النظرة السريعة التي قمنا بها لجبهة البوليساريو في الفصول السابقة، منذ نشأتها إلى وقف إطلاق النار عام 1991 وانسحابها من ساحة العمليات العسكرية، تحدد الإطار الذي سوف يتطور فيه هذا التنظيم خلال العشرية الأخيرة من القرن العشرين والسنوات الأولى من القرن الحادي والعشرين. لقد اتسم هذا المسار الجديد للبوليساريو بصدور اتهامات خطيرة وتأكيدات ضدها مما سنحاول التطرق إليه بنوع من التفصيل. إن محققينا قد عملوا بشكل واسع للحصول على الوثائق والشهادات التي تم اعتمادها في التحليل، ويستخلص من كل ذلك أنه إذا كانت بعض الاتهامات الموجهة إلى الجبهة لا ترتكز على أساس صلب وأحيانا تفتقد للأساس إلا أن المسارالعام لهذا التنظيم جدير بأن يثير القلق. 5/1 هل تشكل جبهة البوليساريو مجرد غطاء للمطامع الجزائرية في المنطقة؟ كانت البوليساريو تقدم باستمرارمن طرف المشنعين، خلال الأعوام الثلاثين الماضية، على أنها بكل بساطة دمية بيد الجزائر توظفها بل عملت على إنشائها لهدف وحيد وهو وضع الألغام في طريق المغرب وضمان تفوق الجزائر على الصعيد الإقليمي وفي إفريقيا. وقد أعلن أحمد الحليمي، عندما كان وزيرا منتدبا لدى الوزير الأول مكلفا بالشؤون العامة للحكومة، في تصريح له يوم 23 نوفمبر 1999 لدى استقبال وفد من البرلمانيين الفرنسيين:إن الجزائر تسعى للحصول على منفذ بحري على المحيط الأطلسي، وهي منشغلة بالدور الكبير الذي تريد أن تلعبه في إفريقيا، لكنها يمكن أن تستبدل هذا الطموح بإرساء الديمقراطية ونهج الليبرالية الاقتصادية، غير أن النظام الجزائري للأسف لم يكون سوى مجموعات من التكنوقراط ثم جماعة من المتطرفين في الوقت الذي يتوفر فيه المغرب على مستثمرين...(مقتطف من تقرير إخباري مقدم إثر بعثة لوفد مجموعة الصداقة الفرنسية المغربية ما بين 19 و 24 نوفمبر 1999 إلى المغرب، الجمعية الوطنية، الدورة التشريعية الحادية عشرة). وحتى لو بدا هذا الكلام كلاما منحوتا ومتحاملا، فإن هناك عدة معطيات تؤكد هذه الأطروحة: التنافس الاستراتيجي بين المغرب والجزائر كنموذجين للتنمية بالنسبة لإفريقيا هو حقيقة قائمة، كما بينا ذلك في بداية هذه الدراسة. منذحرب الرمال بين البلدين بقي للجزائر حساب مع المغرب. إذا أرادت الجزائر توسيع دورها في إفريقيا، وتحديدا من وجهة نظر الأمن الإقليمي، فإنها تظل محدودة الحركة في اتجاه الجسر البحريالمغلق، وهو البحر المتوسط، وترغب في الحصول على منفذ يطل على المحيط الأطلسي. نفس المنفذ على الأطلسي سوف يخول للجزائر ضمان أمن صادرات الغاز والبترول المستخرجين من جوف الأراضي الصحراوية، وفي الوقت الراهن فإن هذه الصادرات تبقى رهينة بشكل كلي لوجود منفذ على الأطلسي وتحت رحمة القلاقل التي يمكن مقارنتها بما عرفته البلاد في سنوات التسعينات، وهي قلاقل متمركزة في الجهة الشمالية للجزائر، في المدن وأدغال الشرق، ولكنها لا تصل إلى الجنوب والجزائر النافعة. توجد الجزائر التي تريد الخروج من سنوات الرصاص التي طبعت العقد الأخير من القرن العشرين عرضة لتوترات أمنية وسياسية داخلية قوية(الإرهاب الذي يقال إنه مجرد بقايا ناتئة ولكنه يبقى نشطا، وتوترات اجتماعية ناتجة عن سوء توزيع عائدات البترول، ومنافسات سياسية في قمة السلطة، وغياب الديمقراطية الحقيقية)، وهي توترات يمكن أن تدفع الجزائر إلى التفكير في تقوية الوحدة الوطنية عبر أزمة خارجية. الدعم اللامشروط الذي تقدمه الجزائر للبوليساريو منذ .1975 أما النقطة الأخيرة التي سوف نعالجها فهي لا تقبل التشكيك، وهي مع ذلك كثيرا ما ترددها البوليساريو نفسها: ذلك أن مخيمات تندوف توجد في الجزائر، وهذا البلد هو الذي قام بتسليح وتدريب وتمويل البوليساريو طيلة أزيد من ثلاثين عاما. لقد سمح بأن يتم احتجاز