شريحة آئمة المساجد والقيمين الدينيين فئة بجهودها يتشرب المجتمع دينه، وبتوجيهاتها النيرة تستقيم سلوكات أفراده، فيتوب العاصي، ويزداد الطائع تسابقا للخيرات. وقد حظيت هذه الفئة في إطار الإصلاح الجديد للشأن الديني باهتمام خاص، فأقيمت أيام دراسية تكوينية للأئمة والخطباء، ووجهت لهم مذكرات دورية تحدد لهم الاختصاص، ونشرات تدعو الخطباء إلى سلوك منهج التوسط والاعتدال في الكلام، وكلها أمور محمودة، ولخيرالوطن والأمة هادفة. فالإمام الخطيب عليه العهدة في تبصيرالمستمعين بخطبه ومواعظه، وكل انزلاق علمي يتأذى به المجتمع، فينتج عنه إما تشدد في الفهم وتطرف في الفعل، أو تسيب في التدين وانحلال من التشريعات، فتختلط الأمور. شيء واحد لم يحظ بما يستحق من العناية، عند الحديث عن الأئمة الخطباء والقيمين الدينيين، وهو الوضع المادي لهذه الفئة ومصير أسرها وأبنائها، مما نتج عنه فكرة مفادها أن الاتجاه نحو دراسة القرآن العظيم والسنة النبوية، باعتبارهما المصدرين الأساسين للتشريع الإسلامي، هو تخطيط للفشل المادي في الحياة. وإشارة لهذا الوضع تكفي، فالخطابة إذا كانت، في أغلب الأحوال، تدخل في عمل التطوع بامتياز، فإن مهمة الإمام الخطيب أو القيم الديني، الذي يجعل من هذه المهنة مصدر رزقه الوحيد، ربما قذفت به في دروب التسول المختلفة، بالمباشر وغيرالمباشر. فقد يعيش الإمام الخطيب مثلا عمره كله بدون تغطية صحية ولا ترقية إدارية، وأعلى مرتبه، ربما لا يتجاوز ألفي درهم لثلاثة أشهر بمعدل شهري لا يتجاوز ألف درهم، فلا نسمع أن إماما خطيبا أو قيما دينيا كان في السلم الثامن وترقى للسلم التاسع أو العاشر، بلهَ الحلم بسلم خارج الإطار، بخلاف ما يشاع عن جارتنا الجزائر في عهد الشاذلي بن جديد أنها جعلت الخطيب موظفا في الوظيفة الإدارية في مرتبة معلم. والسبب قد يكون معروفا ومسوغا خلال فترة الاستعمار، إذ عمل هذا الأخير بشتى إمكاناته الإدارية للإجهاز عن كل مقومات الشخصية الإسلامية المغربية، من إهمال المؤسسات العلمية وتضييق مجال تدخل المسجد في صياغة المشروع المجتمعي، وكذا فتح أبواب التوظيف الراقي أمام خريجي المدرسة الحديثة، وإهمال خريجي المدارس العتيقة، لكن أن يستمر الوضع على ما هو عليه ونحن نتفيأ ظلال الأمن والاستقرار، فذلك مما يكشف كل ستار ويفضح كل شعار. والأمرلا يقتصر، في أبعاده القريبة على إعادة الاعتبارالمادي لهذه الفئة، بل يتعداه في أبعاده الكبرى إلى ضمان الاحترام المعنوي لها، كما ورثه المغاربة عن أسلافهم الأفاضل، الذين كانوا يجلون حامل كتاب الله ويسعون في خدمته بكل ما أوتوا، لكن أن يتحول الإمام الخطيب إلى متسول على موائد المناسبات، وينتظر مآتم الناس وأفراحهم ليسدد عجزه الشهري، أو يقصد المقابر يعرض بضاعته، أو يلج عالم الشعوذة، فذلك مما يُحذر من تفشيه. وليقاس على ما ذكر ما لم يقل في شأن القيمين الدينيين وأئمة الصلوات الراتبة في المساجد المنتشرة عبرالتراب الوطني من غير الخطباء. وقد تكون الوزارة المعنية بالشؤون الإسلامية قد بدأت خطوة الألف ميل بتكوين عدد من حملة الشواهد في العلوم الشرعية للخطابة، وتخصيص مرتب شهري محترم إبان فترة التكوين كأفق مستقبلي لوضعية هذه الفئة، لكن النظر بعين الرحمة إلى القيمين الدينيين والأئمة الخطباء الموجودين حاليا، والذين يئنون بصمت من أي حملة توقيف تطالهم، لا يقل أولوية عن تكوينهم وتوجيههم وتأهيلهم.