لقد عانت جبهة البوليساريو كثيرا على الصعيد السياسي والاجتماعي خلال الأعوام الأخيرة بعدما بدأت تلاحظ أن مشروعها الوطني أصبح بعيدا جدا، وهي اليوم تعتبر أفضل نسبيا من مصير جيشها التابع لها... .. 4/3 على الصعيد التنظيمي: شيخوخة تدريجية لحركة صلبة وغير قابلة التغيير: لقد عانت جبهة البوليساريو كثيرا على الصعيد السياسي والاجتماعي خلال الأعوام الأخيرة بعدما بدأت تلاحظ أن مشروعها الوطني أصبح بعيدا جدا، وهي اليوم تعتبر أفضل نسبيا من مصير جيشها التابع لها. إن الديمقراطية كما رأينا سلفا لم تكن في أي وقت من الأوقات النقطة الثابتة للبوليساريو، ولكن سنوات الحرب ثم مرحلة الغرق والهزيمة قد ضاعفتا من عزلة وصلابة قيادتها وجمهوريتها، بحسب العديد من المراقبين والفاعلين الذين استطعنا التحاور معهم. يلاحظ بيير أوليفييه لوفو أنعلى جبهة البوليساريو التي باتت تضعف مع الزمن وينفلت من يدها زمام السيطرة على المخيمات، أن تتصرف لكي تجد على وجه السرعة حلا للمشكلة الصحراوية. فقد تقلص دعم الدول الصديقة منذ تهاوي جدار برلين وضعف الحماس الإيديولوجي في المخيمات. إن الوضعية الحالية متدهورة جيدا، والجبهة تقاد بواسطة مجموعة أشخاص ممن لا يهمهم سوى الحفاظ على مصالحهم الشخصية في أي اقتراح للحل(تقرير أوليفييه المشار إليه سابقا). وبعد أن يلاحظ بأنه علاوة على حالات التراجع تبدو قيادة البوليساريواليوم أكثر تشبثا بالسلطة وغير قابلة للتحييد كشأن التقاليد السياسية المعمول بها سابقا في المعسكر الشرقي يضيف لوفو:إن مسؤولي البوليساريو يتداولون بشكل دوري على مناصب المسؤولية فيما بينهم، ومن الصعب معرفة إن كانت توجد داخل الجبهة تيارات سياسية مختلفة أو مصالح خاصة متضاربة فيما بينها. ويبدو أن قيادات البوليساريو كلها أو فقط جزء منها تستفيد من الوضعية الحالية للبقاء في السلطة وتأمين مصالحها الاجتماعية والاقتصادية. وقضية أنهم يعتبرون أنفسهم قياديي دولة لها مجال ترابي وشعب وفي نفس الوقت لاجئين محتاجين للمساعدة الإنسانية للبقاء على قيد الحياة توضح الازدواجية التي يتصرف بها هؤلاء بشكل غير لائق. ويقدم قياديو البوليساريو الملتحقون بالمغرب نفس الملاحظات، فحامتي رباني، الوزير الأسبق للعدل في الجبهة يقول:رغم مظاهر الحوار ما بين القيادة والقاعدة من خلال وجود مندوبين للشعب، فإن السلطة تمارس باستمرار بطريقة عمياء، والقرارات الحاسمة يتم أخذها داخل هيئة ضيقة جدا، بدون أدنى حوار حقيقي، ومحمد عبد العزيز الذي بقي في السلطة دون أن يتزحزح منذ عام ,1976 أي مدة ثلاثين عاما، يقرر وهو محاط بمقربيه ويتلقى مشاوراته وأوامره من الجزائر، أما الذين يعارضونه فإنهم يقصون أو يخضعون لتحقيقات أمنية، صحيح أن عهد التجاوزات الخطيرة مثل الاغتيالات والتعذيب المنهجي للمعارضين قد ولى، ولكن السلطة ما تزال مركزة بأيدي أشخاص قليلين لا ينوون التخلي عنها.... ويقول سيداتي الكلاوي، السفير الأسبق