أجمع كل الحاضرين والحاضرات في الإفطار التواصلي، الذي نظمته حركة التوحيد والإصلاح على شرف عدة فعاليات وطنية، على الثناء على هذه المبادرة الفريدة، وعبروا جميعهم عن الشكر والامتنان للمكتب التنفيذي للحركة لإقدامه على فتح ذراعيه للآخر، في شهر كريم مبارك وفي عشره الأواخر. حضر هذا الإفطار التواصلي عدة شخصيات في عالم الثقافة والفكر والتربية والمجتمع والسياسة . ورحب الأستاذ محمد الحمداوي رئيس حركة التوحيد والإصلاح بالحاضرين والحاضرات في الإفطار التواصلي ليوم السبت الثالث والعشرين من شهر رمضان المعظم 1425 بنادي الفلاحة بالرياض، وشكر كل الفعاليات التي استجابت للدعوة بالحضور، ونبه إلى أن هذا اللقاء لا برنامج له سوى التواصل والتعارف في جو عائلي أخوي رمضاني مفتوح، فليس لدينا محاضرة نلقيها عليكم -فيما قال الحمداوي- وليس في جعبتنا بيان نتلوه على مسامعكم أو قضية نناقشها معكم، ولكن لدينا صدورا وأذرعا نفتحها لكم بكل صدق وأخوة لا نريد من ذلك سوى وجه الله والتآلف والتقارب العفوي الخالي من كل بروتوكول. وفي مرارة وأسى توقف الأستاذ خالد السفياني على الحالة العامة للأمة الإسلامية، خاصة القضية الفلسطينية، وقال السفياني إننا نشاهد اليوم ما يحدث للرئيس الفلسطيني البطل ياسر عرفات، لكننا موقنون أن فلسطين أكبر من عرفات ومن الجميع. و دعا السفياني إلى استنهاض همم الحكام والمحكومين لتجاوز حال الركود العام وأخذ زمام المبادرة رغم ما تفعله الغطرسة الصهيونية والإدارة الأمريكية التي وقع رئيسها بوش قبل أيام من إعادة انتخابه قانونا يمنع انتقاد الكيان الصهيوني ويتهم كل من يفعل ذلك بمعاداة السامية، وقال السفياني إن الصهيونية هي الصهيونية سواء كانت يهودية أو مسيحية أو حتى مسلمة، ورفع السفياني صوته ويده ليؤكد والله لن نسكت!والله لن نسكت! والله لن نسكت حتى ولو كنا على حافة القبر! وأضاف خالد السفياني أن المقاومين في كل من فلسطين والعراق لا يريدون منا أن نلتحق بهم في ساحات المقاومة الميدانية ولا أن نستشهد عوضا عنهم، وإنما يريدون فقط أن يشعروا أننا معهم وأننا لن نخذلهم. و تطرق السفياني إلى مؤتمر الحاخامات الذي تريد بعض الجهات المطبعة تنظيمه مجددا في المغرب بعد التصدي له من قبل، وناشد الحاضرين على أن يتحركوا لفعل شيء يذكر وإيقاف المهزلة من جديد، فالحاخامات الذين أفتوا باغتيال شارون لأنه رحيم بالفلسطينيين -والقول للسفياني- يريد البعض أن يحضروهم إلى المغرب، فكيف يحضر من يدعو إلى هدم القدس إلى بلدنا الذي يرأس لجنة القدس؟. وأخبر السفياني الحاضرين بالاستعداد للمشاركة في المسيرة الشعبية التضامنية الكبرى التي ستنظمها مجموعة العمل الوطنية لمساندة العراق وفلسطين يوم 28 نونبر الجاري بالرباط. أما الدكتور طه عبد الرحمن المفكر والفيلسوف المغربي الشهير ورئيس منتدى الحكمة للمفكرين والباحثين فقد وجد نفسه حيا في هذا المجلس -والتعبير له- الذي يضم خيرة الرجال والنساء، وأضاف طه لا أدري كيف أسمي هذه الجلسة من حيث العطاء المخصوص لها، فهي للتعارف والتواصل والتعاون وبعد تمييز بين الكلمات الثلاث شدد الدكتور طه على أن التعارف لا يكون إلا على الخير. وقال المفكرالمغربي إن الكل يتكلم عن التعارف، لكن التعارف يقوم في العمق على مبدأ التسامح ومبدأ الاعتراف، واعتبر الدكتور طه وهو يستعرض الأحوال العالمية والعربية والوطنية أن هذا غير كاف لأن في التسامح وقاحة إذ يتنازل عن حقوق الذات للآخر. وميز المتحدث بين ثلاثة أشكال من الوقاحة الأولى هي وقاحة استعلاء يقوم بها من يعترفون لنا بوجودنا وخصوصيتنا ولكنهم ينكرون قدرتنا على العطاء، والثانية هي وقاحة الإنكار حيث يعترف الوقحون