لم يكن يوم الجمعة 23 شتنبر الأخير، اليوم الأول الذي أشر على أن هناك مخططا واضحا لضرب حماس، وتحجيم وجودها ودورها في فلسطينالمحتلة. ففي مجزرة جباليا التي شهدتها تلك الجمعة، استشهد أكثر من 19 شخصا، من أعضاء كتائب القسام وأنصارها، بعد أن قصفت مروحيات صهيونية الموكب العسكري للحركة بأربعة صواريخ، نتج عنها ذلك العدد الكبير من الشهداء. الصواريخ الصهيونية لم تكن تلبس طاقية الإخفاء، بحيث رآها الحاضرون كلهم وهي تسقط، وتابع الكثيرون عبر الفضائيات صور المروحيات وهي تحوم في المنطقة، غير أن وزارة داخلية السلطة، رأت عكس ذلك، وفاجأت الجميع بحقيقة أخرى، مضمونها أن حماس هي المسؤولة عما وقع، والشهداء سقطوا بسبب انفجار مواد متفجرة تجرأت الكتائب على الطواف بها أمام ذلك العدد الهائل من الحضور الفلسطيني الفرح بالاندحار الصهيوني من غزة! وقد استغل مسؤولو جيش الاحتلال تصريح السلطة لاتهام حماس بارتكاب المجزرة، ورد التهمة عنهم! هكذا بكل بساطة... أياما قليلة قبل ذلك، تعرضت عناصر من حماس لوابل من رصاص شرطة الأمن الوقائي، انطلقت إثره داخلية السلطة مرة أخرى لتؤكد أن عناصر حماس كانت هي المعتدية، والتأم شمل العقلاء في الحركتين حماس وفتح والفصائل الأخرى، ليعيد للّحمة الفلسطينية حيويتها ونشاطها، ويستأصل إلى الأبد المؤشرات المهددة لها. غير أن الذي حصل كان العكس تماما، إذ سرعان ما تجددت تلك الاعتداءات المجهولة، واستهدفت هذه المرة أعضاء حماس ومنازل بعض قيادييها، خلال أوج الحملة الانتخابية المرتبطة بالمرحلة الثالثة من الانتخابات البلدية الفلسطينية التي جرت يوم 29 شتنبر. والغريب أن هذه الاعتداءات حصلت تزامنا مع شن قوات الاحتلال الصهيوني حملة اعتقالات ومداهمات شملت أكثر من 500 شخص (بينهم عدد كبير من المرشحين للانتخابات)، أغلبهم من حماس، وفي مقدمتهم الدكتور محمد غزال، والشيخ حسن يوسف، من قياديي الحركة. وقد أثرت تلك الاعتقالات في نسبة المشاركة الانتخابية للحركة، بسبب اعتقال كثير من مرشحيها، لكن ذلك لم يمنعها من تحقيق فوز ذي معنى في تلك الانتخابات رغما عن ذلك، حيث شاركت الحركة بشكل مستقل وبقوائم كاملة في 62 دائرة انتخابية، حصلت فيها على ما يعادل 5,34% من الأصوات، فيما بلغ عدد المقاعد التي حصلت عليها 229من مجموع 632 مقعدا، بما نسبته 2,36 %. هذا مع العلم بأن عدد الدوائر الانتخابية التي فازت فيها الحركة بالأغلبية المطلقة من بين الدوائر ال62 هي 13 دائرة انتخابية، ومعظمها من المناطق ذات الكثافة السكانية. وهذا طبعا دون الحديث عن الدوائر التي شاركت فيها الحركة بلوائح انتخابية مشتركة مع عدد من الفصائل، من بينها فتح نفسها. فهل وقفت الأمور عند هذا الحدث؟ أكيد لا، لأن الانتخابات التشريعية على الأبواب، والتلاميذ الفاشلون للمكيافيلية أو الموتورون على رأي حماس مطالبون بمزيد من العمل وبذل مزيد من الجهود لتحقيق نتائج انتخابية أفضل، وهم لهذا السبب مستعدون للتحالف المباشر وغير المباشر مع أي كان لتحطيم كل خصم سياسي يهدد مصالحهم. لذا لم يكن مفاجئا افتعال حرب صغيرة، دارت رحاها بمدينة غزة مساء هذا الأحد، حينما أصرت عناصر من الأمن الوقائي على اعتقال عضو حماس محمد نجل الدكتور الشهيد القائد عبد العزيز الرنتيسي، هكذا دون مقدمات... ولم تتورع تلك العناصر عن إطلاق النار على سيارة نجل شهيد فلسطين العظيم الأعزل، في مشهد أثار استغراب الشباب الفلسطيني الذي طوق هذه الحرب المؤسفة، وأنقذ محمد عبد العزيز الرنتيسي، لتتوسع الاشتباكات بعد ذلك، ويسقط ثلاثة مظلومين ضحايا، وتخرج مرة أخرى للأسف داخلية السلطة، وتندد بحماس، وتظهرها في صورة الخارج عن القانون، والمهدد لأمن الشعب الفلسطيني وسلامته... مرة أخرى يفرض السؤال نفسه: هل ستتوقف الأحداث عند هذا الحد؟ كل المؤشرات تؤكد الجواب بالنفي، فالحملة الإعلامية لتشويه الحركة جارية على قدم وساق، تقودها فضائية السلطة (التي كان يأمل جميع مسلمي الأرض أن تكون نافذة يطلون من خلالها على كل فلسطين)، كما أن سياسة تزوير الحقائق، وإظهار حماس في ثوب المعتدي المهدد لسلامة الشعب الفلسطيني تركزت وتقوت، وتقوى معها لوبي السلطة الذي يطلب رأس حماس ورأس المقاومة عموما. وما يثير الاستغراب حقا هو أن هذه الحملة تتزامن مع حملة أخرى لتحقيق الأهداف نفسها تقودها إسرائيل ووزارة الخارجية الأمريكية، حيث صرحت رايس فقط قبل أيام أنه لا يمكن القبول بحماس على المسرح السياسي الفلسطيني، لأنها منظمة إرهابية، وأنه عوضا عن ذلك، يجب حلها، والزج بقادتها في السجون. وهي عناصر الحملة الإسرائيلية نفسها. وفي مقابل هذه الحملة الشعواء الثلاثية الأطراف، تقف حماس شامخة، أبية، حرمت على نفسها الدم الفلسطيني وجعلته أحد أركان وجودها، وتحملت في سبيل ذلك عددا كبيرا من التضحيات وآثار عمليات تشويه الحقائق، والشهداء الذين سقط بعضهم في ظروف مشبوهة، ونسب مقتل بعضهم الآخر لحماس نفسها (لخلق البلبلة والفتنة الداخلية) كما حدث عند استشهاد محي الدين الشريف عام ,,.1998 فكل الطرق تؤدي إلى رأس حماس... والشعب الفلسطيني لم يترك حماس وحيدة، بل دافع عنها، وزكى وجودها، ودعم قوتها الانتخابية والسياسية والعسكرية، وهو الذي رأى كيف منحته قادتها وعناصرها شهداء ولم تبخل عليه بأي شيء تملكه. ولعل هذه القوة الجماهيرية التي تحظى بها الحركة، هي ما يخيف التحالف الأمريكي الصهيوني وأذنابه... أفلم يان لعقلاء فلسطين، وفتح بشكل خاص، أن تمتزج قلوبهم بقلوب فصائل المقاومة، وينضموا للمخطط الفلسطيني الواحد الذي أساسه التحرر من الطغيان الصهيوني، والدفاع عن الشعب الفلسطيني بكل الوسائل، في مواجهته لجرائم الاحتلال، عوض خدمة مشاريع خطيرة، لا تخدم سوى مصالح الصهاينة بدرجة أولى؟... نأمل أن يكون الرد هذه المرة بالإيجاب..