من المبكر الدخول في التحليل الكامل لنتائج الانتخابات العراقية، فالمعنيون يتحدثون عن أسبوعين قبل إعلانها، وقد يمتد الموقف لما هو أكثر من ذلك، لكن ما رشح من النتائج إلى الآن، وقبلها ما تعكسه حصص المحافظات من المقاعد، إلى جانب نسب المشاركة، كل ذلك ما زال يؤكد أن الائتلاف الشيعي لن يحصد نصف عدد المقاعد منفرداً، وإن تصدر المشهد الانتخابي بما لا يقل عن 120 مقعداً، وربما أكثر من ذلك إذا أخذنا في الاعتبار آلية توزيع المقاعد ال45 المتبقية التي ستوزع بحسب حصص اللوائح الانتخابية من مجموع الأصوات. النتائج الأولية في محافظات الجنوب الشيعية التسع أكدت ما يشبه الاكتساح للائحة الائتلاف الشيعي المدعومة من السيستاني، وبحضور واسع للتيار الصدري، فيما يبدو أنها ستحظى بما لا يقل عن 75% من مجموع أصوات الشيعة في مختلف المحافظات، أما الأصوات المتبقية فلن تكون بعيدة عنها بالضرورة إذ ستحصدها لوائح صغيرة يسهل استيعابها بعد صدور النتائج. الأكراد بدورهم، بمن فيهم الاتحاد الإسلامي، سيحصدون ما يزيد على نسبة العشرين في المئة، وهي النسبة التي لن يتجاوزها العرب السنة، ويبقى السؤال متعلقاً بحصة إياد علاوي، ومعه اللوائح الصغيرة الأخرى التي يمكنها القبول بحكومة تحت زعامته ذات شعارات وطنية وحدوية. هكذا يمكن القول أن تشكيل الحكومة الجديدة سيستغرق وقتاً ربما يكون أطول من ذلك الذي استغرقه تشكيل الحكومة الماضية، والسبب هو أن المسار الديمقراطي الطبيعي يستدعي منح الكتلة الأكبر (الائتلاف الشيعي) صلاحية تشكيل الحكومة، لكن قراراً من التحالف الكردي، ومعه العرب السنة بعدم الدخول تحت لوائها تبعاً للتجربة المرة الماضية سيصب في صالح علاوي من دون شك. بالمقابل سيكون من الصعب على أي تحالف آخر يشكل الحكومة أن يتجاهل الكتلة الأكبر تبعاً لقدرتها على مناكفة الحكومة، وربما إسقاطها بسهولة بالتعاون مع قليل من الساخطين في الكتل الصغيرة، ما يعني أن الحكومة ستجد نفسها في مهب الريح على الدوام، تماماً كما كان حال الحزبين الكبيرين في الدولة العبرية مع الأحزاب الدينية خلال فترات عديدة تبعاً لعجز أي منهما عن تشكيل الحكومة منفرداً. من هنا يبدو الحل الطبيعي الذي سيدعمه الأمريكان، أو يفرضوه بتعبير أدق، وبالطبع على الائتلاف الشيعي وقادته قبل أي أحد آخر، هو ذلك المتمثل في ائتلاف يتزعمه علاوي بمشاركة القوى الكبيرة، بما فيها الائتلاف الشيعي نفسه، إلى جانب العرب السنة والأكراد، والنتيجة هي العمل على تحرير العرب السنة، ولو نسبياً، من مشاعر التهميش والاستهداف وإقناعهم بترك المقاومة، وهو أمر قد يؤيده الائتلاف الذي تحتل المسألة الأمنية أولوية عنده. لكن ذلك (أعني وقف المقاومة) لن يحدث بحسب أرجح التقديرات من دون خروج قوات الاحتلال وتحقيق السيادة وصولاً إلى عملية سياسية مستقلة بعد إحصاء سكاني دقيق تليه انتخابات في ظل قانون عادل يأخذ في الاعتبار بعدي الديمغرافيا والجغرافيا في آن معاً ولا ينطوي على أية روح ثأرية تجاه أي طرف. معادلة ما قبل الانتخابات إذن هي ذاتها المعادلة السابقة؛ أي عملية سياسية لا توقف المقاومة، مع فارق أن الحكومة الجديدة قد تكون أقل طائفية من سابقتها إذا تزعمها علاوي وشارك فيها العرب السنة. ويبقى أن مسلسلاً طويلاً من المظالم التي وقعت بحق هذه الفئة لا بد من تسويتها، وعلى رأسها قضية المعتقلين الذين يرزح خمسة عشر الفاً منهم في السجون من دون محاكمة. ليس لدى جورج بوش وأصحابه سوى الخروج من العراق، وبوسعهم أن يستغلوا تشكيل الحكومة الجديدة إذا تم بالتوافق كي يبرروا الخروج، أما إذا لم يفعلوا، فإن شيئاً مهماً لن يتغير وسيتواصل النزيف وصولاً إلى قرار الرحيل الذي لا بد منه في نهاية المطاف.