بوجودنا الفيزيائي لكنهم لا يعترفون بوجودنا الثقافي والفكري والإنساني، والثالثة هي وقاحة الاستئصال التي يقوم بها الأمريكيون الذين لا يعترفون بخصوصية فكرية ولا خصوصية فيزيائية. وأشار طه إلى أن دعوات الحوار والتعارف التي نسمعها من الغرب بين الفينة والأخرى، ما هي إلا كذبة كبرى، وأن الحل في الإسلام الدين القادر على إنجاز التعارف بين القبائل والأمم والشعوب عن طريق وصفة التسامح والاعتراف والحياء، فالحياء -كما يقول طه عبد الرحمن- مانع من الوقاحة، والاستحياء المطلوب هو استحياء القوة لا استحياء الضعف. ودعا طه عبد الرحمن في ختام كلمته إلى يقظة جديدة وصحوة جديدة، فنحن نحتاج إلى لم الشمل ووحدة الضمائر والعقول والهمم وصلة الرحم مثل هذه التي قامت بها حركة التوحيد والإصلاح، كما نحتاج إلى إزالة الحسابات الضيقة وتقوية الإرادات والعزائم وغض الطرف عن الأخطاء. وشكر إبراهيم أخياط -جمعية التبادل الثقافي الأمازيغية- المكتب التنفيذي على مبادرته التواصلية معتبرا أن التواصل هو الملاذ الأخير لنا إذ يسهل مرور الخطاب وتواصل القلوب، واعتبر أن هذه المبادرة تصب في صلب ثقافتنا المغربية. وناشد أخياط الحاضرين بالاهتمام بالقضية الفلسطينية التي تتجاوز في نظره البعد الفلسطيني والعربي والإسلامي لتعانق البعد الإنساني، وتتجاوز على حد قوله العقائد الدينية والانتماءات العرقية لتمثل نكسة في الحياة الإنسانية وتدخلنا في قانون الغاب، وانتهز أخياط الفرصة ليطرح أمام الحاضرين القضية الأمازيغية باعتبارها قضية وطنية لا بد من إنصافها ودسترتها على حد قوله. وعبرت الدكتورة رجاء ناجي مكاوي - أستاذة جامعية وعضو منتدى الحكمة للمفكرين والباحثين- عن سعادتها بهذه الالتفاتة الجميلة من حركة التوحيد والإصلاح وقالت وهي تخاطب أعضاء المكتب التنفيذي أنا سعيدة بهذا اللقاء، كان لكم السبق في المبادرة بحيث فتحتم أذرعكم للآخر. وأثارت الدكتورة رجاء ناجي قضية المثقف وغيابه عن قيادة المجتمع، وذهبت إلى أن هذا من أهم أسباب تخبطنا في مشاكل لا حصر ولا شطآن لها،واكدت أن حاجتنا شديدة إلى مثقفين يوحدون ولا يشتتون ويجمعون ولا يفرقون ويتواضعون ولا يتكبرون، ويتقاربون ولا يتباعدون، مناشدة الجمعيات والهيئات والمنظمات المدنية إلى مزيد من التواصل والتعارف وتوحيد الصف أكثر من أي وقت مضى، إذ أننا كلنا أمازيغ وكلنا عرب وكلنا مستهدفون ويجب أن نحذر الفرقة وتدخل الدول المتغطرسة في شؤوننا للتجزئة والتفرقة بيننا، وأشارت المتحدثة إلى أن من أهم حقوق الإنسان حاليا الحق في إحياء التراث والتعرف عليه واستثماره في الوحدة الثقافية والفكرية والسياسية للأمة. وحذر الحاج أطلس من الانزلاق نحو دعوات تفريقية، مذكرا بالتجربة المغربية مع الاستعمار الفرنسي وكيف قاتل الجميع أمازيغ ويعربا صفا واحدا في خندق واحد ضد الاستعمار الغاشم، وبين الفرق بين التجربة المغربية والتجربة الجزائرية شاكرا الله الذي نجانا مما فعلته فرنسا بالجزائر. وشدد الأستاذ امحمد طلابي على حاجتنا إلى النهضة، ولا نهضة بدون نخبة وصفوة يجمعها هم واحد، وأشار إلى أن هذا هو الرهان الحقيقي لتشكيل نخبة مغربية مثقفة تبني مشروعها بالتعارف. وأخبر طلابي الحاضرين باعتذار الأستاذ الحبيب الفرقاني القيادي المعروف نظرا لوعكة صحية ألمت به مبلغا للجميع تحياته ومباركته لهذا اللقاء. واختتم الحمداوي اللقاء، الذي زينته قراءات قرآنية رائعة وابتهالات وأمداح استحسنها الحاضرون، بدعوة الضيوف إلى التأمل والتفكير بجدية وعمق في الفساد الأخلاقي المنظم الذي ينخر المجتمع بجميع فئاته وطبقاته، وناشد المشاركين إلى القيام بعمل مشترك لا ينتظر التأخير أو التأجيل. حسن السرات