إن ما يحدث في سوريا باختصار وجيز هي حرب ضد طائفة مسلمة وقف العالم بأسره ضدها. إنها حرب إبادة للسنة على يد إيرانوروسيا وما يسمى حزب الله المتواطئين بشكل فادح مع بشار الأسد. إن السيناريو الجديد الذي يقع في سوريا هو تكرار لسيناريو قديم وقع في العراق. فعندما توغل الناطو في البلد كان هدفه ليس القضاء على صدام حسين (تحت أقنعة كاذبة ودرائع واهية كالدمار الشامل والإرهاب) بل في الواقع سعت الولاياتالمتحدة وحلفاؤها القضاء على السنة وتجريدهم من السلطة وإهداء العراقلإيران على صحن من ذهب… سوريا تكرار لسيناريو أكثر بشاعة وأكثر مأساوية لأن النظام عكس نظام صدام حسين، الذي كان يعيش عزلة دولية، يجد أقوى دول العالم في مؤازرة شروره وإجرامه ضد السنة. روسيا تعتبر أمن سوريا من أمنها، وإيران مصلحتها بقاء النظام الموالي لها، والصين نفسها تدخل المعركة الشعواء معللة ذلك بنفس العلة التي استندت عليها روسيا في دخولها غمار الحرب في سوريا وهي قضية الإرهاب والجماعات الجهادية فقررت الأخيرة إرسال آلاف من جنودها لهذا البلد الذي لا حول ولا قوة له، ومؤخرا الجزائر نفسها مالت لكفة النظام عندما ذهب وزير خارجيتها لسوريا في لقاء لم يتم الكشف عن مضمونه الحقيقي سوى ماروجت له وسائل الإعلام كإفادة النظام بالتجربة الجزائرية في حربها الأهلية والتوافق الداخلي في ماضي الجزائر بين الأطراف المتصارعة… ، لكن الحقيقة هي أن خطوة الجزائر جاءت طعنة في صدر دول الخليج وجارته المغرب بالخصوص، ومحاولة لإخراجها من عزلتها العربية لكن لصالح نظام سوري طاغية. وقوف هذه الدول مع بشار الأسد عوض اصطفافها مع شعب أعزل يقتل بالمئات يوميا تحت البراميل والقصف الروسي السوري وعوض التنديد والتصعيد لكبح جماح هذا النظام الديكتاتوري الفج الذي ارتكب مجازر لا توصف في حق شعبه، وتكاسل الأممالمتحدة وعدم اتخاذها مواقف حازمة وقوية بسبب اختلاف الدول الأقوى في الصراع السوري واختلاط خيوط عنكبوت البيت السوري يعطي انطباعا راسخا على تواطؤ العالم مع هذا النظام ضد شعب أدى أغلى ضريبة في العصر الحديث. من جانبها، فجامعة الدول العربية تعيش في سبات وتكتفي الدول الأعضاء بالتنديد والدعوة لإيجاد حل سياسي، وكأن هذا التنديد سيوقف الطائرات الروسية السورية والإجرام الإيراني من ارتكابها لمحرقة في حق شعب كان قدره أن يولد في سوريا! هذا الصمت العالمي الرهيب يمكن إما أن يترجم بخشية العالم من تحالف روسيا والصين خصوصا بعدما هدد بوتين بأنه سيقصف أية دولة داخل حدودها إن أقدمت على توغل بري في سوريا وفي هذا إشارة لدول الخليج وتركيا بالخصوص، وإما لتشردم الدول الإسلامية وعدم توحد صفوفها. خشية الدول العربية والإسلامية من روسياوإيران دفع السوريون ثمنه دما وأطفالا ونساء وشيوخا بالملايين مابين قتيل ونازح غالبيتهم الساحقة من السنة. لهذا يمكننا القول بأن مايقع في سوريا هي محرقة للسنة بكل تفاصيلها أو هي محاولة إفراغ سوريا من