قال الشيخ حارث الضاري في لقاء مع موقع المسلم ان ما جرى في العراق كان مقدراً منذ عقود؛ فـ إسرائيل سعت دوما لتفتيت العراق منتهزة أي فرصة مواتية. واضاف ان ما جرى في العراق كان مقدراً منذ عقود؛ فـ إسرائيل سعت دوما لتفتيت العراق منتهزة أي فرصة مواتية، تأسيساً على الأساطير التي سطرت في كتبهم من توراة وتلمود وغيرهما، ثم ما عمقته الحركة الصهيونية من حقد على هذه الأمة عموماً، والعراق خصوصاً، حين جعلوا من سبيهم على يد نبوخذ نصر البابلي العراقي الوثني الذي لم يؤمن بالإسلام ولم يشر المسلمين فيما فعل، وجلب الكثير منهم إلى العراق وإلى وسط العراق تحديداً (بابل وما جاورها من مناطق العراق)، مدعاة للانتقام من الشعب العراقي بناء على مآسي السبي البابلي، والواردة في التوراة والتلمود، ثم بناء على النصوص الداعية للانتقام في التوراة، والتي هي للعيان واضحة الوضع وواضحة الدس لأنها لا تشبه كلام البشر العادي البسيط فضلاً عن أن تحاكي كلام الأنبياء والرسل ومن ثم كلام الله جل وعلا. وفي النصوص تلك تجد فيها وعيداً شديداً للعراق والعراقيين، وتحريضاً على تدميره وحرقه!! هذه الأساطير تشربها اليهود؛ فمنهم من تشربها كعقيدة، عن جهل، ومنهم من تشربها فكراً ليزيد الحقد ونار الضغينة على الأمة العربية والإسلامية والبلاد العربية والإسلامية ومنها العراق، ووضعوا في هذه الأساطير أن هلاكهم يأتي من الشرق ومنهم من ينص أنه سيأتي من العراق، ويهولون من أمره وخطورته ما أذكى بدوره نار الحقد في قلوبهم، حتى إذا ما أنشؤوا دولتهم الغاصبة في فلسطين سنة 48 ـ لا أطال الله بقاءها ـ على غفلة وضعف وتواطؤ من جهات عالمية ومحلية، وضعوا نصب أعينهم تفتيت هذه الأمة وقلبها العراق، الذي هو حقيقة لا مجازاً، ولا ادعاء شخصي، حيث يدرك ذلك الكثير من مفكري الأمة وكتّابها ومؤرخيها الذين يركزون على أهمية العراق بالنسبة للأمة، وأنه بمثابة القلب الذي خدم الأمة قروناً في العهد العباسي، وقدّم لها ـ بل للإنسانية ـ حضارة تعلمون شأنها ربما أكثر مني. وفيما يلي نص الحوار: في أثناء زيارته للرياض التقيناه، بث لنا من شؤون العراق وشجونه ما عبر بنا من أعماق التاريخ إلى حقائق الواقع وشواهده. من ثناياه تخرج الكلمات قوية وواثقة، وعلى الرغم من تضمن جدول زيارته للسعودية لمراجعة الأطباء، والآلام التي ألمت به، جاورت متاعب المحنة العراقية في جسده، ومسؤولية جسيمة يتحملها مع إخوانه وأبنائه من أحرار العراق وأشرافه، إلا أننا لاقينا رمزاً له من اسمه قسط وافر ونصيب. حدثنا عن جذور الأزمة، ولماذا استهدف بلده بالذات، ونشأة هيئة علماء المسلمين التي يترأسها، وكيف نما غرسها، وقيمة الوطن، ونجاح الهيئة في أن تكون لكل العراقيين من الأحرار، وذكر بمعنى الوطن، وبأنه ليس مما يسترعي من الناس استنكافاً أن يدافعوا عنه، ويؤدوا له حقه عليهم، لاسيما في بلد متعدد الطوائف والأعراق والأديان. وتطرق لمسألة المقاومة واختراق بعض فصائلها، وامتنع عن تسمية الصحوة بهذا الاسم، وعن تضخيم ما يتردد عن نجاحات للاحتلال، معتبراً