بينما يلملم ما يعرف بالبيت الشيعي نفسه، وينافس الأكراد لاستقطاب الأصوات التي تودعهم أرض العراق وديار بكر وكركوك، وكثير من رأس الهرم البغدادي؛ ينبري سُنّة العراق لخوض تبعات رفضهم لوجود المحتل بداية بالمقاومة العراقية، وليس آخر المطاف حرب الفلوجة المتوقعة تمهيدًا لعملية الانتخابات القادمة؛ سواء بلسان الحكومة العراقية المؤقتة أو بلسان حليفتها الولاياتالمتحدة. (المكان) المدخل الشرقي لمدينة الفلوجة، و(الزمان) أيام الحملة الثانية على المدينة التي أريد لها أن تشطب من الخارطة على ما يبدو أو تبتعد عن "الإرهاب".. ذلك المجهول الذي بات يؤرق أمريكا ويوقع في صفوف جندها من وحدات المارينز (فخر الصناعة العسكرية الأمريكية) القتلى والجرحى. أمشي الآن تاركاً بغداد متوجهاً إلى الفلوجة ومع مشاهدات الطريق بعد أن تخرُج من بغداد وتستقبل خط المرور السريع الذي يوصلك إلى الأردن مارًّا بالفلوجة ترى عن اليمين وعن الشمال خراباً أصله أمران: إما عبث الجنود الأمريكيين على جوانب الطريق، أو نتاج أعمال للمقاومة التي طالت الأمريكيين والشارع كذلك. إيذاء المحتلين لهذا الشارع يأتي عن طريق إزالة كل الجدار المانع من دخول الدواب على أطراف الطريق وعلى طول الخط حتى لا يحتمي به المقاومون أو يزرعوا بقربه العبوات، إضافة إلى ما خلفته دباباتهم من تكسير وإتلاف في أجزاء الطريق، ودع عنك إغلاق وتحويل وتفتيش وتعطيل الطرق بما يزيد من تبعات العذاب اليومي. على ذات الطريق تشرف معامل كبيرة ومعسكرات أكبر كانت تابعة للجيش العراقي السابق أهملت وأضحت مأوى للفقراء والمنقطعين وليس بعيدًا عن ذلك يستبقك سجن (أبو غريب) سيئ الصيت ذو المساحة الكبيرة، وبالطبع فإن القوات الأمريكية متواجدة عند جميع مداخله، وربما سأل الكثير: لماذا يستهدف سجن أبو غريب؟ هل تضرب المقاومة السجناء العراقيين؟ وبالطبع فإن هذا غير ممكن، والأصل في ذلك أن أبا غريب مع كونه سجناً يقبع به آلاف العراقيين فيه فهو معسكر أمريكي كبير لجنود الاحتلال وآلياته التي تستخدم لقمع المقاومين في مناطق أبي غريب وخان ضري غرب بغداد. عمومًا وعندما سألتُ: هل يتمكن المقاومون من استهداف الأمريكيين بالدقة التي لا يأتي بها الضرب على أحد السجناء؟ قال لي أحدهم وأشار إلى مكان بعيد عن الخط السريع وهو المدخل الرئيس للسجن ومن الصعوبة بمكان الوصول إليه لكثرة الحشودات- قال لي من تكلمت معه: انظر هناك قبل يومين انفجرت عبوة ناسفة في ذات المدخل الذي يعدّ نقطة تفتيش للأمريكيين مما أثار الاستغراب، لا من قبل أهالي أبي غريب، بل حتى القوات الأمريكية التي حسب علمنا لم تعرف إلى الآن من الذي تمكن من الوصول ليزرع العبوة هناك!! على مشارف مدينة الفلوجة تجثم قوات المارينز وتنتشر وبشكل واضح وبالطبع من السهولة التفريق بالنظر بين قوات المارينز والجنود العاديين من القوات الأمريكية فجنود المارينز يشتهرون ببدلاتهم المرقطة ذات المرابعات المتداخلة مع بعضها بشكل هندسي متموج بالإضافة إلى طريقة الحركة والتسليح، ومن الواضح جداً أن عناصر المارينز يتفوقون على باقي القطعان العسكرية بالعدة والتدريب وأمور كثيرة، ما يجعلهم مؤهلين لإيقاع الفلوجة في شباكهم. وفي اليوم الذي مني فيه المارينز بمقتل عشرة من جنوده دفعة واحدة كنت أراقب المكان عن كثب؛ فبعد أن تجاوزت الفلوجة وتجاوزت معها عشرات الحواجز التي وضعها المارينز، كنت أفكر في أن اليوم لن يمرّ بسلام لا على من فتشني ولا على مدينة الفلوجة، ولكن