عرف إقليمالناظور في الآونة الأخيرة أكثر من أربعين هزة متتالية ومتفاوتة في الشدة والخطورة ضربت عدة مدن، ورغم أنها لم تخلف ضحايا فإنها تركت وراءها خسائر مادية لا يستهان بها، وزرعت خوفا شديدا في صفوف السكان وأرغمتهم على الخروج من منازلهم والمبيت في العراء تحت أغطية بلاستيكية، واحدة منها تأوي أكثر من عائلة بعدما أحدثت شقوقا في منازلهم ... مشهد أعاد للأذهان ما كانت ترزح تحته مدينة الحسيمة: منكوبون، متضررون، يعانون من شدة البرد وقلة المؤونة وحالة نفسية متردية، إضافة إلى تعتيم إعلامي وصمت رسمي رهيب.. مرة أخرى برهن المسؤولون، ليس عن عجزهم عن تدبير مثل هذه الكوارث ومباشرتها بحنكة فائقة فقط، وإنما عجزوا حتى عن مد يد المساعدة للمفجوعين للتخفيف من معاناتهم المادية والنفسية، واعتبر البعض منهم دون أن يقف على حقائق الأحداث وفظاعة الموقف بأن الأمر لا يدعو إلى القلق . الليلة البيضاء بعد الهزة الأولى (ليلة الجمعة) كانت الظنون تميل إلى إمكانية الهدوء وعودة الأوضاع إلى ما كانت عليه، إلا أن هزة أقوى حدثت صباح يوم السبت (في تمام العاشرة والنصف) بعد أن سبقتها هزات كثيرة لكنها خفيفة وزرعت الخوف والهلع في صفوف الساكنة لما أحدثت شقوقا في كثير من المنازل، خاصة في مدينة العروي وجماعة سلوان وهدمت 7 منازل قديمة في قبيلة بني بويحيي بجماعة بني وكيل. امتلأ ت الساحات العمومية وتجزئة المطار الخالية من البنايات، بالسيارات من أنواع وأحجام مختلفة، عائلات هربت من هول الكارثة، وهزات متتالية حرمت مئات العائلات من النوم، فظلوا يتجاذبون أطراف الحديث تحت رحمة البرد الشديد حتى الصباح. «لا أحد يجرؤ على الدخول إلى بيته»، يقول (م، أ)، الذي انتظر بزوغ الصباح انتظار القابض على الجمر، ويضيف: «قضى الأطفال والنساء ليلة طويلة بين النوم واليقظة داخل السيارات، بينما نحن ظللنا يقظين ننتظر بزوغ الفجر لنعود إلى البيت»، و»ما إن طلع النهار، يقول شاهد عيان، حتى شهد شارع المسيرة في مدخل المدينة نزوح أعداد كبيرة من العائدين إلى منازلهم في منظر أشبه بمسيرة حاشدة منظمة. نسيت أولادها من فرط الصدمة عادت هزة ليلة الجمعة الماضي لتذكر بأحداث الحسيمة التي ظلت هاجسا، بل شبحا مخيفا لم يبدده غير مرور الأيام. تقول امرأة في عقدها الثالث وهي تحكي عن حالتها لحظة الهزة: «كنت جالسة أمام التلفاز فسمعت صوتا مدويا وفي اللحظة ذاتهاأحسست وكأني على متن قارب، فتيقنت من أنها هزة أرضية، فأسرعت إلى الخارج أصرخ بأعلى صوتي وأنطق بالشهادتين تاركة أبنائي الصغار وحدهم ولما انتبهت من الصدمة عدت مسرعة لأنقذ أولادي .. إنها فعلا كارثة... كنا على وشك الهلاك». استحضار حجم الدمار الذي لحق بالحسيمة جعل السكان يندفعون بكل قوة وبأسرع وقت ممكن للخروج من المنازل طلبا للنجاة بأنفسهم على الأقل، وهذا ما جعل عملية الهروب المرتبكة تسفر عن وقوع حالات مختلفة ومتفاوتة الخطورة. فهذه الحاجة عائشة من مدينة العروي، رغم أنها عمرت أزيد من 70 سنة، لم تستسلم بل كافحت وقاومت، لكنها وقعت من فوق السلم فأصيبت على مستوى ساقها، تقول متألمة: «هذا قدر الله... كنت أتوضأ لصلاة العشاء ولم يبق لي إلا غسل الرجل اليسرى، ففاجأتني تلك الهزة القوية وظننت حينها أنها النهاية، لكن لطف الله أدركنا»، وتضيف واصفة حالتها أثناء الهروب: «أصابني هلع وخوف واندفعت جاهدة نحو الخارج، ولم أنته بعد من الوضوء فهويت من فوق السلم، فأصابني كسر خفيف في ساقي ولم أبرح مكاني حتى أخرجني الجيران». حذرونا من نصب الخيام بدون رخصة!! على مشارف مدينة العروي ونواحيها بدت مظاهر النكبة جلية ظاهرة للعيان، لكون المدينة أكثر المناطق تضررا وأكثرها تعرضا للهزات، خيام من الأغطية البلاستيكية تسكنها مئات العائلات، منتشرة في ساحات واسعة وفي الطرق وحتى الوديان بعيدة عن خطر الاسمنت... لا يستطيع الواقف على حقائق الأحداث أن يميز بينها وبين مشاهد الحسيمة، إذ لم تعد المنازل صالحة للسكن. فالشقوق في أماكن مختلفة داخل وخارج البيوت... «بما أن البيت به مشقوق تقول امرأة تسكن خيمة صغيرة مع أولادها الصغار فلا داعي لمغادرة المكان، لأنني أعلم أنني لا يسعني غير بيتي...»