يمكن لمن تتبع ليلة السبت الماضي البرنامج الذي أذاعته القناة الثانية تحت عنوان سيداكسيون وبشراكة مع الجمعية المغربية لمحاربة السيدا في إطار التضامن مع المصابين بمرض السيدا في المغرب والذي وصلت حجم القيمة المالية التي تم تقديم وعود بشأن التبرع بها لفائدة المصابين إلى 5‚20 مليون درهم إلا أن ينوه بهذه المبادرة التضامنية. ولا يمكن إلا أن ينوه أيضا بالتجاوب الذي أبدته كثير من المؤسسات العمومية والشركات والشخصيات وإن كان ينتظر من بعض الشركات التي تحقق هذه الأيام أرقاما فلكية في رقم معاملاتها مستفيدة في ذلك من شاشة التلفزيون ومن الاعلانات التجارية أن يكون دعمها أكبر. الليلة عرفت مشاركة نوعية لعدة من الضيوف من الأطباء المختصين والجمعيات العاملة في الميدان والشخصيات الفنية من داخل المغرب وخارجه. كما سعى القائمون عليها عبر عدة مقاربات منها إلى تقديم شهادات حية ومؤثرة لمصابين بمرض السيدا أبرزت معاناتهم النفسية والصحية والاجتماعية ليس مع المرض فحسب بل أيضا مع نظرة المجتمع وتعامله مع المصابين بهذا المرض في خطوة شجاعة تحسب للقائمين على البرنامج. كما عمد أيضا إلى تقديم شهادات حية للمواطنين تبرز تصوراتهم ومواقفهم من هذا المرض ولطبيعة المقاربة التي ينبغي أن تعتمد في الوقاية منه والعلاقة الاجتماعية التي ينبغي أن تكون مع الذين ابتلوا به. اللافت للانتباه أيضا أن القائمين على البرنامج حرصوا على استحضار دور الرؤية والمقاربة الدينية لمعالجة هذه الظاهرة. لكن بمقدار هذه الايجابيات التي وجب تسجيلها والتنويه بها فإن الانطباع العام الذي ترسخ لدى فئة عريضة من المواطنين هو أن البرنامج انتصر في مقاربته إلى وجهة نظر أحادية على مستوى الوقاية ألا وهي استخدام العازل الطبي. كما أن استحضار البعد الديني قد تميز ببعده الانتقائي الهادف إلى أن يكون الفاعل الديني شاهد زور، وأن تكون اللقطات التي أخذ الواحد منها من خطبة جمعة والثانية منها من مؤتمر فقهي حول الموضوع بعد أن عمل فيها مقص المونتاج ما عمل شاهدة زور مبررة للمقاربة الأحادية الخاطئة القائمة على تعميم العازل الطبي ومن ثم شرعنة السلوك الجنسي خارج إطار العلاقة الزوجية. ولن نتوقف طويلا عن تدخل ممثل وزارة الأوقاف الذي كان يفترض فيه أن يسد موقع الحلقة الضائعة في البرنامج وأن يقيم الشهادة لله، ويقيم التوازن المفقود في البرنامج، فتلك كانت مسؤوليته ولم يكن ينتظر من غيره أن يفعل ذلك. لقد انساق السيد ممثل وزارة الأوقاف في غلط غير مقصود ووراء مغالطة يروجها الذين لا يريدون أن يذهبوا إلى المشكل في حقيقته وعمقه فصرح حائزا على تصفيقات جمهور البرنامج على أن السيدا هو بلاء وليس عقوبة، وهذه حقيقة تخفي وراءها باطلا، وأنه لا بأس بدعوة الناس إلى استخدام العازل الطبي، وهو ما ذهب إليه الدكتور القرضاوي في لقطات قصيرة عرضت في البرنامج في مؤتمر فقهي خاص بالموضوع. لكن الفرق بين ما صرح به الدكتور القرضاوي وما صرح به ممثل وزارة الأوقاف هو أن القرضاوي أكد على دور العفة باعتبارها الأصل وأنه لا مانع بعد ذلك من دعوة من ابتلي بعدم الاخلاص والعفة إلى استخدام العازل الطبي تقليلا من المفاسد والأضرار ودفعا لها. وهذا اجتهاد شرعي لا غبار عليه