سنترك مساحتنا هذا اليوم، ومعها مساحة إضافية في صفحة أخرى لسامي الحاج، مصور قناة الجزيرة المعتقل في جوانتانامو، ليروي لنا بعضاً من معاناته ومعاناة آخرين في سجون الحضارة الأمريكية التي مر بها، وآخرها جوانتانامو، وقد وردت شهادات الحاج في رسالة بعث بها من خلال محاميه البريطاني كلايف ستافورد ونشرها موقع الجزيرة نت. هنا فصول الرسالة مع قليل من التصرف بهدف الاختصار. تبدأ المشاهد من سجن في كابول، حيث يؤخذ المعتقلون بأيديهم وأرجلهم المكبلة بالأغلال ورؤوسهم المحشوة داخل أكياس سوداء ويوضعون في زنازين تحت الأرض لا تزيد مساحتها عن المترين طولاً وعرضاً. ثم تبدأ الرواية!! قبل أن يوصد الباب، تجرد من جميع ملابسك ثم ينظر إلى درجة اشتباهك، فإن كنت مشتبها بمساعدة منظمة "إرهابية" تربط يدك اليمنى على الجدار بحيث لا تستطيع الوقوف ولا الجلوس، وإن كنت مشتبها بالعضوية تعلق من يديك على السقف بحيث لا تلامس رجلاك الأرض، أما إذا اشتبه بأنك قيادي فتعلق في السقف من رجليك وتظل تسبح في الهواء. تصل درجة حرارة الزنزانة إلى ما تحت الصفر في الشتاء، أما في الصيف فهي جحيم لا يطاق. أما الطعام فبحسب درجة الاشتباه أيضاً، فللعادي وجبة كل ثلاثة أيام عبارة عن قبضة من الأرز متوسط (النضج) مخلوط بنصف قبضة من التراب وملعقة من الفاصولياء السوداء، بالإضافة إلى قارورة من الماء الآسن الذي لا يمكنك تجرعه إلا بعد إغلاق أنفك تماما. ولا تسأل عن مكان قضاء الحاجة فحسبك زنزانتك فهي كلها مكان لقضاء الحاجة. لا قيمة للزمن هنا فكل أيامك ظلام لا تعرف ليلا من نهار ولا تحلم بالنوم فأصوات الموسيقى الصاخبة وأصوات الحيوانات يخالطها أنين وآهات بني الإنسان من نزلاء المكان. وبين الفينة والأخرى يدخل عليك خفافيش الليل وهم أبطال من الملاكمين أو أصحاب الأحزمة السوداء في التايكواندو والكاراتيه أو جلادون "كرام" لا يرضون بأقل من المئات. وتظل على هذا الحال شهرا.. شهرين.. ثلاثة، وفي بعض الأحيان يأخذونك في نزهة خارجية في غرفة ثلاثة أمتار في ثلاثة أمتار، ويجلسونك على كرسي يشبه كرسي طبيب الأسنان وأمامك عصي بجميع الأحجام، وبجانبك الأيمن كماشات لقلع الأظافر، وعلى جانبك الآخر مطارق ومسامير ومناشير، ومن تحتك حديقة حيوان فيها بالقطط والفئران والكلاب والعقارب والأفاعي العظام، ومن فوقك أسلاك كهربائية مختلفة الأحجام. عدد "الفسح" حسب درجة الاشتباه، فالعادي مرة في كل أسبوع وفي جدولك زيارات إلى "المراوش" والمسابح. أما المراوش فيوضع الإنسان تحت أنبوب قطره لا يقل عن خمسة بوصات ثم يصب عليه ماء في درجة حرارة قبل التجمد في الشتاء، ودرجة قبل التبخر في الصيف، أما الأحواض فمستنقعات من الأوساخ. أما التحقيق فأبطاله عرب شداد يتحدثون مختلف اللهجات. وفي هذا المكان فقط ترى الضوء إذ تسلط عليك إضاءة لا تقل قوتها عن ألف واط. وبالتأكيد لن تر شيئا وستظل مغمض العينين من تلقاء نفسك حتى تلبس الكيس الأسود بعد نهاية الجولة. عن استقبال التحقيق فحدث ولا حرج، بصقة، صفعة، ركلة، لكمة، صعقة كهربائية، ضرب على أماكن حساسة وغير ذلك حتى نهاية الجولة. وقبل الخروج إلى زنزانتك تعطر ببول معتق وتدهن بمخلفات الإنسان والحيوان. أما نزلاء هذا المكان فهم كثيرون لا يحصون، وممن خرجوا أحياء بقدرة إلهية ولم يلقوا حتفهم بأزمات قلبية –كما يزعم الأميركان- هناك عمير اليمني وعبد الله الليبي وأيوب اليمني ورفيق الجزائري وبشير