قبل أيام قليلة، احتفلت ألمانيا بتوديع مستشارها غيرهارد شرويدر بعد أن تربع على سدة حكمها سبع سنوات، وكانت حفلة الوداع باذخة ومهيبة حسب التقاليد، ولكنها كانت في ذات الوقت بمثابة تشييع لجنازة نجمه السياسي وبداية تلاشيه، وطي آخر صفحة في الحياة السياسية لرجل لم تشهد ألمانيا وربما أوروبا كلها بعد الحرب العالمية الثانية داهية في براغماتيكيته المفرطة، والتي مكنته من الصعود من قاع المجتمع إلى سدة المستشارية. ولد شرويدر في 7 أبريل 1949 قبيل نهاية الحرب العالمية الثاية، وكان أبوه قد قتل في الجبهة قبل ولادته بسبعة أو ثمانية أشهر، وبعد انتهاء الحرب وجدت أمه هي وأطفالها الخمسة والذين كان آخرهم شرويدر بلا عائل، فاشتغلت عاملة نظافة، واضطر أطفالها للعمل صغارا لمساعدتها على تغطية تكاليف المعيشة. ولم يتمكن شرويدر من مواصلة الدراسة النظامية، ولكنه التحق بفصول ليلية تابع فيها دراسته حتى تمكن من الحصول على الباكالوريا، ثم على الإجازة في الحقوق التي مكنته من العمل محاميا منذ عام 1979 إلى حدود .1990 بدأ نشاطه السياسي مع الشبيبة الاشتراكية للحزب الاشتراكي الديمقراطي، وانتهج موقفا إيديولوجيا متطرفا سبب له مشاكل مع قيادات الحزب، لكنه اجتذب إليه شباب الحزب فاختاروه رئيسا للشبيبة. وبعد أن أبلغه تطرفه مأربه، وعمل في المحاماة، تبدلت مواقفه، وبدأ ينسج علاقات واسعة مع البورجوازية الألمانية واتخذ منها ركيزة لتحقيق طموحاته السياسية، فانتخب نائبا في برلمان الولاية عام ,1980 ثم رئيسا لفريق الحزب البرلماني فيه، ليغدو بعد ذلك رئيسا لحكومة ولاية ساكسونيا السفلى في عاصمتها هانوفر عام .1990 وينصب بعدها ثماني سنوات (1989) مستشارا للرايخ الألماني بعد أن حقق الحزب الاشتراكي الديمقراطي الذي رشحه لهذا المنصب فوزا كبيرا في الانتخابات بتحالفه مع حزب الخضر الذي يتزعمه يوشكا فيشر. انقلب بعذ ذلك شرويدر على أمين عام الحزب ومنظره الإيديولوجي أوسكار لافونتين الحكومة والحزب معا، وجمع شتات الشيوعيين السابقين وأسس حزبا جديدا باسم تكتل اليسار. استطاع شرويدر أن يكون شخصية كاريزمية، إلا أن متاعبه تواصلت داخل حزبه، ومع الطبقة السياسية الألمانية، ودفعه الغرور لأن ينظم انتخابات سابقة لأوانها وهو على ثقة تامة بضمان الفوز فيها. إلا أن نتائج الانتخابات لم تبلغ مستوى طموحاته، وجاء ترتيب حزبه الثاني بعد أن حاز تحالف الحزب الديمقراطي المسيحي والديمقرطي على المركز الأول بزعامة أنجيلا ميركل. وقد تشكلت الحكومة الألمانية من ائتلاف يجمع التحالف المسيحي مع الاشتراكي الديمقراطي ويتمتع بأغلبية مريحة في البرلمان، ووافق البرلمان في جلسة الثلاثاء 22 نونبر الحالي على تنصيب أنجيلا ميركل مستشارة لألمانيا. وأنجيلا ميركل من مواليد ,1954 وقد انتقلت بها أسرتها من مدينة هامبورغ وهي طفلة صغيرة إلى ألمانياالشرقية، حيث كانت عضوة نشطة في حركة شباب ستالين الشيوعية وحصلت على الإجازة والدكتوراه في الفيزياء من جامعة ليبتزيج عام .1986 يرجع بدء اتشغال ميركل بالسياسة إلى عام 1991 عندما قرر المستشار الألماني هيلموت كول إدماجها في الحكومة بعد إتمام الوحدة بين شطري ألمانيا حيث أسند إليها وزارة الأسرة وزارة الأسرة والبيئة. وبعد أن تنحى هيلموت كول عن رئاسة الحزب عام 2000 وصلت أنجيلا ميركل محله كرئيسة للحزب، وبهذه الصفة دخلت الانتخابات الأخيرة، وتوصلت بعد مخاض طويل إلى تحقيق التحالف الحكومي الحالي. والمتوقع من حكومة الائتلاف الحالية في برلين، أن ينصرف أكثر اهتمامها إلى الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية المحلية للبحث عن حلول مرضية للأطراف الداخلية المعنية بإصلاحات في هذا الشأن. بينما تستمر السياسة الألمانية داخل أوروبا والعالم كما كانت عليه من قبل، دون تعديلات أو تغييرات ذات أهمية.