من راقب الحملة الانتخابية للائحة الائتلاف الموحد الشيعية لا بد أنه لاحظ حجم الحشد الطائفي الذي استخدمه رموزها في سياق استنفار الثارات التاريخية في نفوس الجماهير الشيعية من أجل التوجه بكثافة نحو صناديق الاقتراع. واللافت أن عملية الحشد قد بدأت قبل الانتخابات من خلال الإصرار على دمج التيار الصدري الأكثر شعبية في الشارع ضمن إطار اللائحة، فيما دخل السيد علي السيستاني بقوة على الخط، خلافاً لظاهر الموقف بدعوته الجماهير إلى عدم التصويت للوائح العلمانية أو إضاعة أصواتهم عبر الانحياز إلى القوائم الصغيرة، الأمر الذي فهمته الجماهير على أنه تكليف شرعي بانتخاب لائحة الائتلاف. لم يكن سراً بالطبع أن الإيرانيين الذين مولوا الحملة الانتخابية بمئة مليون دولار، وربما أكثر، قد حضروا في اللعبة من الألف إلى الياء؛ بداية بإقناع الصدر عبر مرجعه كاظم الحائري الموجود في إيران بدخول الائتلاف، ومروراً بتمويل الحملة الانتخابية، وصولاً إلى توفير البطاقات المزورة عبر صهاريج تدفقت على العراق!! لم يكن غريباً بالطبع أن يفعل الإيرانيون ذلك، لاسيما في ضوء استنجاد أنصارهم بهم خشية نوايا التزوير لحساب علاوي والأكراد وربما العرب السنة من أجل تشكيل وزارة بزعامة الأول تستبعد الائتلاف أو تحجمه في أقل تقدير. وقد جاء ذلك إثر تحركات مكشوفة في هذا الاتجاه من طرف السفير زلماي خليل زاد. والحال أن هذا الخوف المبالغ به؛ إيرانياً ومن طرف رموز الائتلاف، قد تحول إلى رعب مرضي أربك أداءهم السياسي وتسبب في أخطاء فاضحة ترتبت على المبالغة في التزوير في بعض المناطق، لاسيما بغداد التي تحظى ب59 مقعداً من أصل 230 مقعداً هي عدد مقاعد المحافظات قبل توزيع المقاعد المتبقية (45) على اللوائح الفائزة بحسب نصيبها من المجموع العام للأصوات. حين حصلت لائحة الائتلاف الشيعي على حوالي 59% من أصوات بغداد كان من الطبيعي أن يضج الآخرون بالصراخ والاحتجاج، فالسنة يرون أنهم في حدود نصف سكان المحافظة، فيما يتواجد فيها أكراد وتركمان ومسيحيون فكيف تسنى للائتلاف أن يحصد هذه النسبة منفرداً رغم وجود لوائح أخرى يمكن أن تأخذ من أصوات الشيعة من بينها لائحة علاوي و"رساليون" وسواهما؟! لا تسأل بعد ذلك عن حجم التصويت ونوعه في محافظات الجنوب، وحيث تجاوزت نتائج الائتلاف كافة المعايير، بل أيضاً مجمل التوقعات المستندة إلى نتائج الانتخابات الماضية ونتائج الاستفتاء على الدستور، فضلاً عن إحصاءات البطاقة التموينية ذات المصداقية المتوفرة من أيام النظام السابق. والحال أن الائتلاف الشيعي لم يكن في حاجة إلى ذلك كله، وكان بوسعه أن يكتفي بما تمنحه له الأوضاع الطبيعية في ظل انحياز الجماهير الشيعية إليه بعد استقطاب الصدر ودعم السيستاني، لكن الخوف المبالغ فيه هو الذي دفعه إلى ارتكاب تلك الأخطاء الفاضحة، مع أنه لو اكتفى بمئة وعشرة مقاعد على سبيل المثال، أي 40% من مجموع المقاعد إلى جانب لوائح شيعية صغيرة، وشيعة آخرون على قائمة علاوي والقوائم الأخرى لكان ذلك كافياً لتشكيل الحكومة التي ينبغي أن تكون ائتلافية في كل الأحوال، بصرف النظر عما إذا كان علاوي هو الذي سيرأسها أم عادل عبد المهدي أم الجعفري. بسلوكه الأرعن المرتهن لمخاوف "زحف الأمويين" من أجل سرقة حق آل البيت الذي استعادوه بعد مطاردة قرون!! ها هو الائتلاف الشيعي يدخل في معركة مع الأمريكيين ومعهم الكتل الأخرى؛ علاوي والأكراد والعرب السنة، ما سيرتب عليهم استحقاقات كان بوسعه تجاوزها. إنه سوء الطالع الذي يلاحق المحتلين وأذنابهم، إذ أن التزوير الذي جرى سيصب في خدمة المقاومة التي ستتواصل إلى حين خروج الاحتلال وصياغة عملية سياسية عادلة ضمن ثوابت العراقيين في عراق موحد ينتمي إلى أمته العربية والإسلامية.