الصنعاني ويونس وهائل الذي فقد إحدى خصيتيه جراء الضرب والضغط عليها. بعيداً عن هذا المكان بكيلومترات قليلة وفي مكان آخر يدعى "بغرام" سنجد أخلاطا من نساء ورجال، شيب وأطفال. فقد شوهدت امرأة باكستانية في إحدى الزنازين الانفرادية مصابة بحالة هستيرية من شدة ما ذاقت من أصناف الأذى وألوان العذاب، وأطفال يبكون من هول ما يرون وشباب يضربون حتى الموت، وما أكثر الذين أعلنت رسميا وفاتهم إثر أزمة قلبية مزعومة، وما خفي أعظم. نطير ثانية إلى قندهار، وتحديداً في مطارها حيث معتقل مكافحة الإرهاب. وفي إحدى الخيام هذا فهد الشريف من آل البيت وسكان مكةالمكرمة يوضع في خيمة انفرادية وتوجه له تهمة التخطيط لهجمات الحادي عشر من سبتمبر. وعندما ينكر ذلك يعلق من مجردا من الملابس سوى سرواله القصير في البرد القارس دون طعام أو شراب، ويظل هكذا إلى أن يغمى عليه في اليوم السادس فينزلونه ويطعم وجبة واحدة في اليوم مدة أسبوع آخر، وهو على حاله مجرد من ملابسه. وحين ينكر التهمة مرة أخرى أمام المحقق يدخل عليه أربعة مصارعين من الجنود ويمسكونه بحيث لا يستطيع تحريك ساكن، وتدخل عليه عاهرة أمريكية فتفعل ما يفعل الرجل بزوجته بحضور المحقق وسط ضحك وسخرية الجميع. بعد ذلك يهدد بتكرار ذلك الفعل يوميا، ثم يترك مرميا في خيمته عاريا خائفا محطما، ويعاوده المحقق كل يوم بالتهديد تارة وبالضرب تارة وبالشتم تارة أخرى، والاستهزاء بالرسول الكريم صلى الله عليه وسلم والدين الإسلامي. ثم نصل خليج غوانتانامو، "غولاغ المعاصر"، حديقة الحيوانات البشرية، وندخل إلى غرف التحقيق التي كتب على أبوابها لافتة كبيرة باللغة العربية تقول: "جهنم". هذه غرفة خصصت لطالب العلم وحافظ كتاب الله "فاروق المكي" يتجرع فيها أشد أنواع التعذيب الجسدي والنفسي.. تسهير وموسيقى صاخبة.. إضاءة قوية.. برد قارس.. استهزاء بالإسلام بل بالقرآن، فمرة يوضع تحت رجل المحقق، وأخرى يرمى على الأرض.. ثم إغراء من خلال المومسات. في غرفة مجاورة سنجد عبد الهادي الشارخ وهو شاب لم يتجاوز العشرين من العمر.. تسهير ثم صخب موسيقى ثم عاهرة تمسح على صدره "كريم" يثير الشهوة ثم تجلس على فخذيه وتخرج أصواتا في محاولة منها لتحريك غريزته، فيأبى الله له الخذلان ويظل صامدا صمود الرجال وراسخا رسوخ القمم الرواسي، فيجنّ جنون المحقق فيأتي بالقرآن الكريم ويرميه على الأرض ثم يطأه برجله القذرة، فيظل عبد الهادي على ما هو عليه فيزداد غضب المحقق ويأتي بعلم إسرائيل ويلفه على رأسه، وكل هذا وهو مكبل اليدين والقدمين على أرضية الغرفة. وفي غرفة أخرى، هذا يعقوب السوري تدخل عليه المحققة وهو مقيد بالسلاسل وتتعرى أمامه، وعندما يخفض بصره تخرج قطنة وتأخذ من دم حيضها القذر وتمسح به وجهه المستنير بكلام الله عز وجل الذي يحويه صدره ويحفظه عن ظهر قلب. ويبقى على هذه الحال ساعات وساعات. وفي غرفة مجاورة يأمر المحقق المعتقل "محمد رجب" بالسجود له فيأبى السجود لغير رب الأرض والسموات، فيأمر المحقق السلطات الصحية بتجاهل محمد رجب الذي يعاني من مرض البواسير. وفي غرفة أخرى، يدخل جندي وجندية على معاذ السيد فيتعريان أمامه ثم يمارسان الرذيلة ويجتهدان في إثارة غريزته، فيناجي ربه فيستجيب له ويحصنه حتى يعود إلى زنزانته من جديد. تلك بعض القصص التي يؤكد سامي الحاج أن لديه منها ما هو أبشع وأفظع، لكنه ارتأى أن يبقيها طي الكتمان حتى لا تخدش مسامعكم ولا تقسّي قلوبكم.