، تقاطعها شابة في العشرين قائلة: «نحن هنا مثل اللا جئين بل إن اللاجئين يلتفت إليهم...»، واقتربت عجوز وهي تقول: «منذ أربعة أيام ونحن هنا في البرد ولا أحد سأل عنا...» جماعة ولد رحو بنعيسى المعروفة ب(دوار إدوهرين) الواقعة على بعد 16 كيلومترا من مدينة العروي، بقبيلة بني بويحيي، تهدمت بها سبع منازل قديمة. يقول أحد المزارعين: «فقدت 10 رؤوس من الأغنام وتهدم الاسطبل والبيت وأصابتهما شقوق. وقاطعه أحد الشباب بنبرة صارخة: «نحن نعيش في العراء، ولما هممنا بنصب الخيام منعنا القائد من ذلك حتى يرخص لنا بذلك عامل الإقليم». ويضيف رجل مسن، له من الأولاد والأحفاد عشرة: «اضطررنا إلى نصب الخيام، وجاء القائد، فظننا أنه الفرج، لكن سرعان ما خاب ظننا عندما وصل إلينا، وألقى نظرة على البيوت المهدمة، فحذرنا من نصب الخيام بدون رخصة». وتساءل آخرون: «لماذا أهملونا رغم مرور أكثر من أربعة أيام... ما ذنبنا... ألسنا مغاربة... وهؤلاء الأطفال الذين يعيشون حالة نفسية متردية... يقول أحد الشباب: «نحن نعلم دائما مواقف السلطة والمنتخبين المخيبة للآمال وكيفية تعاملهم... ونسمع عن جمعيات حقوق الإنسان وحقوق الطفل وحقوق المرأة... أين هؤلاء ليدافعوا عنا؟». الخوف يمنع التلاميذ من مواصلة الدراسة حالات أخرى تشبهها، لكن هذه المرة في صفوف التلاميذ وأثناء الهزة الثانية التي وقعت في العاشرة والنصف من صباح يوم السبت، حيث أصيبت تلميذة في إعدادية المسيرة بكسر في عنقها لما داستها أقدام التلاميذ وهم يخرجون من الأقسام لحظة الهزة خوفا من انهيار متوقع. هذا في الوقت الذي نقلت تلميذة في الإعدادية نفسها إلى المستشفى في حال إغماء. كما حاول تلميذ في مدرسة الإمام البخاري القفز من على السلم، والآخر من النافذة رغم محاولة الأطر التربوية طمأنتهم، والرفع من معنوياتهم. يقول مدير المدرسة المذكورة، محمد بويعماذ: «حاولنا تهدئتهم والرفع من معنوياتهم لكن سيطر عليهم الخوف ومنعهم من الاستمرار في الدراسة، ومنذ تلك اللحظة ونحن نستقبل الآباء، الذين يأتون للا طمئنان على فلذات أكبادهم». ويقول التلميذ أسامة، المستوى السادس أساسي «كنت أستظهر القرآن، وفجأة اهتزت الأرض وقفزت من مكان عال دون أن أصاب بأذى، لكنني خائف جدا». الشعور نفسه تتقاسمه التلميذة سهيلة عمراوي، السنة الرابعة أساسي، وهي تقول: «كنا نقرأ القراءة، اهتزت الأرض فجأة وهربنا، ولا أستطيع العودة إلى القسم لأنني خائفة جدا». حالة أخرى مماثلة يشهدها أحد أبناء الجالية المغربية بالخارج، ويتعلق الأمر بالطفل سمير أكعوش، طالب في معهد الإمام مالك لتحفيظ القرآن وتدريس العلوم الشرعية، من أم ألمانية وأب مغربي، يقول، وهو يحكي عما لحق به من ضرر لحظة خروج التلاميذ من القسم: «أثناء الهزة هربت كباقي التلاميذ وسقطت قرب الباب فداستني أقدام زملائي وأشعر بتوعك شديد في عنقي...»، ومما زاد من خوف التلاميذ من الدخول إلى الأقسام تلك الشقوق التي أحدثتها الهزة في بعض أقسام المؤسسات التعليمية، كمدرسة الإمام البخاري وثانوية محمد الخامس وإعدادية المسيرة، إضافة إلى شقوق أخرى في مؤسسات أخرى فى مدينة العروي والنواحي، كجماعة بني وكيل وغيرها. إعداد: محمد الدرقاوي