أكثر من ألفي أسير حرب مغربي على أراضيه في المخيمات التابعة للجبهة، غالبيتهم لما يزيد عن عشرين عاما. وحسب رأي الأمين العام للأمم المتحدة كوفي عنان نفسه، فالجزائر تمثل طرفا رئيسيا في هذا النزاع القديم الذي استمر ما يفوق ثلاثة عقود، وهذا بعكس مطالب قيادييها الذين يريدون فقط أن يلعبوا دور المدافعين عن حق الشعوب في تقرير مصيرها بنفسها. غير أنه لا يبدو لنا من الممكن تعريف البوليساريو بأنها منظمة في خدمة السياسة الجزائرية بشكل حصري، فكما سبق وأن أوضحنا ذلك في الفصول السابقة فالبوليساريو نشأت وتطورت في سنوات السبعينات في إطار معطيات تاريخية وسوسيولوجية خاصة. وباعتمادها الكامل على المساعدات الجزائرية للبقاء، فإن الجبهة لا تتوفر اليوم(وهذا حاصل منذ أعوام) على أي هامش للحركة إزاء الجزائر. وعلاوة على الدعم اللامشروط الذي أشرنا إليه سلفا والتورط الدائم لالمستشارينالجزائريين في العمليات العسكرية قبل ,1991 فإن شهادات ومعطيات أخرى تؤكد توظيف الورقة الصحراوية من طرف الجزائر لأهداف سياسية خاصة بها ولا علاقة لها بمصير الشعب المعني. وهذا ما تبين بعد وفاة الوالي مصطفى السيد لدى تعيين محمد عبد العزيز ككاتب عام للبوليساريو ورئيس للجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية، في الوقت الذي لا يعد هذا الأخير واحدا من الدائرة الضيقة لصانعي التنظيم.ويشرح الحبيب أيوب:لقد اختاره الجزائريون ولم نستطع نحن أن نرفض، فهم كانوا يعطوننا كل شيئ، أو تقريبا كل شيئ، وهكذا ظل يعتبر دائما تابعا لهم، ولكن ذلك لم يكن بدون مبرر، ذلك لأن محمد عبد العزيز ينتمي إلى الأقلية القبلية لركيبات الفقرا، أي الركيبات الجزائرية. هناك معطى آخر يدعو إلى التفكير فيه: فبعد الجمود الذي خلفه رفض مخطط بيكر اقترحت الجزائر في بداية عام 2003 تقسيم واقتسام الصحراء الغربية ببساطة بينها وبين المغرب، وتم ضرب القضية الصحراوية بعرض الحائط. ويقول الحبيب أيوب الذي زاره محمد عبد العزيز ليطمئنه، شهورا قبل وضع ذلك الاقتراح: بدون أن يتحدث مطلقا وبوضوح عن مشروع تقسيم الصحراء الذي أيده محمد خداد ممثل البوليساريو لدى المينورسو شرح لي رغبة الجزائريين، وبأننا لا نستطيع فعل أي شيء... وبذلك عرفت بأنني سوف أدخل إلى المغرب. إن الانسجام الظاهري في أعلى هرم السلطة الجزائرية لا يعكس الحقيقة فعليا. ففي حوار صحافي مثير للجريدة المغربيةلاغازيت دو ماروك في مارس 2003 قال الجنرال خالد نزار، رئيس أركان الجيش الجزائري الأسبق ووزير الدفاع السابق، لدى حديثه عن قضية الصحراء الغربية: أعتقد أن هذه القضية لا ينبغي أن تبعد البلدين الشقيقين عن بعضهما، خاصة مع وجود أقطاب إقليميين كبار حيث لا مكان للضعفاء، وأوروبا توجد في مواجهتنا، الأمر الذي يعني أننا يجب أن ننشئ قطعة قطعة فضاءنا المغاربي. واقترح الجنرال نزار بعد ذلك حلا لا منتصر ولا مهزوم، يسمح بدمج الصحراويين ويتيح لهمالالتحاق بالبلاد في إطار مصالحة، أما الجزائر فإنهاليست في حاجة إلى دولة جديدة على مشارف حدودها. وإذا اعتمدنا على تصريحات الرئيس عبد العزيز بوتفليقة حول المسألة من خلال قراءة الصحف الجزائرية(يوم22 ماي 2005 وبمناسبة الذكرى 32 لنشأة البوليساريو أكد الرئيس عبد العزيز بوتفليقة مجددا دعمه الكامل لاستقلال الصحراء الغربية) فإن نظرة خالد نزار هي نظرة تعبر عنها الأقلية، حتى وإن كان الرئيس محمد بوضياف يؤيدها، والذي لم يدع له الاغتيال وقتا للتعامل مع هذا المشكل الذي كان يؤرقه جيدا. وهكذا ليس هناك شك في العواصم الأوروبية في أن الجزائر هي التي عملت في السنوات الماضية على دفع كل من نيجيريا وجنوب إفريقيا وكينيا إلى الاعتراف بالجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية.