قطع المغرب شوطا مهما على درب إرساء نموذجه الديمقراطي، منذ الحراك الاجتماعي لسنة 2011، وما تلاه من إصلاحات دستورية وسياسية وجدت صداها الايجابي لدى عموم أبناء الوطن، وحظيت بمتابعة ورصد مختلف المهتمين داخل الوطن الوطن وخارجه، لتميزها وتفردها، وانخراط مكونات مجتمعية وازنة ومؤسسات دستورية فيها، وبذلها الجهد الكبير في سبيل تنزيلها وايصال عائداتها إلى عموم المواطنين. هذا المسار كان من الطبيعي أن يجد رفضا ومقاومة من حراس العهد القديم الذي أوصل البلاد إلى أزمة 2011، لتتحرك أذرعهم بهدف العرقلة والإبطاء ومنع استكمال الاستحقاقات التي أجمع المغاربة على ضرورتها وخرجوا من أجلها إلى الشوارع، وذهبوا من أجلها بكثافة إلى صناديق الاقتراع، التي منحت حزب العدالة والتنمية شرف قيادة الحكومة في لحظة تاريخية عصيبة وفارقة، فكان في مستوى اللحظة رفقة باقي شركائه تحت قيادة جلالة الملك، فتحمل مسؤوليته وأثبت القدرة والكفاءة اللازمتين لمثل هاته المهام، وأبدى من الخصال السياسية التي تتطلبها المرحلة ما مكّنه من نحت نموذج بات محط أنظار العالم، ومحط تنويه وإعجاب الأحزاب والتنظيمات التي تشترك معه في المرجعية والمسار في الدول العربية والإسلامية. ورغم شدة الضربات والمناورات وتكثيف الحملات، استطاعت التجربة التي يقودها حزب العدالة والتنمية، أن تصمد لتعطي الدليل على أن ما يجري في البلاد ليس مجرد جملة اعتراضية، أو قوس ينتظر الإغلاق، بل على العكس كان الحزب والحكومة التي قودها يخرجان أقوى بعد كل مناورة وعقب كل حملة، فترسخت القناعة لدى المواطنين ولدى الفاعلين الرئيسيين بجدواها التاريخية، وضرورتها المرحلية، بما أفرزته من مناخ سياسي واقتصادي اجتماعي جديد، رفع رأس المغرب عاليا بين الأمم. هذه المعاني وهذه العناوين، أكدتها وكرستها الانتخابات الجماعية والجهوية ليوم 4 شتنبر، والتي وصفت نتائجها في حينها بأنها زلزال ضرب المشهد السياسي وأن ارتداداته ستمتد في الزمان ولن تتوقف بسهولة، حيث انطلقت مباشرة بعد الانتخابات موجة تحريض مكثفة استُعملت فيها كل الوسائل المشروعة وغير المشروعة، وديس خلالها على المقتضيات القانونية والدستورية، وعادت خلالها الأساليب البئيسة التي ظننا أننا قطعنا معها، كل ذلك إمعانا في تضبيب الصورة وخلط الأوراق، للتغطية على الانجازات الحقيقية على الأرض، وطمس ملامح الفوز الكبير لحزب العدالة والتنمية في الانتخابات، وانتصار النموذج الذي يساهم فيه. اليوم وعلى بُعد ستة أشهر من موعد استحقاقات انتخابية نعتبرها معركة فاصلة، تزداد الحملات شراسة وتنوعا في الأهداف، لكن يقيننا أن المغاربة يملكون من الذكاء ما سيمكنهم من المقارنة بين بؤس المسار السابق الذي أطاحت به أصواتهم سواء في الشارع، أو عبر صناديق الاقتراع، وبين المسار الجديد الذي بدأ يؤطر الحياة السياسية، ويتسرب شيئا فشيئا بانسيابية إلى العمل البرلماني، ليُثمر ممارسات غير مسبوقة، تجلت في التنسيق بين الأحزاب المشكلة للأغلبية، على كافة المستويات العلمية والعملية، وتجاوز الخلافات القليلة التي تظهر بين الفينة والأخرى، بمرونة إعلاءً للمصلحة العامة وتحصينا للتجربة. وفي السياق نفسه، تعالت قبل مدة دعوات جوفاء مؤطّرة بمنطق معاكسة الاختيارات السياسية والحضارية للشعب المغربي، ومحاولة جر النقاش العمومي إلى قضايا محسومة شرعا ومشروعية، فتجددت الدعوة إلى رفع التجريم عن زراعة والاتجار في المخدرات، بدعوى التقنين والاستغلال الطبي افتراء وتدليسا، وظهرت أيضا دعوات التطبيع مع الشذوذ الجنسي بدعوى الحرية الفردية وحقوق الانسان، وهي في العمق دعوات صريحة للانحلال داخل المجتمع الرافض بالفطرة لمثل هاته الممارسات المخالفة للشرع وللقانون. وحزب العدالة والتنمية وفريقه النيابي منخرط في مواجهة هذا العبث، ومصر على التصدي له والوقوف في وجهه، بكافة الوسائل القانونية والسياسية، ومستعد دائما لمزيد من التضحية لأجل الوطن والمواطنين، ودفاعا عن الثوابت التي تأسست عليها الدولة المغربية، إسلاما ووحدة وطنية وترابية، وملكية واختيارا ديمقراطيا، غير آبه بالمواقع والمناصب ما دام المغرب سيتقدم ويأخذ المكانة اللائقة بين باقي الدول، وما دام المغاربة سيعيشون في كرامة وحرية وعدالة اجتماعية، إنها غاية الغايات…