السنة تماما. ففي حين تدافع دول العالم عن الأكراد وتوفر لهم السلاح وفي حين لا تجرؤ الطائرات السورية قصف مناطق المسيحيين نجد روسيا بعتادها وإيران بمليشياتها وحزب الله بعصابته يمزقون جسد السنة ويحرقون مدنهم إحراقا على مرأى ومسمع العالم. أولا، على الدول العربية أن تنسى أمريكا فهي كالحرباء تتلون سياستها وفق مصالحها ومصالح إسرائيل ومن مصلحة إسرائيل بقاء سوريا ودول المنطقة جميعها متخبطة في دمائها وهذا يفسر عدم اتخاذها أي موقف حاسم من التوغل الروسي بل هناك تصريح من بوتين عن أن إدارة أوباما نسقت مع روسيا قبل دخول الأخيرة إلى سوريا ومازال التنسيق قائما بينهما، وأن روسيا كذلك دخلت بمباركة من إسرائيل. ثانيا، يجب على الدول العربية السنية أن تعلم يقينا أن الغرب لن يقف معها إلا إذا كانت له مصالح قوية جدا وعوائد اقتصادية لهذا فعليها الا تعول على الغرب لحل مشاكلها لأن الحقيقة هي أن الغرب هم سبب الداء المستشري وهم المتفرج الذي أخرج السيناريو بدقة متناهية. إذن، الحل هو التكثل في كتلة إسلامية سنية تشمل جميع الدول العربية والغير عربية تكون قادرة على حل نزاعات دولها الأعضاء وتستطيع الوقوف في وجه روسيا وإسرائيل … إلخ. ثالثا، لقد أصبح واضحا أن هناك مخططات وأجندة غربية تروم تفتيت الدول العربية وخلق البلابل والفتن بها وهذا ماصرح به جون كيري، وزير الخارجية الأمريكي، عندما ذهب للقول بأن هناك خطة أسماها "باء" تهدف إلى حل النزاع عبر تقسيم سوريا. و قبل ثلاث سنوات نشرت جريدة نيويورك تايمز خريطة جديدة للشرق الأوسط تظهر عليها دويلات جديدة في العراقوسوريا وحتى السعودية ويبدو مؤخرا أن المغرب غير مستثنى من هذه القاعدة (فرق تسد). وهذا واضح بعدما وصف بان كي مون المغرب بالدولة المحتلة إلى جانب تهميش مجلس الأمن للخطة التي عرضها المغرب في الحكم الذاتي في الصحراء مما يدفع للاعتقاد بأنهم يريدون تطبيق حل للنزاع على شاكلة ما فعلوا بالسودان الشقيق، أي الاستفتاء. إذن، يبدو أن الاتجاه الذي بدأت تسير فيه الدول الامبريالية الكبرى حديثا هو تفتيت دول عربية وخلق صراعات بينها وتموينها بالسلاح وهذا يحقق مصالح كثيرة للدول الكبرى حيث تنتعش تجارة صناعة الأسلحة وتصديرها وتصبح هذه الدول ضعيفة كفاية لتعجز عن تهديد إسرائيل وأمنها فيما بات يعرف بسياسة زرع الفتن الخلاقة أو النافعة. لهذا يلزم على الدول العربية والإسلامية السنية بالخصوص أن تسارع الزمن وتبحث عن بدائل سياسية قوية للتصدي للنزعة الغربية الجديدة التي تتغيى رسم خرائط دول حسب هواها ومصالحها السياسية والاقتصادية . وأن تسارع كذلك في تقوية جسدها الداخلي بإقرار العدالة الاجتماعية ومحاربة الفساد بكل أشكاله وتطبيق إصلاحات فورية تجعل من المواطن صلب الاهتمام والعناية والاستماع لهمومه حتى لا يجد الغرب فسحة أو فتنة يدخلون عبرها لتأجيج الأوضاع السياسية وخلق جماعات متطرفة على شاكلة الميليشيات العراقية وداعش وغيرها…