إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونسترشده، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أما بعد: حوادث السير: أسباب ونتائج أيها المسلمون: وقوع الحوادث يخلف وراءه مخالفات بالجملة، والعطلة لا ذنب لها فيها. ففي الأسبوع الأول من شهر يوليوز المنصرم، سجلت في المناطق الحضرية، حسب ما جاء في بلاغ لمصالح الأمن خمسة وستون وسبع مائة شخص بجروح وإصابات واحد وسبعين منهم بليغة. في أسبوع واحد وفي المناطق الحضرية وحدها، يقع هذا العدد من القتلى والجرحى، ويحدث اثنا عشر نوعا من المخالفات، كما جاء في بلاغ الإدارة العامة للأمن الوطني، التي نسبت هذه الحوادث إلى عدم التحكم، وعدم انتباه الراجلين، والإفراط في السرعة، وعدم احترام أسبقية اليمين، وعدم انتباه السائقين، والسير في يسار الطريق، وعدم الوقوف الإجباري عند علامة قف، وتغيير الاتجاه دون اتخاذ الاحتياطات اللازمة، وعدم الوقوف في الضوء الأحمر والسياقة في حالة سكر، والتجاوز غيرالقانوني، والسيرفي الاتجاه الممنوع. في أسبوع واحد تقع كل هذه الحوادث، ومن ورائها مخالفات كثيرة لقانون السير، ونرفع شعار العطلة للجميع، ولكن هل تبقى الأسرة في عطلة إذا فجعت في بعض أفرادها عندما يموت أو يدخل المستشفى؟ هل ألفنا الحوادث وتعودنا على فواجعها وكوارثها فلم يعد ينفع الكلام عنها؟ إن الله تعالى وصف المومنين بأنهم ينتفعون بالذكرى، وذكرفإن الذكرى تنفع المومنين، فلماذا تتكررعلى أسماعنا الخطب والدروس في هذا الموضوع، ولا يتغير سلوكنا في الطريق؟ ليتحمل كل واحد مسؤوليته إن حوادث السير، التي تسجل في بلادنا بعددها وضحاياها وخسائرها غير معقولة وغير مقبولة، فلو جمعنا جثث الضحايا وشيعناها في موكب واحد، لكان طوله عشرات الكيلومترات، ولو أن تلفزتنا خصصت وقتا لمجرد التعريف بضحايا الحوادث لسنة واحدة، وذكرت أسماءهم وأعمارهم واختصاصاتهم وتحملاتهم العائلية، لأمسكنا رؤوسنا من الذهول، ولو اطلعنا على الأعمال والأنشطة والمشاريع، التي توقفت بموت هؤلاء، لرأينا حجم المصاب وفداحة الخسارة. لكننا نتجرع هذه الخسارة بالتقسيط، وأكثر الحوادث لا تُسمع ولا تُعرف. فالعطلة لا ذنب لها، والصيف لا ذنب له والسفر لا ذنب له، إذ يمكننا أن نسافر ونقضي العطلة في سلام، وتتقلص هذه الحوادث إلى أدنى رقم، إذا عملنا بما تعلمناه في الشق النظري من تعليم السياقة، وأضفناه في الشق التطبيقي . قانون السياقة يجب على كل مستعملي الطريق الالتزام به، فهذا القانون الذي يدرسه كل متدرب ويمتحن فيه قبل أن يتسلم رخصة السياقة، هو ميثاق ينبغي على الجميع اتباع إرشاداته، وهو مصلحة مشتركة يجب التعاون على تحقيقها، فلماذا نخالفه.. لماذا ندرسه؟..هل لاجتيازامتحان رخصة السياقة، فإذا تسلمناه تركنا العمل به؟.. هناك حوادث قليلة، يمكن القول إنها قدرإلهي لا دخل لأحد الأطراف فيه، ولا يظهر أن أحدا ما يتحمل المسؤولية في وقوعها بسبب تقصيره وتهاونه واستهتاره.. نعم هذا النوع قليل جدا، لكن أكثر الحوادث منشأها الأخطاء بل التصرفات المعتمدة . إذا كنا جادين في وقاية بلدنا من حوادث السير، وما تجره من مآسي عائلية وخسائر اقتصادية، فعلينا تتبع الأسباب وهي