طلب الدنيا والتصرف في الأموال داخل الأسرة التكاثر في الأموال والاهتمام بالدنيا وطلب التوسع فيها فطرة إنسانية عامة، لا يقلل من سطوتها وهيمنتها على النفوس إلا الاعتدال في طلبها والحرص على طاعة الله وابتغاء الأجر والثواب والعمل للآخرة. وكثيرا ما تزعزع كيان أسر وعائلات إثر صراعات نشبت بين الزوجين من أجل الإنفاق والتوسع في الزينة والتأثيث الباذخ للمنزل، فنجد أحد طرفي السفينة الأسرية جانحا للإسراف أو التبذير في حين يكون الطرف الثاني معتدلا في ذلك. ولنا في الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم الإسوة في الاعتدال ومعالجة الأمر بحكمة، فالبيت النبوي لم يكن بيت هدوء أو استقرار أبدي، بل كان يتعرض بين الفينة والأخرى لهزات تكون نتيجتها وكيفية معالجتها عبرا ومعالم حياة للبشرية جمعاء. فقد اختار النبي صلى الله عليه وسلم أن يعيش حياته كلها متخففاً من الدنيا، مقبلاً على الآخرة، ولما فتحت له الفتوح، وكلها أراض ترد غلات كبيرة جعل كل ذلك في سبيل الله، وجاءته نساؤه يطلبن التوسعة في النفقة، فأنزل الله سبحانه وتعالى عليه (يا أيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينها فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحاً جميلاً وإن كنتن تردن الله ورسوله والدار الآخرة فإن الله أعد للمحسنات منكن أجراً عظيماً). يقول علماء التفسير:ولما نزلت هذه الآية على الرسول صلى الله عليه وسلم وعلم أن هذا الخيار قد يصعب على بعض زوجاته، وكان صلى الله عليه وسلم يحب عائشة رضي الله عنها، وكانت في وقت نزول هذه الآية طفلة صغيرة لم تكمل الحادية عشرة من عمرها. فبدأ النبي بها صلى الله عليه وسلم وقال لها: يا عائشة إني عارض عليك أمراً فلا تستعجلي فيه حتى تستأمري أبويك!. وقد علم النبي صلى الله عليه وسلم أن أبويها لا يمكن أن ينصحاها بفراق النبي صلى الله عليه وسلم، فلما قرأ النبي صلى الله عليه وسلم عليها الآية وفيها تخيير بين الحياة مع النبي مع التقشف والتخفف من الدنيا، وترك التوسع فيها، وبين الطلاق. قالت: يا رسول الله أفيك أستأمر أبوي! بل أختار الله ورسوله والدار الآخرة! فعائشة أم المؤمنين رضي الله عنها فتاة لم تبلغ الحادية عشرة من عمرها، وبفقه ورجاحة عقل ودين اختارت الرسول الكريم في اختبار نفسي حاسم للعلاقة بين متاع الدنيا وفضل الآخرة، ثم قالت عائشة للنبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك: ولكن يا رسول الله لا تخبر أحداً من زوجاتك بالذي اخترته ولكن النبي المعلم صلى الله عليه وسلم يقول لها: لا تسألني واحدة منهن عما اخترتيه إلا قلت لها!. ويذهب بعض المفسرين إلى أن الآية نزلت عندما وسع الله على المسلمين بكثرة الأموال التي أحرزوها من الغنائم، فطلبت النساء أن يوسع عليهن في النفقة، مما يدل على أن كثرة الأموال من أسباب الاهتمام بالدنيا وطلب التوسع فيها، وقد حذر رسول الله صلى الله عليه وسلم من الدنيا والله ما الفقر أخشى عليكم ولكن أخشى أن تبسط عليكم الدنيا كما بسطت على من كان قبلكم فتنافسوها كما تنافسوها فتلهيكم كما ألهتهم وفي رواية فتهلككم كما أهلكتهم . ونقلت كتب السيرة والمغازي أن بيت النبي صلى الله عليه وسلم لم يعرف مطبخاً قط، ولا كان فيه فرن قط، وكان يمر شهران كاملان ولا يوقد في بيت الرسول صلى الله عليه وسلم نار قط، وكان يعيش الشهر والشهرين على الماء والتمر فقط.حتى قالت أم المؤمنين رضي الله عنها: ما شبع آل محمد من خبز الشعير يومين متتالين حتى مات رسول الله صلى الله عليه وسلم. وهذا لا يعني التقشف المصحوب بالبخل والشح المغلف، بل الإنفاق بإحسان والنظر إلى المحتاجين والأيتام وحال فقراء المسلمين، ويبقى التصرف النبوي معالم طريق في كيفية التصرف في الأموال ومناقشة الزوجة في الأمر تطييبا لنفسها ووضع الأمور في سياقها التعبدي العام. ع.لخلافة