الملفت للنظر وعلى غير عادة المارينز في غير الفلوجة كانوا مستنفرين إلى أقصى الحدود ويتأهبون لقنص كل من يقترب راجلاً أو راكباً أو حتى من ينظر بسوء، وبعد هذا الاستفزاز كان موعدهم مع السيارة المفخخة التي باغتتهم عند المدخل الغربي لمدينة الفلوجة مما أدى إلى إغلاق الطريق تماماً وتمت حملات واسعة للتفتيش يرافقها حركة مستمرة للطيران الحربي، وليست المروحيات التي يسقطها أهالي الفلوجة بسهولة ولهم السبق في ذلك بفضل الله تعالى. ومع ما تتناقله الوكالات من أن الأمريكيين يوزعون المنشورات بدا لي أن هذا الأمر ليس صحيحاً واستفسرت من أهالي المدينة في الداخل، وقالوا لم يفعل الأمريكيون ذلك لكن ما يفعلوه هو الاستهداف اليومي والعشوائي للمدينة في مشهد بات معتاداً عليه. حلت ساعة الغروب وصدح صوت المؤذن " الله الكبر " بصوت عراقي جميل حزين وكان الموعد مع طائرات أمريكية لتقطع إفطار المسلمين على التمر الأسود من نوع الزهدي والخستاوي إلى الركض والهرولة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من أرواح زهقت وحسبهم الله ونعم الوكيل. وقبيل آذان المغرب رأيت من بعيد عربة للمعاقين يسوقها طفل فلوجي اسمه (أحمد) وعمره 12 عاماً رث الثياب متعب البدن؛ لكنه ذاكر لله محب للإسلام، قلت له: يا أحمد الحرب على الأبواب والجنود هناك وأشرت بيدي إلى مدخل الفلوجة الشرقي؛ فقال لي -وأقولها بكل تجرد-: "اتخسه"، وهي كلمة عراقية معروفه تعني "خسأت" "أن اترك الفلوجة، شتريد يقولون علينا نسوان"، وبعد ذلك رايته يصلي التراويح في جامع أبي عبيده بن الجراح، وبعد أن أكمل المصلون ثمانية ركعات وأرادوا الخروج من باب المسجد الداخلي كان أحمد على عربته ولم يكمل صلاته بعد، فانتظر الجميع حتى أنهى أحمد صلاته ثم خرجوا. وحال الفلوجة لا يخفى على أحد؛ فبعد الضربات المتكررة اضطر آلاف السكان في الفلوجة إلى ترك الأطراف والبقاء في مركز المدينة البعيد عن القصف وبعدها عادت الطائرات لتدك المركز من جديد لتنهي بذلك بقاء آلاف العوائل في الفلوجة وينتقلوا في مخيمات عند المدن القريبة والقصبات أو في بغداد حيث يسكن في البيت الواحد أكثر من 40 أو 50 شخصاً لا يعرفون متى العودة، ومع هذا فلا تزال المساجد عامرة بالمصلين والحياة تدب في المدينة بأنفاس الشباب، ومسلحين لا يختفون وهم في مراقبة دائبة لكل المدينة سواء المداخل والمخارج أو القادمين إلى المدينة خوفاً من الجواسيس والعملاء ومن يريد بهم السوء. داخل مدينة الفلوجة الشيء المعلن هو التباين الحاصل في عمليات المقاومة في معظم المناطق الساخنة وفي الفلوجة يوجد مجلس شورى المجاهدين بقيادة الشيخ (عبد الله الجنابي) وتنضم تحت لوائه ثمانية فصائل من المقاومة منها: المقاومة الإسلامية الوطنية، وأنصار التوحيد والجهاد، وجيش محمد، بالإضافة إلى الجبهة الإسلامية للمقاومة العراقية، وغيرها من الفصائل العشائرية المقاومة. وبعيداً عن فصائل المسلحين تبقى مدينة الفلوجة الرقم الصعب في معادلة المقاومة العراقية التي تنذر كل المتتبعين من أن خطر اجتياحها لن يكون خطرًا فلوجياً؛ فربما يقبع خلف الكواليس من سيؤجج بغداد برمتها كما حصل في المرة الأولى، فلن تسكت أبو غريب والمحمودية واللطيفية واليوسفية وغيرها من المدن.أما عن مؤتمر القاهرة التي سيعقد لمراجعة القضية العراقية والانتخابات؛ فيتوقع أن تنسف حرب الفلوجة القادمة كل المؤتمرات وتعود الدائرة ولا يتوقف المشهد. عمار الكبيسي –الاسلام اليوم