أنه مأزوم غير مهتدٍ لوسيلة للخلاص من مأزقه.. فلا الولاياتالمتحدة تريد الانسحاب ولا لديها تصور عن الخطوة التالية في العراق بحسب فضيلة الشيخ الدكتور حارث الضاري، الذي أبدى ثقته في زوال الاحتلال وأعوانه. ولفت إلى بقاء كل الخيوط الوزارية في يد المالكي الذي منحه الرئيس بوش كل الصلاحيات، لكنه لم يزل يحكم من داخل المنطقة الخضراء لا يبارحها!! وكشف عن أن البلد كله أضحى يعاني من ويلات الاحتلال حتى في أخص مناطق الشيعة،كربلاء على سبيل المثال، التي تأتيه الشكاوى منها كما من غيرها من التناحر الشيعي الداخلي، وشح المواد التموينية. من خلال كلماته جمع بين وفرة المعلومات من داخل العراق وشيوع الظلم والاستبداد والقتل والفقر، والأمل في نجاح المقاومة وزوال الاحتلال.. وأبدى غبطته للقاء علماء نجد فكان هذا اللقاء: هل لفضيلة الشيخ الضاري أن ينقل لنا مشاعره خلال هذه الزيارة المباركة التي بدأها بحج بيت الله الحرام؟ الشيخ الدكتور حارث الضاري :بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه، وبعد؛ فقد قدر الله تعالى لي أن أحج هذا العام بناء على دعوة مباركة من خادم الحرمين بارك الله فيه ووفقه لكل خير؛ فالشكر لله مرة ثانية، ثم الشكر لمن دعاني لزيارة بيت الله الحرام، وثالثاً موصول للأخ الفاضل الأستاذ ناصر العمر الذي عُرف بمواقفه المشهورة في العراق، وأصبحت له مكانة وحب لدى الكثيرين من أهل العراق لصراحته ووضوحه ووقوفه إلى جانبهم في هذه المحنة؛ فلذلك آليت على نفسي حينما ابتليت ببعض الآلام التي رأيت أن أعالجها في الرياض أن يكون لقائي الأول مع فضيلته، ومن خلاله أتعرف على علماء المملكة وأعلامها المشاهير، ومنهم الشيخ العَلَم فضيلة الشيخ عبد الرحمن البراك الذي كنا نسمع به عن بُعد ونجله، لكننا اليوم نراه ونتشرف بالجلوس إلى جواره وجوار إخوانه الآخرين. نشكر مرة أخرى الأخ الفاضل الأستاذ ناصر العمر على أن دعانا لنلتقي مع هذه الوجوه النيرة من أبناء السعودية، من أبناء نجد، من أبناء الرياض التي تشرفنا الآن بزيارتها لأول مرة، ونسأل الله تعالى أن تتواصل الزيارات بيننا ما بقي في العمر متسع. بعد نحو خمس سنين من الغزو الأمريكي، وبعد تهافت كثير من المبررات لغزو العراق وانكشافها، كيف ترونه من زاوية الدوافع والمبررات؟ الشيخ الدكتور حارث الضاري :ما جرى في العراق كان مقدراً منذ عقود؛ فـ إسرائيل سعت دوما لتفتيت العراق منتهزة أي فرصة مواتية، تأسيساً على الأساطير التي سطرت في كتبهم من توراة وتلمود وغيرهما، ثم ما عمقته الحركة الصهيونية من حقد على هذه الأمة عموماً، والعراق خصوصاً، حين جعلوا من سبيهم على يد نبوخذ نصر البابلي العراقي الوثني الذي لم يؤمن بالإسلام ولم يشر المسلمين فيما فعل، وجلب الكثير منهم إلى العراق وإلى وسط العراق تحديداً (بابل وما جاورها من مناطق العراق)، مدعاة للانتقام من الشعب العراقي بناء على مآسي السبي البابلي، والواردة في التوراة والتلمود، ثم بناء على النصوص الداعية للانتقام في التوراة، والتي هي للعيان واضحة الوضع وواضحة