بعد التحذيرات التي أطلقها البنك الدولي في اتجاه الوضع الاجتماعي بالمغرب، والتنبيه إلى إمكانية حدوث توتر اجتماعي يصعب احتواؤه إذا لم يتم رفع نسبة النمو وزيادة فرص العمل بمعدل متسارع خلال السنوات العشر المقبلة، تعالت أصوات اقتصادية واجتماعية أخرى تحذر من تفاقم العجز التجاري وتدني مستوى القدرة التنافسية وتدني مستوى الدخل الفردي وتأثير التهرب الضريبي على الاقتصاد الوطني، منبهة إلى ضرورة وضع استراتيجية للخروج من الأزمة الوشيكة بوضع ميزانية على المدى البعيد بدل الميزانية السنوية التي لم تفلح في النقص من الدين، سواء على مستوى الاقتراض الداخلي أو الخارجي، والكف عن نهج سياسة اجتماعية قائمة على المساعدات دون نية إحداث فرص شغل حقيقية للخروج من المآزق الاجتماعية المستفحلة. وإذا كان البنك الدولي قد أشار إلى نسبة النمو الضعيفة واستمرار عجز الميزانية، الناتج عن ارتفاع حجم أجور الموظفين، وضعف المؤشرات الاجتماعية في ما يخص مستوى الدخل، وارتفاع نسبة البطالة، والضغط المتزايد على الموارد الطبيعية، وقال عنها إنها مؤشرات تهدد باضطرابات اجتماعية، قد تجعل أي إصلاح اقتصادي أو اجتماعي غير ممكن في حال حدوثها. فإن التوترات الاجتماعية بدأت فعلا تطفو على السطح مع استمرار الحكومة في تجاهل التحذيرات السابقة، حيث لوحظ تنفيذ عدد من الإضرابات في أكثر من قطاع، أهمهما في ميدان التعليم والصحة، كما أن لافتات الاعتصامات مازالت تزين فضاءات العاصمة، خاصة قرب قبة البرلمان، في حين تعرف بعض المشاريع التي قيل عنها إنها وضعت من أجل الفقراء، مصاعب جمة بسبب تعنت الإدارة في تيسير المساطر الإدارية والإجراءات القانونية من أجل انطلاق هذه المشاريع، لعل أهمها ما أعلن عنه إبان إنشاء الصندوق الجهوي لإنعاش الشغل المحدث أخيرا بإحدى جهات المملكة، والذي أعلن أنه سيساهم في تفعيل المبادرة الوطنية للتنمية البشرية وخلق فرص للشغل، وإعطاء الفرصة للمنعشين الصغار وفعاليات المجتمع المدني للمشاركة في خلق فرص حقيقية. ويتوقع أن تتصاعد حدة التوترات في السنة الجارية ما لم تتنبه الحكومة إلى المشاكل الحقيقية، بسبب التقلبات الاقتصادية العالمية والارتهان إلى التبعية الخارجية في عدة ميادين لعل أهمها مجال الطاقة المتميز بتبعية بترولية خارجية وعدم وجود أية نية في تنويع مصادرها. كما أن المناخ الاقتصادي العام تسوده اضطرابات ملحوظة في ظل ضعف المؤسسات العمومية في تحقيق مشاريع التنمية الحقيقية، سواء الخاصة بجودة التعليم وتعميمه أو تمكين طلاب الجامعات والمعاهد من ولوج سوق الشغل بيسر وليونة عبر الرفع من مستوى تأهيلهم المهني والعلمي، بالإضافة إلى الاختلال الخطير في الميزانية العامة التي يلاحظ فيها سيطرة ميزانية التسيير بنسبة تفوق النصف بكثير. ويعتقد بعض المراقبين ألا يحظى المغرب بأية فرصة حقيقية في الاعتماد على بعض صادراته في ظل منافسة قوية لنمور آسيا وشرق أوروبا، حتى إن قربه من أوروبا لن يبقى دائما ميزة له بسبب تطور وسائل الاتصال والنقل والشحن، كما لم يفتهم (أي المراقبين) التأكيد على استمرار ما وصفه البنك الدولي بالارتهان إلى معدل تساقط المطر غير المستقر، حيث أكدوا أن السياسة المائية تشوبها الشوائب وما تسارع الاتحاد الأوروبي إلى وضعها على جدول المناقشات إلا دليل على ذلك، كما أن قطاع الفلاحة قطاع هش مازال يخضع لتقلبات للمناخ، في حين تبقى الصناعة تشغل يدا عاملة غير مؤهلة مع فقدانها الكثير من خصوصياتها وقدرتها التنافسية في السوق العالمية، يضاف إلى ذلك ضعف قطاع الخدمات الذي يسيطر عليه القطاع غير المنظم بصفة غير مقبولة.. وإن كان البنك الدولي يرى أن المناخ السياسي والإداري الحالي بالمغرب مناسب أكثر مما مضى لإدخال إصلاحات، بالنظر إلى الشعور بضرورة التعجيل بها، سواء من أعلى سلطة قرار أو من هيئات المجتمع المدني، إلا أن عجز الحكومة وسيطرة المقاربة القطاعية وتداخل الحسابات السياسية بين القطاعات، وبداية تصاعد مؤشرات الاحتقان الاجتماعي على شكل إضرابات واعتصامات وتدني مستوى المعيشة ينذر على أكثر من صعيد بحصول أزمة حقيقية ودخول المغرب حالة الطوارئ إذا لم يتم تداركها بالإسراع بمباشرة الإصلاحات على أكثر من صعيد. ويعرض البنك الدولي في تعاونه مع المغرب برنامج قروض مرنة، تتراوح بين 250 و350 مليون دولار سنوياً، بغية ضمان تمويل الخطط المدرجة في الاستراتيجية، إلا أن كثيرا من المراقبين لا يتوقعون أن يجدي ذلك كثيرا مع استمرار ظواهر أخرى تنخر الاقتصاد وتلقي به في دركات سفلى مثل استفحال الرشوة وبطء التسيير الإداري واستمرار الإفلات من المحاسبة والتضييق على الحريات العامة في بعض تجلياتها.