون في وثيقة رسمية. أكثر من ذلك، هناك أشخاص خارج أرض الوطن ويتوفرون على مأذونيات يكترونها للسماسرة بثمن معين، ليفرض هذا الأخير شروطا خيالية على السائق الذي يرضخ لطلباته في أكثر الحالات، هذا في الوقت الذي يتوق فيه سائقو الطاكسيات إلى تملك الرخصة للإحساس بالاستقرار، ووضع حد للنزاعات القائمة. فك النزاع على مستوى مدينة الرباط، تتدخل لجنة من القسم الاقتصادي والاجتماعي بالعمالة لفض النزاعات المتعلقة بالمأذونيات، والتي تسمى أيضا المجلس التأديبي، إلا أن بعض المصادر أكدت لـالتجديد أن المسؤولين بهذا القسم يحمون صاحب الشكارة على حساب السائق الذي لا حول له ولا قوة، وتساءلت المصادر ذاتها : كيف تعمل السلطات على فض النزاعات المتعلقة بهذه العقود غير الرسمية؟، خاصة وأن الذي يقوم بالاستدعاء وبشكل شفوي ليس سوى شرطي المراقبة، والذي يسجل لديه سائقو الطاكسيات الصغيرة مرتين في اليوم في إطار عملية التفتيش. ويتساءل الكثير إن لم يحن الوقت بعد لتغيير ظهير 1963 المنظم للقطاع، مادام غير ملائم للواقع الذي يعيشه هذا النشاط، خاصة ما تعلق بـ لاكريمات التي نص بشأنها على أنه يمنع الكراء والشراء والرهن ويمنع توارثها، لكن الواقع عكس ذلك حيث تباع المأذونيات بمبالغ خيالية للمتاجرة في معيشة شريحة كبيرة من المجتمع، وترهن بمبالغ خيالية أيضا، في غياب تام لمواصفات محددة وإجراءات واضحة.ويرى العديد من العاملين أن ظهير ,1963 الذي يعد بمثابة القانون الأساسي للمهنة، أضحى عاجزا عن حل المشاكل القائمة، ومن ذلك أن المستثمر في القطاع يستثمر رأسماله باسم مالك المأذونية، وفي حال وفاة هذا الأخير يجد المستثمر (السائق) مشاكل في تجديد السيارات أو إنجاز الإجراءات التي تتطلب قانونيا توقيع صاحب المأذونية، كما أن الأبناك تمتنع عن منحه قروضا إذا تجاوز سن الستين. وعلى أن وزير التجهيز والنقل كريم غلاب لم يطبق لحد الآن ما وعد به يوم 13 مارس,2007 بوضع البطاقة الرمادية في اسم مالك السيارة المشغل للمأذونية، واعتماد عقد نموذجي ينظم العلاقة بين صاحب المأذونية والمستغل مباشرة، يضمن حماية كاملة للسائق المهني.