الدس لأنها لا تشبه كلام البشر العادي البسيط فضلاً عن أن تحاكي كلام الأنبياء والرسل ومن ثم كلام الله جل وعلا. وفي النصوص تلك تجد فيها وعيداً شديداً للعراق والعراقيين، وتحريضاً على تدميره وحرقه!! هذه الأساطير تشربها اليهود؛ فمنهم من تشربها كعقيدة، عن جهل، ومنهم من تشربها فكراً ليزيد الحقد ونار الضغينة على الأمة العربية والإسلامية والبلاد العربية والإسلامية ومنها العراق، ووضعوا في هذه الأساطير أن هلاكهم يأتي من الشرق ومنهم من ينص أنه سيأتي من العراق، ويهولون من أمره وخطورته ما أذكى بدوره نار الحقد في قلوبهم، حتى إذا ما أنشؤوا دولتهم الغاصبة في فلسطين سنة 48 ـ لا أطال الله بقاءها ـ على غفلة وضعف وتواطؤ من جهات عالمية ومحلية، وضعوا نصب أعينهم تفتيت هذه الأمة وقلبها العراق، الذي هو حقيقة لا مجازاً، ولا ادعاء شخصي، حيث يدرك ذلك الكثير من مفكري الأمة وكتّابها ومؤرخيها الذين يركزون على أهمية العراق بالنسبة للأمة، وأنه بمثابة القلب الذي خدم الأمة قروناً في العهد العباسي، وقدّم لها ـ بل للإنسانية ـ حضارة تعلمون شأنها ربما أكثر مني. هذا عن الأيديولوجية المحركة للحرب، فماذا عن المعطيات السياسية الحديثة ؟ الشيخ الدكتور حارث الضاري :إن ما زاد من حنق اليهود وغضبهم هذا هو أن العراق كان متحمساً لقضية فلسطين تحمساً لا أقول فوق الاعتيادي، وإنما أقول اعتياديا، لكنه يفوق تحمس الكثير من المجاورين، وبرغم اختلاف الأنظمة العراقية السابقة واتهام بعضها بالعمالة للغرب؛ فإنها كانت كلها حقيقة جادة في موضوع فلسطين ولم تساوم فيه، حتى وإن عجزت أحياناً عن الوفاء بكل ما ينبغي فعله لأجل فلسطين، والجيش العراقي شارك في كثير من المعارك وعلى كل الجبهات، وأُسر الكثير من طياريه في طياراتهم التي سقطت في إسرائيل وعلى تل أبيب بالذات، حينما شاركت أسراب من طائرته في حرب 1973م، ولم تزل مقابر شهداء العراقيين شاهدة في كل مكان في الجبهات. لذلك اليهود يحذرون كثيرا من العراق، حتى إن بن جوريون رئيس وزارء إسرائيل الأول أصر وصية في الخمسينات، تؤكد على ضرورة متابعة العراق وتفتيته العراق والحال ظل كذلك في السبعينات. ولم تحن فرصة للإدارة الإسرائيلية مع اللوبي الإسرائيلي في أمريكا، كتلك التي لاحت مع تولي الإدارة الأمريكية الحالية التي قدمت مصلحة إسرائيل على مصلحة الولاياتالمتحدة، وتلاقت أهدافها اليمينية المسيحية مع أهداف الإسرائيليين ، حيث أوحى الإسرائيليون إلى قادة اليمين المحافظ بأن مسيح اليهود هو مسيح النصارى، وأنهم سيؤمنون به حين ينزل للقدس، التي ينبغي ـ برأيهم ـ أن تتحرر لبني إسرائيل حتى ينزل إليها المسيح. استغلت إدارة الرئيس بوش الأخطاء التي ارتُكبت من قِبَل رئيس العراق السابق صدام حسين سامحه الله، فكان الغزو، الذي ظلت إسرائيل حاضرة فيه بفرية تصنيع العراق لأسلحة الدمار الشامل القادرة على ضرب إسرائيل والتي ساعد على ترويجها أعوان إيران التي جاءت هي الأخرى إلى العراق، وهي (إسرائيل) الآن موجودة وبكثافة في العراق وفي كل المجالات المنظورة وغير المنظورة. أمريكا إذن هي سفينة حملت على متنها للعراق كل المشاريع المشبوهة، التي تستهدف نهب العراق، وطمس حضارته وتاريخه ومعالمه، وتقسيمه الذي يشاطرها الرغبة فيه إسرائيل وإيران، ثم قادة الأكراد، حيث يظل الشعب الكردي السني الشافعي، شعباً طيباً لا يشارك قيادته العلمانية المتعاملة مع كل القوى الشريرة بما فيها إسرائيل توجهاتها. هذه السفينة بكل ما تبوء به، فمن الخاسر إذن؟ الشيخ الدكتور حارث الضاري :الخاسر هم العراقيون البسطاء، وهم الأغلبية الغالبة من سنة وشيعة وأكراد وتركمان ومسيحيين. والدعاوى التي تقول إن الشيعة والأكراد ـ عموما ـ لا يريدون وحدة العراق هي دعاوٍ باطلة، كذلك المسيحيون وإن كانوا أقلية إلا أنهم من أخلص العراقيين لوحدة العراق وهكذا بقية الأقليات العراقية كلها متمسكة بالعراق كبلد واحد، وكلها متعايشة حقيقة مع أبناء العراق مع العرب والسنة جميعاً. ونحن لاحظنا على سبيل المثال أنه حينما صدرت علينا مذكرة إلقاء القبض كانت أكثر برقيات الاستنكار من جنوب العراق ومن شمال العراق يعني من الشيعة والسنة، بل من اليزيديين من اتصل بي واستنكر. حتى في مسألة مقر الهيئة في بغداد ـ على بساطة المسألة ـ كان أول المتبرعين لنا من الإخوة الشيعة من الناصرية في الجنوب، تبرع لنا ببيته وقال بيتي داري هي مقر لهيئتكم هذه. والحمد لله كلها تبشرنا أن الخطوب مهما ادلهمت وأن المشاكل مهما تعقدت وأن معاول الهدم للعراق مهما تعددت فإنها ستتهاوى وستسقط في النهاية وبعون الله تعالى أمام هذه الوحدة الوطنية الوحدة الشعبية الاجتماعية بين أبناء العراق. هل يمكن أن تطلعونا عن توجه الهيئة الإسلامي والوطني وظروف نشأتها؟ الشيخ الدكتور حارث الضاري :نحن في الهيئة ننطلق من إيمان بأن وحدة الأمة شيء مقدس وهذا شيء لم نبتدعه وإنما فهمناه من نصوص ديننا ومن تعاليم نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، ومن تأريخنا الإسلامي الناصع، وأيضاً من تربيتنا كعراقيين تعودنا على أن نواجه مثل هذه المشاكل. نحن في العراق نعيش حالة استثنائية تقريباً؛ فالعراق واجه منذ إنشاء الدولة العباسية وبعدها وإلى يومنا هذا الكثير من الحملات والاجتياحات والحملات الكثيرة التي زادت عن الأربعين اجتياحاً وغزوة من الشرق والغرب، وكان من أكبرها في التاريخ هو اجتياح المغول التتار للعراق، وما أدراكم ما التتار وما فعلوا ببغداد، ومن لم يعلم ذلك فليرجع إلى التاريخ، وإلى ابن الأثير ـ مثلاً ـ ليصف ما حل ببغداد وأهلها، ثم ما ترتب على انهيار بغداد من انهيارات لدولة الإسلام ولقوة المسلمين وما إلى ذلك، ثم ابتلينا بعد ذلك بالغزوات من الشرق خصوصاً بعد أن نشأت الدولة العثمانية وضمت العراق إليها. كان الفرس أو الإيرانيون للأسف دائماً يهجمون على العراق كلما ضعفت الدولة العثمانية أو انشغلت بحروبها في الشمال أو الغرب في أوروبا أو في غيرها؛ فهم يستغلون هذه الفرصة ويهجمون على العراق ويحتلون مدنها، وقد احتلوا بغداد عدة مرات وفي بعض اجتياحاتهم وصلوا إلى الموصل ولكنهم لم يبقوا فيه