لعل قارئ الحلقة الماضية يتساءل: ما هذه المعاني الرمضانية، وما قيمتها، التي تجعلنا نستنفر لرمضان كل طاقاتنا وخبراتنا فنجعله مادة أساسية في مخططاتنا وبرامجنا، وربما احتجنا إلى شغل المؤسسات الرسمية، وتحريض غير الرسمية للاهتمام له وتدبير كثير من الأمور لتكون وفاقا لمعانيه السامية، حتى لو اقتضانا ذلك استصدار قرار برلماني، أو تكوين لجنة برلمانية دائمة لصالحه، أو غير ذلك من المبادرات المذكورة في الحلقة الماضية، أو ما شابهها مما لم يذكر، ولكن قد يستحضره ذهن القارئ بالتداعي الخيالي...؟ كان بإمكاني الاقتصار في جوابي على قيمة رمضان العقدية، وإحالة المتسائل إلى ظواهر معظم النصوص القرآنية والحديثية المرغبة في فضائل رمضان، كقوله تعالى:(يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون...) البقرة:,381 وقوله كذلك: (شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان...) البقرة:..581 وكالأحاديث الصحاح التي نذكر منها باختصار شديد هذه النماذج: عن أبي هريرة، رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه رواه البخاري ومسلم وأبو داود.. وعنه أيضا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان مكفرات ما بينهن إذا اجتنبت الكبائر.رواه مسلم.. وعنه أيضا، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:كل عمل ابن آدم يضاعف، الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، قال تعالى: إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به، يدع شهوته وطعامه من أجلي، للصائم فرحتان: فرحة عند فطره، وفرحة عند لقاء ربه، ولخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك. رواه البخاري ومسلم، في أحاديث نبوية كثيرة.. ثم أعلق عليها بقولي: إذا رضي الله سبحانه وتعالى لنا رمضان وبرمجه في حياتنا، وجوبا، شهرا من كل سنة، واستحبابا حسب طاقة كل عبد ورغبته، أفلا يحق علينا أن نبرمجه ونبرمج له ما يحفظه لنا ربانيا لا دنيويا؟ بلى وثم بلى أكتبها بخط غليظ، وأقولها بصوت جهير. كان بإمكاني الاقتصار على هذا النوع من الأجوبة، مع زيادة تفصيل وتوضيح، وهو كاف بإذن الله لتجلية الغرض والإقناع به، لكن لا بأس، بل يستحسن، الاستجابة لحاجات الناس ومخاطبتهم من جهة اهتماماتهم وانشغالاتهم، التي تنشدّ إليها قواهم الواعية. وعليه لنبدأ ملامستنا بقضية من أهم قضايا الاجتماع البشري، وهي قضية التنمية.. ولنأخذ على سبيل المثال: المبادرة الوطنية للتنمية البشريةالتي نادى بها الملك محمد السادس حفظه الله، ولننظر إلى ما يمكن أن يمدها به رمضان لتفعيلها وتقوية شروط إنجاحها. أعتقد اعتقادا راسخا أن الشعائر التعبدية الإسلامية، كلها، وفي مقدمتها، الصلاة والصيام، غنية بما لا حصر له من أسباب إنجاح أي عملية تنموية كانت..لهذا سنكتفي بالإشارة الخاطفة إلى اثنين فقط، يقوم بهما الدليل المقنع على قيمة هذا الشهر المبارك، دينيا وحضاريا، ونترك لدراسة قادمة إن شاء الله محاولة استيعاب ما يمكن استيعابه من هذه الأسباب..