تقدم القناة الثانية يوم الثلاثاء 27 دجنبر 2005 ابتداء من الساعة التاسعة والربع ليلا أمسية فنية خاصة تتضمن عرض الفيلم الشهيرالمنشدونLec Choristes الذي أخرجه كريستوف باراتيير، ويبث برنامج وثائقي عنه وحوار مع بطله جيرار جيكنو. وتدورأحداث الفيلم في عام 1949, حيث ما تزال أوربا تجتاز مخلفات الحرب العالمية الثانية بمآسيها الانسانية والاقتصادية والاجتماعية ساعية لإعادة الإعمار والبناء، يحل أستاذ الموسيقى العاطل كليمنتماثيو بإحدى القرى الفرنسية للعمل كإداري بمدرسة مخصصة لأطفال فشلوا في التأقلم مع النظام التربوي العادي الذي يحكم المدارس العادية. يصادف ماثيو نظاما صارما يحكم العلاقة بين الإدارة والأساتذة والتلاميذ مبنيا على فكرة العقاب كوسيلة وحيدة لا عوض عنها لتقويم أي اعوجاج في السلوك أو نزعة تمرد على القواعد المطبقة إعمالا لمنطق يتلخص في أن أي فعل يطابقه رد فعل مباشر كعقاب لا محيد عنه. وفي ظل مثل هذه الأجواء، كان لابد للعلاقات بين مختلف الفاعلين بالمركز أن تتوتر وتتشنج بشكل يجعل عملية التحصيل والتربية مجرد وهم يعتقد الجميع بإمكانية تحققه دون قناعة حقيقية. لأجل ذلك، ومواجهة لهذا الفكر التقليدي ولتلك العقليات الإدارية الرجعية المعششة في مركز إعادة التأهيل، اقترح ماثيو على مديره السماح له بخوض تجربة تربوية جديدة تروم أولا كسب ثقة الطالب، ومن ثم إدماجه ثانيا في المنظومة التعليمية عبر إشراكه في عملية تواصل تربوي يزاوج بين التعلم والترفيه. ويقرر ماثيو ان يبدأ عمل جوقة مرتلين للكنيسة كنوع جديد من المشروعات للمساعدة في تدريب الطلبة على الانضباط والنظام وسرعان ما حصل على احترام الطلاب. خلال تدريباته للطلاب يكتشف أحد الطلبة الموهوبين الذي يحمل صوتا مميزا فيقوم المدرس بما بوسعه لتشجيع موهبة هذا الطالب في الوقت الذي يلتقي فيه بوالدة الفتى ويحمل لها اعجابا وانجذابا شديدا. أداء الممثلين رائع خصوصا جيرارد جاكنوت في دور ماثيو الوحيد الذي لا يهتم بمظهره. هذه التجربة الجديدة تنبني على فكر تنويري متجدد يعيد تركيب علاقة المعلم بالمتعلم دون إغفال أسس الالتزام الضرورية لضمان انتقال هادىء ومثمر من نظام عقابي الى آخر تحفيزي ينتج للأفكار ويصقل المواهب والملكات الإبداعية وينقل هؤلاء التلاميذ إلى واقع أفضل . هكذا يبدو الأستاذ ماثيو متقلبا بين الصرامة حينا والمرونة أحيانا أخرى، متجاهلا كل الأفكار المسبقة التي طالما حكمت هذه الإصلاحية لتحقيق أكبر قدر من التقارب والانسجام بين التلاميذ والمشرفين على تربيتهم وتعليمهم. وأما الشريط الوثائقي الذي يعرض عقب انتهاءالشريط، فيرصد كواليس فيلم المنشدون ويبرز أهم العناصر التي جعلت منه أنجح الأشرطة بالقاعات الفرنسية بتحقيقه ما يقارب التسعة ملايين تذكرة دخول، كما بيع منه مليونان من أشرطة (دي في دي) واقتُنِيَ من أغانيه مليون ونصف مليون ألبوم في مجموع التراب الفرنسي. دون أن ننسى احتفاء النقدي الكبير به، مما جعله يُختار من ضمن الأفلام المرشحة لأحسن شريط في مسابقة الأوسكار خلال مارس الماضي. والجدير بالذكر أن كاميرا الشريط الوثائقي رافقت لمدة ستة أشهر طاقم الفيلم عند عرضه بالعديد من بلدان العالم. كما أن الأطفال المشاركين في هذه التحفة الفنية كمًنشدين، تحولوا إلى ظاهرة لافتة للانتباه على امتداد فرنسا، حيث أصبحوا يقدمون عروضا موسيقية، حاملين معهم رسالة أمل وتفوق إبداعي مبهر. هناك تشابه كبير بين قصة هذا الفيلم وقصة الفيلم الايطالي سينما بارديسوParadiso Cinema ، فكلا الفيلمين يستخدم تقنية الفلاش باك، كما أن البطل في سينما بارديسو هو مخرج شهير يتم استدعاؤه ليعود الى قريته لحضورجنازة معلمه العجوز، مشغل جهاز العرض السينمائي في دار السينما الوحيدة الموجودة في القرية، أما في هذا الفيلم المنشدون فإن قائد الفرقة الموسيقية الشهير يعود لدياره ليدفن والدته، وهناك يزوره أحد رفاقه القدامى منذ أيام المدرسة ليبدآ استرجاع قصة مدرس الموسيقى ماثيو. والفيلم يعتمد على فكرة وجود الرجل الذي يقف وراء الرجل وذلك وفاء للأشخاص الذين ظلت إنجازاتهم غائبة عن الجميع والذين دفعوا آخرين لتحقيق الشهرة والنجاح والحصول على المجد، على رغم انهم لم يحققوا نجاحا كبيرا في حياتهم. انفعالات الممثلين بدت واقعية إلى حد كبير ساعد على إظهارها بشكل كبير بالموسيقى الرائعة ووصلات التراتيل الغنائية الجميلة.