كثيراً (أشهراً أو أقل من سنتين)، وآخر ما جمع العراقيين، هو الاحتلال البريطاني في عشرينات القرن الماضي، وكان العراقيون قلة لا يزيدون عن ثلاثة ملايين ونصف تقريباً، ولكنهم اجتمعوا جميعاً من سنة وشيعة، قاد الحملة العلماء، وجيشهم كان من القبائل، وانتهى الاحتلال البريطاني وعاد للعراق حريته ومكانته.. ثم أخيراً ابتلينا بهذا الاحتلال، وهذا الاحتلال حقيقة هو أخطر ما واجهه العراق على مدى تاريخه وأخطر من التتار. لماذا؟ الشيخ الدكتور حارث الضاري :لأن الأعداء فيه متعددون بينما التتار هم عدو واحد، وهذا العدو (التتار) بعد أن أفرغ حقده وقوته في العراق انقض عليه العراقيون وذهبت قواه وما نجح في النفاذ إلى بلاد الشام بحمد الله، أما هذا العدوان/أمريكا ومعها أكثر من عشرين دولة صغيرة وكبيرة بمن فيهم إيران التي عاونتهم من البداية، بل وحرضتهم على احتلال العراق وساندتهم مخابراتياً، وإيران هي التي روجت لهم في حيز الشيعة، وأصدرت لهم فتوى في جواز التعاون مع العدو ضد السلطان الجائر، ثم إيران هي التي فتحت مجالها للعدوان، وإن كانت أعلنت أنها لا تسمح لطائرات الاحتلال باختراق أجوائها، لكنها عملياً سمحت باستخدام أجوائها للطائرات الأمريكية، ثم هي دعمت العملية السياسية، وكانت أول دولة تعترف بـ العراق الجديد ، وأول وفد رسمي حط في أرضه مباركاً هو وفدها، ولذلك فإيران شريكة لأمريكا، وهذا ما اعترفوا به حين قال أبطحي نائب الرئيس الإيراني السابق: لولانا لن تستطيع أمريكا أن تحتل العراق ولولانا لم تستطع أن تدخل أفغانستان، وهذا ما قاله رافسنجاني وهذا ما قاله آخرون منهم، وهذا هو الواقع والآن هي تتعامل على أرض العراق مع أمريكا.. فهيئة علماء المسلمين من البداية استشعرت الخطر وقامت بواجبها الديني والوطني، وأقول الوطني لأن الواجب الوطني هو جزء من الواجب الديني، واستخدامه عندنا في العراق هو لجمع شتات العراقيين الذين يمثلون أطيافاً متعددة من أديان ومذاهب ومشارب متعددة كثيرة، لذلك أنا أستغرب من بعض الجهات التي تنتقد الهيئة وتقول الهيئة وطنية وتتكلم بالوطنية! ولا أدرى لماذا؟ أو على ماذا؟ هل هم يميزون بين الوطن وبين دولة الإسلام؟ وبين الوطن وبين مال الإسلام الذي قال فيه الرسول صلى الله عليه وسلم: من قُتل دون ماله فهو شهيد . على أي حال العراق أمام هذه المشكلة أمام هؤلاء الأعداء الكثر انقسم أهله، الشيعة روضوا من البداية على أن لا يقاوموا الاحتلال بل يؤيدوه، الأكراد بالتأكيد هم من المحرضين وممن جاؤوا على الدبابات كما يقال فوجدوا في هذا فرصة، لم يبق غير أهل السنة الذين انفرط عقدهم، الدولة كلها تفككت بمؤسساتها الحاضنة لهم، ذهب الجيش، وانتهت الأوقاف، والمساجد أصبحت تائهة لا رأي لها، وأصبح أمر أهل السنة شتاتاً؛ فنشأت هذه الهيئة والحمد لله من شباب العلماء وكهولهم، وكنت يومها خارج العراق، في الإمارات تحديداً، أعمل في إحدى جامعاتها، ثم عدت بعد الاحتلال بثلاثة أشهر بعد أن ألغيت العقد، وانضممت إلى الشباب في الهيئة، ثم بعد ذلك بثمانية أشهر أو سبعة أشهر