ثمة تحديات وازنة تنتظر الفاعل السياسي الإسلامي عموما وحزب العدالة والتنمية خصوصا، وهي تحديات ستكون للإجابة عنها تأثيرات داخلية وازنة، لكن تأثيراتها الخارجية ستكون أكبر بالنظر للوضعية الراهنة لتيارات المشاركة الانتخابية في صفوف الإسلاميين في العالم العربي، لاسيما بعد النتائج المحدودة في عدد من الدول وخاصة منها الأردن، مما دفع البعض لطرح أسئلة عميقة على مستقبل المشاركة السياسية، وهل آن الأوان لمراجعتها أم الانخراط في التأسيس لدورة جديدة بعد أن استنفدت شعارات وقضايا المرحلة الأولى. لاشك أن لذلك راهنية كبيرة تتجاوز الإطار الحزبي الضيق لتشمل مجمل التيار الحركي الرافد والمتفاعل مع مسيرة الأحزاب الحاملة للمرجعية الإسلامية، وفي حالة المغرب مجمل تيار حركة التوحيد والإصلاح، خاصة وأن نتائج الانتخابات الأخيرة ومسلسل تشكيل الحكومة فرضت على مختلف الأحزاب المعتبرة وكذا التيارات الاجتماعية أن تعيد النظر في مهامه العاجلة بالنظر إلى الواقع الذي تشتغل فيه والتحديات المطروحة أمامها وقوة المبادرة التي تمتكلها. على أن شرط ذلك هو أن يستصحب معه دائما آلية التقييم التي تقيس أداءه إلى الأهداف التي استشرفها، ويستحضر أيضا آلية التقويم والترشيد لتطوير الأدوات والبرامج بما يستجيب لتحديات المرحلة. مناسبة هذا التأطير المنهجي هو ما شهده المجلس الوطني لحزب العدالة والتنمية من نقاش تجاوز مستوى الإطار الحزبي الضيق ليطرح أسئلة كبرى تهم التجربة السياسية في أبعادها الحركية والإصلاحية الكبرى، ولتشمل المسائلة والمدارسة نتائج والعوامل الذاتية والموضوعية التي تحكمت فيها، والقراءات المتداولة حول ذلك، ومستويات التقدم أو التراجع التي سجلت، لكن في إطار أشمل يدمجها في سياق الأزمة السياسية الحقيقية بما هي أزمة ديمقرطية في البلد، وأزمة إرادة سياسية ناكصة عن تجربة الانتقال الديمقراطي، فضلا عن امتداداتها داخل الأحزاب والنخب، وبما يحول دون تهريب النقاش من حقله الأساسي إلى حقله الفرعي. فنتائج الانتخابات الأخيرة كشفت أزمة سياسية عميقة بكل دلالات الكلمة، بل هي ردة ديمقراطية ونكوص نحو الخلف يؤذن ليس فقط بظهور مشاكل داخل هذا الحزب أو ذلك، وإنما سيدفع بالبلد إلى خراب السياسة بمؤسساتها وهياكلها وأدواتها، وفي الوقت نفسه فإن المسؤولية الذاتية تبقى قائمة ولا يمكن بحال تجاوزها أو تجاهلها. إلا أن الخروج بمشروع للتجديد والاستنهاض لا يمكنه أن يكون نتاج محطة نقاش واحدة بل يستلزم الانخراط في مشروع حوار شامل وصريح، حسب ما خرج به المجلس الوطني بمبادرة من الأمانة العامة. بكلمة، إن نجاح أي حزب في مواجهة اختلالاته وأعطابه يمر بالضرورة من تحديد مهامه العاجلة في مواجهة الأزمة السياسية التي تعيشها البلد، بهذه الرؤية، ومن داخل المبادرة السياسية الجريئة التي تمضي في هذا الاتجاه، يمكن أن يعافى الجسد الحزبي، ويمكن أن تنجو بعض النخب السياسية من داء تحللها وتراجعها، وتعود للسياسة بعض المعنى في أمل أن تعود الثقة للمغاربة ويضع المغرب نفسه من جديد في سكة الانتقال الديمقراطي، لكن هذه المرة بإرادة جماعية لا تقبل التراجع والنكوص.