معروفة، وليتحمل كل واحد مسؤوليته، فعلى سبيل المثال: كيف نريد الوقاية من حوادث السير ونحن نشجع الخمر ونرخص ببيعه، وما مثلنا إلا كمثل طائفتين من الناس إحداهما تطفئ حريقا وأخرى تؤججه بصب الزيت عليه .... ولا يخفى على أي لبيب أن المتسببين في حوادث السير ليسوا السائقين والراجلين أو مستعملي الطريق وحدهم، ولكنها فئات أخرى تشاركهم، منهم الذي يعطي رخصة السياقة لمن لا يستحقها مقابل رشوة، والذي يصادق على شهادة السلامة الميكانيكية للسيارة وهي لا تصلح، والذي يزور وقائع الحوادث ويتصرف في المحاضر، والذي يكذب في الشهادة، والذي يغش في بناء الطريق وإصلاحها، والذي يبيع الخمر والمخدرات، والذي يرخص لذلك. قواعد المرور مصلحة مرسلة أيها المسلمون: حفظ الدماء والأعراض والأموال واجب شرعي. إن قوانين السير وقواعد المرور مصلحة مرسلة، فهي مصلحة شرعية شهد الشرع باعتبارها، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، وما يؤدي إلى الحرام فهو حرام، وحفظ الدماء والأعراض والأموال واجب .. وإن الذي يتجرأ على مخالفة هذه القوانين يرتكب إثما لا لُبس فيه، لأنه يعرض نفسه وغيره للخطر. إذا دفع الرشوة للإفلات من عقوبة الدنيا، فإن هذه الرشوة لا تخلصه من عقاب الله يوم القيامة، وليس أمامه سوى التوبة ومن شروطها الندم على ما فات، والكف عن الفعل المحرم والعزم على عدم العودة إليه. إن بعض الناس يجمع عدة أخطاء في الموقف الواحد، فعندما يخالف قواعد السير ويتسبب في قتل مثلا، واستطاع أن يهرب، لا يتردد في الهروب أو ينكر مسؤوليته عما حدث بكل ما أوتي من قوة، إذا لم يكن هناك شهود غيره.. فلا بد أن يعلم بأن الله تعالى مطلع عليه، يسمعه ويراه، ويوم القيامة هو يوم الحساب، وأول ما يقضى فيه يوم القيامة الدماء ثم سائر المظالم والحقوق. فهل أدركنا حق الطريق، كما ذكره النبي صلى الله عليه وسلم، وهل أدركنا معه قوله إياكم والجلوس في الطرقات، قالوا يا رسول الله ما لنا بد؟ إنما هي مجالسنا نتحدث فيها، قال فإن أبيتم إلا المجالس فأعطوا الطريق حقها. قالوا وما حق الطريق؟ قال غض البصر وكف الأذى ورد السلام والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وكف الأذى كلمة جامعة لأنواع الأذى التي يجب الكف عنها راجلا كنت أو راكبا . سيروا في الأرض سير العقلاء أيها المسلمون: للإسلام أخلاق فتحلوا بها، منها الصبر والتسامح والإيثار، سيروا في الأرض سير العقلاء والفطناء، ولا تسيروا سير الجهلاء والسفهاء، وللطريق آداب فتأدبوا بها، وللسفر آداب فاعملوا بها، وإذا قدر الله تعالى بعد ذلك شيئا كان ابتلاء وامتحانا لا يضيع أجره وثوابه عند الله تعالى . إن المسلم بحاجة إلى استعمال الطريق مدة عمره، ليلا ونهارا سفرا وحضرا، فليكن في استعمالها حذرا يقظا رزينا هادئا، وليذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم: المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، و قوله عليه السلام كل المسلم على المسلم حرام: دمه وماله وعرضه. نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم وبحديث سيد المرسلين، وأجارنا جميعا من عذابه المهين والحمد لله رب العالمين . د.عز الدين توفيق