اختاروني لقيادة الهيئة، ومن يومها ونحن نعمل من أجل العراق و الأمة، ونشدد على أن الأمة إما أن تكون أو لا تكون من خلال العراق فإذا ذهب العراق؛ فإن الأمة ستذهب.. فالمؤامرة أكثر من كونها حقداً على صدام أو خطأ ارتكبه صدام وما أكثر المخطئين الذين يرتكبون الأخطاء في العالم فلماذا العراق إذن، إن المسألة ذريعة ليس إلا دائماً في كل كلامنا نتكلم ونطلب من إخواننا العقلاء والسياسيين منهم بالذات وأصحاب الهم أن يكون خطابهم عراقياً عاماً وليس طائفياً. أرادت قيادة الشيعة منا أن يسحبونا إلى خطابهم الطائفي فأبينا عليهم، وبقينا نتكلم باسم العراق وباسم الشعب العراقي فاغتاظوا من ذلك كثيراً ولذلك اعتبرونا العدو الأول واعتبرونا إرهابيين وذهبوا إلى الدول العربية محرضين، وقالوا إن هيئة علماء المسلمين تحرض على الإرهاب، وسدوا الأبواب علينا عند بعض الدول العربية. قلنا لا يهمنا ذلك حتى لو لم نخرج من العراق أبداً. وحاول بعضهم إبعادنا عن العراق بأي شكل، حتى اقترحوا علينا الحج! فقلت: لقد حججت مرتين، والأولى البقاء في العراق وهو يقاتل أعداءه، ولن نخرج إلا بدعوة رسمية، لذا بالفعل لم نزر أي بلد عربي إلا بدعوة رسمية، لأننا نحمل هم العراق ونريد أن ننقل هذا الهم للآخرين، ونطلعهم على حجم المأساة، ونستطلع آراءهم، وما إذا كانوا مجرد متفرجين على المأساة أم راضين عنها أم مشتركين في المؤامرة ضد العراق وأهله؟ وهل هم مستشعرون للخطر الذي يتهددهم فيما لو انتهى العراق؟؟ يسّر الله تعالى لنا ذلك بعد صبر طويل ومعاناة شديدة مرت علينا بأيامها، ثلاث سنوات تقريباً، وكثير من الدول العربية تسمعنا أجهزتها الخاصة ـ لا إعلامها ـالكلام الجارح، ونقول دائماً لا حول ولا قوة إلا بالله، علينا أن نستمر ولتكن النتيجة ما تكون؛ فالحمد لله استطعنا ـ بتوفيق الله ـ ثم بخطابنا العام أن نثبّت الكثيرَ من أبناء شعبنا، ونبصرهم بحقيقة القضية، واليوم وعى إخواننا الشيعة العرب الخلص في الجنوب خيوط المؤامرة؛ فقد ظلوا خلال السنة الأولى والثانية من الاحتلال مخدوعين بقياداتهم السياسية التي جاءت من الخارج، حين قالت لهم سننقذكم من العبودية التي كنتم تحتها في ألف وأربعمائة عام تحت حكم السنّة!! سنعيد لكم مظالمكم وحقوقكم المغتصبة من قِبَل السنة وكذا وكذا، وهو كلام كله باطل، إذ لم يكن هناك تمييز في أصل بالعراق لا تمييز ولا حقوق مغتصبة من فئة دون أخرى، فالاستبداد حين يأتي كان يعم السني والشيعي والكردي، وإخواننا العراقيون يدركون هذا. المهم أننا قد نجحنا الآن والحمد لله في بث هذا الوعي، وأكثر من 80% من أبناء شعبنا ومن كل أطيافه باتوا الآن مع المشروع العراقي الوطني ومع تحرير العراق ووحدته وهويته العربية والإسلامية والحفاظ على عقيدة العراق وحضارته وتاريخه. وماذا تكبدتم خلال جهدكم في الأعوام الماضية؟ الشيخ الدكتور حارث الضاري :بالمقابل هذا كله لم يأت مجاناً؛ فهناك تضحيات كثيرة وكبيرة؛ والمعطيات بين أيدينا تبين أن أكثر من مليون عراقي قد قتل، وأكثر من مليون ونصف المليون مريض وجريح ومعوق، وخمسة ملايين يتيم الآن في العراق، ونحو مليون أرملة في العراق، وأكثر من سبعة ملايين مهجر ومهاجر، منهم قرابة أربعة ملايين خارج البلاد، وثلاثة ملايين في الداخل، من سنة وشيعة، وأكثر من تسعين ألف أسير ومعتقل في سجون الاحتلال والحكومة والميليشيات. في الواقع لا حكومة في العراق، بل شخص واحد يحكم هو وزير لكل الوزارات، اسمه نوري المالكي رئيس الوزراء، وقد منحه بوش كافة الصلاحيات؛ فهو يحكم بأمر بوش من المنطقة الخضراء، ولا يستطيع أن يتجول حتى في بغداد !! الآن وأنا قادم إليكم اتصل بي أخ شيعي من كربلاء، وهي المدينة ذات الغالبية الشيعية، فسألته عن أحوالها، فأخبرني أنهم في مأساة، حيث القتل دائر بين القوى الشيعية من مجلس أعلى وجماعة الصدر وغيرهم في نزاع مستمر على النفوذ والسلطة والمال، سألته عن الحالة الاجتماعية؛ فأخبرني كيف يعيش بلد النفط بلا نفط في هذا البرد القارص، حتى إن قنينة الغاز قد لا يتمكن المواطن من الحصول عليها في شهر كامل، ويقارن هذا الأخ بين حالهم في زمن صدام والآن، حيث كانت السلع توزع عليهم شهرياً تتضمن ما يلزم البيت خلاله من الأرز والطحين والسمن والسكر.. إلخ بموجب بطاقة تموينية، والآن ـ يقول ـ لا توفر لهم البطاقة إلا صابونة واحدة وكيلو شاي للعائلة الكاملة وثلاث سلع ليس فيها الأرز والطحين.. ثم حدثني عن البطالة وشلل حركة المرور وما إلى ذلك. وهل أنتم متفائلون بتحقيق النصر وزوال الاحتلال في النهاية؟ الشيخ الدكتور حارث الضاري :كل هذا الوضع سيزول بإذن الله تعالى، كما قلت لكم التاريخ علمنا أن هذا سيزول، وإيماننا بالله كبير في موعوده ونصره لعباده المؤمنين الجادين. نحن واثقون من كل هذا، ولذلك نقول ستزول هذه الأشياء بعون الله، واليوم إخوانكم في العراق على الرغم مما تسمعون من وجود ما يسمى بـ الصحوة ومن وجود ما يسمى إرهاباً ومن وجود ما يسمى اقتتال وما إلى ذلك؛ فإن النزاع الآن على البقاء الاحتلال الذي بات مأزوما لا يدري كيف يبقى أو كيف ينسحب ولا تصور لديه لهذا أو لذاك. وهذا ما لمسناه وأدركناه من خلال من اتصلوا بنا من القريبين منهم ومن القرار الأمريكي، ثم من الممارسات السياسية التي وقعت من الرئيس الأمريكي؛ إذ تارة يذم المالكي وأخرى يمدحه، ورئيس الحكومة ذاته اليوم خائف وشيعته مختلفون بأكثر من أي وقت مضى. أخيراً، تبقى المقاومة مستمرة والحمد لله.. نعم هي أصيبت باختراقات وباختلافات وببعض الضربات من الأعداء لكنها والحمد لله الآن لملمت أطرافها، واستعادت لحمتها، وأضيف إليها الكثير من الشباب الجديد الواعي الذي يقاتل من خلال العناوين المعروفة، وحتى من يقاتل الآن بلا عناوين احتساباً لله وخوفاً من الاختراق ولله الحمد.. على أي حال أمام كل هذه المأساة فالأمل كبير جداً في أن العراق سيخرج قريباً من كبوته بأمر الله تعالى وليس ذلك بعزيز على الله جل وعلا الذي وعدنا ووعد عباده الصادقين ـ ولسنا نحن وإنما وعد عباده الصادقين ـ بالنصر والفوز على الأعداء في النهاية. وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.