للبوليساريو الذي مثلها في روما ومالطة وعواصم أخرى: إن هذه الطريقة في ممارسة السلطة الفردية من طرف قيادة مستريحة في مساكنها الفارهة والتي لا يطأ أفراد منها مخيمات اللاجئين قد زرعت استياء كبيرا وسط ساكنة هذه المخيمات، واليوم هناك معارضون قلائل لأن الناس ما تزال خائفة، ولكنها لا تنتظر شيئا من قياداتها، ونحن اليوم نلاحظ أن هناك طلاقا ما بين القمة والقاعدة.... أما مصطفى بوه، المفوض السياسي الأسبق لجيش البوليساريو، فإنه يلاحظ بأن هذا الطلاق وكذا الانقسامات وسط البوليساريو قد بدأت مباشرة مع انتهاء بناء الجدار الأمني: منذ هذا التاريخ، عندما انتهي من بناء الجدار عام ,1987 بدأت تتسع الخلافات، والبعض منا بدأوا يقولون بأننا أصبحنا أمام طريق مسدود لأننا أضعنا المقدرة على الهجوم مما يضعف كثيرا من قدرتنا على الضغط على الصعيد الدولي في أفق إيجاد حل متفاوض عليه. والواقع أن الأوضاع على الجانب المغربي قد أخذت تبدو أقل توترا، وحصل هناك نوع من الانفتاح من لدن الملك الحسن الثاني وأخذ بعضنا يفكر في احتمال حصول حل داخل المؤسسات المغربية مع حكم ذاتي موسع في الصحراء، ومن جهة أخرى كانت الحرب الباردة قد انتهت وبدأت مرجعياتنا الإيديولوجية التي بنيت عليها البوليساريو تنهار بالتدريج يوما بعد يوم، وفي عام 1988 حصلت أحداث خطيرة في المخيمات تم قمعها بوحشية، لقد كان ينبغي إنهاء كل هذا.... ولكن البوليساريو كانت تقوم بكل ما بوسعها لكي تقنع المتعاطفين معها والممولين والمساندين السياسيين بأنها ما تزال تمسك بزمام الأمور في يدها وبأن الأوضاع في المخيمات بألف خير، بل كانت تذهب إلى حد خداع الزائرين. ويتذكر مصطفى بوه: عندما كنت مسؤولا عن البروتوكول في عام 1989 كنت أشرف على زيارات الوفود الرسمية، وكان يحصل لي، في بعض أيام الرخاء، أن أرشد وفدين أو ثلاثة بشكل مختلف، فأظهر للشيوعيين نساء في وضع التدريب العسكري، وأظهر لوفود المنظمات الحقوقية نساء وقورات يربين أبناءهن في حالة من الفقر والحرمان، وأظهر لوفود الأحزاب الديمقراطية الاجتماعية نساء يعملن في الحقل الاجتماعي، وعندما يأتي الإيرانيون أظهر لهم نساء محجبات وخاضعات، وفي الواقع كان الأمر يتعلق بنفس النسوة اللواتي يؤدين أدوارا مختلفة حسب الطلب. لقد أنشأنا منظمة بمظاهر خداعة، مستعدة لأن تقدم لكل واحد المظهر الذي يريد أن يراه، لقد كان احتيالا أخلاقيا حقيقيا، ولكنه كان يوضح حقيقة البوليساريو.... كذب وبهتان، هذا هو تعليق القائد لحبيب أيوب: عبد العزيز يشك في الجميع، فهو يعيش محاطا بحرسه الخاص البالغ عدده أربعين شخصا ولا يثق سوى في مخابراته والشرطة التي تتبع أوامره، والكتابة العامة للبوليساريو لا تجتمع سوى مرة كل ستة أشهر لكي تصادق على القرارات التي يتخذها الرئيس، ومنذ أن تولى عبد العزيز السلطة حتى اليوم لم يحدث أبدا أن وضعت مالية الجبهة على طاولة النقاش، فالمال سر خاص به، إنه طابو الطابوهات.