الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين ولا عدوان الا على الظالمين ، والصلاة والسلام على محمد خاتم النبيين وعلى آله وأصحابه المجاهدين ومن سار على نهجهم إلى يوم الدين . أما بعد فقد استمعت الى كثير من وجهات النظر حول الموقف من الاستفتاء على الدستور والانتخابات القادمة ، وقد رأيت من واجبي أن أبحث المسألتين بحثا شرعيا دقيقا للوصول إلى حكم الله تعالى فيهما إذ ليس من نازلة أو واقعة إلا وللاسلام حكم فيها بالنص المفصل أو القواعد العامة ، وقد تبين لي بعد البحث ما اطمأن إليه قلبي والذي يمكن أن الخصه بما يأتي : المسألة الأولى : الاستفتاء على الدستور ، والذي ترجح عندي أن الاستفتاء هذا داخل في باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، فإن جاء الدستور منسجما مع ثوابت الاسلام عقيدة وشريعة فإن التصويت عليه ب (نعم) هو من باب الأمر بالمعروف ، وإذا جاء مخالفا للثوابت فإن التصويت عليه ب ( لا ) هو من باب النهي عن المنكر ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجبان شرعيان كما هو معلوم ، وليس من طريق للقيام بهذا الواجب الآن إلا بتسجيل الاسماء. وعليه فالتسجيل هنا واجب لأنه ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، ويكون هذا مثل الذي لا يتمكن من أداء فريضة الحج إلا باستصدار جواز السفر والتأشيرة المطلوبة بحكم القوانين الوضعية، مع عدم اعترافنا بشرعية هذه القوانين، وهذا ما ينبغي التصريح به حتى لا يفهم بأي شكل أننا موافقون على هذا القانون الذي وضعه أو أشرف عليه الكافر المحتل. المسألة الثانية : المشاركة في الانتخابات ، وهذه المسألة ينبغي أن تبحث ضمن محورين : الأول : حكم الأصل، والذي ترجح عندي وبأدلة كثيرة أن الانتخابات التي يشرف عليها الكافر المحتل باطلة شرعا وليس لها أي نسبة من الشرعية، وهذا ما بحثته مفصلا في (فقه المقاومة) وعليه فلا يصح اعتبار الانتخابات هذه طريقا مقبولا لتثبيت حق أو للوصول إلى الحق ، وإنما الحق في اتباع الكتاب والسنة والتمسك بهما ووزن الناس بميزانهما. الثاني : حكم الاستثناء، إذ من المعلوم في الشريعة أن حكم الأصل قد يلحقه استثناء طارئ كما في حالة المضطر لشرب الخمر وأكل الميتة لدفع العطش أو الجوع المفضي إلى الهلاك لأن قتل النفس حرام أيضا وهو أشد من حرمة الخمر والميتة (فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه)، وفي مسألتنا هذه رأيت ما يشبه الاتفاق على أن الضرورة قد حصلت وأن تفرد الفئات الاجرامية الحاقدة بصناعة القرار قد مكنهم من انتهاج سياسة (إرهاب الدولة) و (الجريمة المقننة) وقد راح ضحية هذا المئات من المستضعفين رجالا ونساءا وأطفالا بالتعذيب والقتل والتمثيل بالجثث إضافة الى العدوان المنظم على مساجدنا وعلمائنا ، وحين يرى هؤلاء المظلومون أنه لم يعد هناك مخرج لكل هذا إلا بالمشاركة والتأثير المباشر على مصدر القرار فإن الضرورة هنا قد حصلت يقينا وأن تنفيذ حكم الله (الاستثنائي ) بات واجبا شرعيا كوجوب أكل الميتة على من لا يجد غيرها لدفع الهلاك عن نفسه، ولأن هذا الاستثناء حساس وخطير فلا بد من وضعه في الضوابط الشرعية التي تناسب هذه الحال وألخصها بالآتي : 1- إن الاستثناء هذا ينبغي أن لا يتعارض مع واجب الوقت المقدس وهو الجهاد في سبيل الله لإخراج الكافر المحتل ، فلا يصح القبول بالمشاركة المشروطة بالتخلي عن الجهاد أو ملاحقة المجاهدين بل لا بد من التنسيق التام في كل هذا مع المجاهدين. 2- إن الضرورة تقدر بقدرها حالا وزمانا ومكانا ، فمن اضطر لأكل الميتة لا يجوز له أن يأكل أكثر مما يدفع الموت عنه ولا يجوز أن يشعر بالمتعة والراحة وعليه فالذي يبتلى بمثل هذه المشاركة لا يجوز له أن يفرح بمنصبه ولا يجوز أن يتجاوز الضرورة إلى المهادنة وتمييع فواصل الولاء والبراء. 3- أن هذا الاستثناء جاز لغرض محدد فإذا اكتشف المشاركون أن مشاركتهم لم تحقق هذا الغرض فعليهم الاستقالة الفورية وأن بقاءهم يوما واحدا بعد ذلك يعد مخالفة شرعية. 4-أن تكون هذه المشاركة باجتهاد جماعي فلا يصح هنا الاجتهاد الفردي ولا حتى الحزبي ويكون ذلك من بداية اختيار الاسماء الى مباشرة العمل التنفيذي وأن نتذكر دائما أن الله تعالى لما أرسل موسى إلى فرعون قال له (سنشد عضدك بأخيك). وأخيرا فإني اخترت أن أتحمل مسؤولية اجتهادي هذا بشكل شخصي حرصا مني على عدم إحراج إخواني واساتذتي، وكلي أمل أن أكون قد وفقت بتقديم الجواب الشرعي للجدل الدائر اليوم حول هذه المسائل ، فإن وفقنا الله بعد هذا لاتخاذ الموقف الموحد فهذا غاية ما نرجوه لا سيما في مثل هذا الظرف العصيب، وإن لم يحصل الاتفاق كأن يرى بعض المسلمين التمسك بحكم الأصل ويرى آخرون التمسك بحكم الاستثناء، فإن الواجب المقطوع به على الجميع وهو ليس محل اجتهاد أن نحسن الظن بكل المجتهدين وأن نصون حرمة المسلم وعرضه ودمه وماله كما قال الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم (كل المسلم على المسلم حرام دمه وعرضه وماله) ... وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين . الفقير إلى الله تعالى الدكتور محمد عياش الكبيسي 11/رجب/1426ه