مثلما كان موقفنا واضحاً من جرائم تلعفر والقائم وعمليات الاجتياح التي تتم بتلك الطريقة الدموية البشعة، فإن من الطبيعي أن ندين التفجيرات التي استهدفت المدنيين الأبرياء في بغداد خلال اليومين الماضيين، حتى لو اعتبر منفذوها أن ما يفعلونه هو الرد على جرائم تلعفر والقائم. إن الرد على جرائم الحكومة الطائفية التي يتزعمها الجعفري والحكيم، لا يكون باستهداف الأبرياء من دون تمييز كما حدث بالأمس، فهؤلاء لا ذنب لهم حتى لو قيل إن بعضهم يقف موقفاً مسانداً للحكومة. من الضروري أن يستمع هؤلاء لنصائح علماء الأمة والقوى والهيئات الدينية العراقية التي تقف صراحة ضد الاحتلال، ذلك أن الموقف من القوات الحكومية التي تشارك دبابات الاحتلال عملياتها أو تلك التي تتفنن في مطاردة المقاومة واجتياح مناطقها شيء، واستهداف الناس الأبرياء شيء آخر، فهذه لا يمكن تبريرها بحال من الأحوال، ليس فقط لأن منطق التكفير الذي يتبعه استهداف شامل لفئة من المسلمين مدمر على مختلف الأصعدة، بل أيضاً وهو الأهم لأن مواصلة المعركة على هذا النحو الذي يضع فئة من العراقيين في مواجهة فئة أخرى لا يمكن أن يخدم مشروع المقاومة ضد الاحتلال، كما لا يمكن أن يخدم مشروع المواجهة مع الحكومة الطائفية، لاسيما بعد افتضاح مشروعها لتقسيم العراق عبر مسمى الفيدرالية. من الضروري أن تنأى المقاومة بكامل فئاتها، بما في ذلك المقاتلين القادمين من خارج العراق عن هذا اللون من الأعمال التي تضرب كل أسس التعايش بين العراقيين، وهي أسس لا يمكن استبعادها بحال من الأحوال، اللهم إلا إذا أردنا أن نقول لهؤلاء خذوا حصتكم من العراق وارحلوا، وهو ما يخدم كما قلنا مشروع الحكومة الطائفية، في ذات الوقت الذي يخدم المخطط الصهيوني لتعميم فيروس التفتيت على كل المنطقة. ما ينبغي أن يقال هنا أيضاً هو أن موقف العرب السنة بكل فعالياتهم السياسية والدينية ما زال يقف مستنكراً لمثل هذه الأعمال، وهو استنكار لا يتوسل الصورة الخارجية فحسب، بل يحمل في طياته رجاءً حاراً لتلك المجموعات التي تنفذ تلك الأعمال بالتوقف عنها نظراً لإدراكهم حجم خطورتها على مختلف الأصعدة. لكن الوجه الآخر للصورة هو أن الفعاليات الحزبية والدينية في الطرف الشيعي لا تقف موقفاً مشابهاً من أعمال الحكومة الطائفية في مختلف مناطق العرب السنة. لم نسمع من السيد السيستاني على سبيل المثال، ولا من المراجع الكبار في النجف أي موقف من عملية تل اعفر، ولا من عشرات الحملات والجرائم الرهيبة التي ارتكبت ضد مناطق العرب السنة، ولا قيمة أن يقال هنا إن تلك العمليات موجهة للإرهاببين، ذلك أن مصطلح الإرهاب وفق منطق الحكومة الطائفية يشمل كل من يحمل السلاح بصرف النظر عن بوصلته السياسية أو العسكرية. يجب أن تكون الإدانة شاملة من الجميع، لكن حل هذه الدوامة من الدماء لا يكون إلا بالتقاء الكبار في النجف مع هيئة علماء المسلمين ورموز العرب السنة الآخرين على كلمة سواء، عنوانها إخراج قوات الاحتلال، والشروع في عملية سياسية عادلة تخدم وحدة العراق وانتماؤه إلى أمته العربية والإسلامية. وقد ناشدنا من قبل السيد نصر الله أن تكون له مبادرته في هذا الاتجاه، فيما شعرنا بالكثير من الخيبة عندما سمعناه قبل أيام يتحدث لغة طائفية لا تليق بصورته التي رسمها خلال السنوات الماضية. حين يستمر الاحتلال ستتواصل دوامة العنف، وتتواصل المقاومة، لكن ذلك لا يحول بيننا وبين الإدانة الواضحة لقتل الناس على الهوية، فالرد لا يكون إلا على المعتدين. ألم يقل ربنا عز وجل: ومن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم؟، وقال أيضاً: وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إنه لا يحب المعتدين؟