لكن بينه وبين النغمة العامة التي عزف عليها البرنامج من أوله إلى آخره، ورسخها تأثيث ديكوره بعوازل طبية أنجزها مهندس ديكور فرنسي استخدم خصيصا لهذا العرض، وساوقها ممثل وزارة الأوقاف، بين السماء والأرض. ومع تنويهنا بالعمل التوعوي والتحسيسي الذي قامت به القناة الثانية والجمعية المعنية إلا أنه وجب التأكيد على مجموعة من الحقائق: إن مرض السيدا لم ينشأ في المغرب ولا في البلاد النامية بل هو مرض من أمراض الحضارة المعاصرة، فهو مصدر إلينا من المجتمعات الغربية التي انتشرت فيها الثقافة الإباحية، وما ارتفاع نسبة الإصابات في المدن المغربية السياحية، وما ارتبط بالسياحة من بعض المظاهر السلبية إلا دليل على ذلك. أن الأولى ببعض الفنانين والفنانات على الخصوص الذين شاركوا مشكورين في مثل هذا البرنامج أن يراعوا مشاعر المشاهدين في برنامج تحسيسي وأن يقدموا من المواد الغنائية والترفيهية ما يتناسب مع الموضوع الذي كان يناقش، ومع الشهادات المؤلمة التي كانت يقدمها بعض المصابين ممن حضروا البرنامج لا أن يأتوا في ملابس ويقدموا مواد تتناسب أكثر مع متطلبات رواد المراقص والحانات الليلية، علما أن السيدا إنما هي نتاج مجتمعات سادت فيها الثقافة الإباحية والفن الرخيص المحرض على الفاحشة. إن مرض السيدا هو بدون شك عقوبة من عقوبات الفطرة مثله في ذلك مثل غيره من الأمراض الجنسية، بسبب انتشار العلاقات الجنسية الشاذة وانتشار الإباحية الجنسية وهذا مما نص عليه حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث يقول: يا معشر المهاجرين! خصال خمس إذا ابتليتم بهن وأعوذ بالله أن تدركوهن: لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا ... إن إصابة بعض الأبرياء بهذا المرض ممن ليسوا من الشواذ جنسيا هو دون شك بلاء وليس عقوبة ولاشك أن المبتلى مأجور على البلاء ومأجور على الصبر. والمقاربة التي دعا إليها البرنامج صحيحة في ضرورة العناية بالمرضى الذين ابتلاهم الله به والعناية بهم لا النظر إليهم نظرة ازدراء واحتقار وتهميش. وبعض ما استدل به ممثل وزارة الأوقاف أيضا صحيح، لكن انتشار الوباء في الأبرياء أصله وجود تلك الظواهر الشاذة التي تشكل الأرضية التي تنمو فيها الإصابة دون أن ينفي ذلك الإصابة يمكن أن تأتي عبر طرق أخرى غير العلاقة الجنسية، إلا أن الممارسات الجنسية الشاذة وغير الشرعية تبقى هي السبب الأصلي والسبب الأكبر لظهور وانتشار الإصابة في الأبرياء وغيرهم من الشواذ أو الذين يمارسون علاقات غير شرعية. بناء على ذلك كله وجب في محاربتنا لداء السيدا وفي حملات الوقاية منه إلا أن يكون لنا في برامجنا التلفزية وغيرها خجل من أن ندعو إلى العفة ثم العفة ثم العفة، وهي مقاربة نؤكد على أولوياتها منظمات دولية، فما بالك والأمر يتعلق بمجتمعات إسلامية، لا يزال للدين دور كبير في تشكيل ثقافة وسلوك المواطن. وهذا الجانب إذا لم يكن لبعض الأطباء أو الناشطين الجمعويين في حقل محاربة السيدا باع فيه، فإنه لا يعذر من يفترض فيهم أنهم قائمون على الشأن الديني أن يفرطوا فيه، وأن يفصلوا أقوالهم ومداخلاتهم على حسب أهواء نفر يشمئزون من ذكر العفة ودور الدين والأخلاق في وقاية الفرد والمجتمع من هذه الآفة ونظائرها.