من أقبح ما يشيع في المجتمعات العربية والإسلامية اليوم وقبل اليوم: آفة ترك الصلاة بين أفرادها البالغين المكلفين العاقلين، وهي الآفة التي تتمدد وتتوسع مع انحسار ظاهرة التدين في هذه المجتمعات بفعل رياح التغريب وعولمة الفسوق والفجور والاستتباع الثقافي... وأبشع من ذلك أن يقع التطبيع مع هذه الآفة وهذه الكبيرة، فيسكت عنها الساكتون، ويغض عنها أهل العلم والدعوة الطرف، فلا تتصدر همومهم، ولا تنتصب على رأس أولوياتهم في اللحظة الراهنة... الصلاة عبادة تتضمن أقوالا وأفعالا مخصوصة، مفتتحة بتكبير الله تعالى، مختتمة بالتسليم (فقه السنة، السيد سابق، ج ة/78)، وقد ذكرت في القرآن الكريم بمشتقاتها حوالي 100 مرة (انظر المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم) وهي من الدين كالعمود من البناء، وهي ثاني ركن وعمل في الإسلام بعد الشهادتين، وهي الشعيرة الوحيدة التي فرضها الله في السماء ليلة المعراج، وهي أول ما يحاسب عنه العبد يوم القيامة، وهي التي لا تسقط عن المسلم في جميع أحواله: في صحته ومرضه، في سفره وحضره، في أمنه وخوفه، قال تعالى: (حافظوا على ا لصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين، فإن خفتم فرجالا أو ركبانا، فإذا أمنتم فاذكروا الله كما علمكم ما لم تكونوا تعلمون). والدين كله معتمد على الصلاة، متعلق بها، لا خير فيه من غيرها لقوله عليه الصلاة والسلام: >لا خير في دين لا صلاة فيه< وهي خير الأعمال على الإطلاق من غير منازع أو منافس لقوله صلى الله عليه وسلم: >واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة< وليس شيء من الإسلام يعد تركه كفرا غير الصلاة، عن عبد الله بن شقيق العقيلي قال: >كان أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم لا يرون شيئا من الأعمال تركه كفر غير الصلاة< رواه الترمذي والحاكم.. ورغم هذه المكانة العلية، وهذه المرتبة السنية التي تتبوؤها الصلاة في ديننا، فقد وقع التفريط فيها، فتركها جمع كثير، وجم غفير ممن ينتسيون لهذا الدين، غير مبالين بنكارة فعلهم، وبشاعة صنيعهم. وإذا تأملنا ما ينغمس فيه الناس اليوم من منكرات الفسوق والفجور، والربا والزنا والعري النسواني والخمور، وجدنا أن سبب ذلك ومبدؤه: ترك فريضة الصلاة وتعطيلها، فلو أقيمت هذه الفريضة لخنست تلك الموبقات ولاختفت تلك المخالفات وصدق الله إذ قال: (إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون) (العنكبوت: 145) وصدق نبيه صلى الله عليه وسلم الذي قال: >من ضيعها فهو لما سواها أضيع< أو كما قال عليه الصلاة والسلام. والدعاة اليوم مطالبون بالانطلاق من الصلاة وسيلة لأسلمة المجتمع وإعادته إلى أصله الديني والتعبدي، فإذا أفلحوا في رده للصلاة بشروطها، سهل عليهم ما دون ذلك. يقول الدكتور فريد الأنصاري: >وإن مجتمعا حسنت فيه الصلاة لهو مجتمع قد أسلم ناصيته لله رب العالمين، فلا خوف عليه بعد ذلك من ضلال المضلين، ولا استفزاز الشياطين، وكل محاولة حينئذ يمكن ردها ومحقها بأقل نداء، أو أدنى خطاب من رجل صالح مصلح يبثه في الناس، منبها على خطورة هذا السلوك أو ذاك، أو داعيا إلى هذا الأمر أو ذاك، لأن المجتمع الذي يحني جبهته خاشعا لله الواحد القهار، لا يمكن أن يصغي لغير أمره، ولا أن يقتدي بغير هديه سبحانه وتعالى< (البيان الدعوي وظاهرة التضخم السياسي) ص: .178 الخلاصة أنه آن الأوان أن ينتفض أهل العلم، وأهل الدعوة، وأهل الصحوة زرافات ووحدانا لمحاربة آفة ترك الصلاة بين المسلمين، وأن يشنوا لأجل ذلك الحملات المتتالية، لا يفترون ولا يسكنون، فالصلاة مفتاح الصلاح، وضامن الإصلاح، وأي مشروع دعوي لا ينطلق من الصلاة ولا يجعل منها المعتمد الأساس مشروع لا محالة فاشل. وكل داعية لا تؤرقه هذه الآفة، ولا تشغل باله في نهاره وليله، فهو امرؤ لا تربطه بالدعوة رابطة وأن ادعى ذلك أو توهمه!