من أدران الشيوعية إلى ميادين الدعوة الإسلامية الشيخ أحمد القطان من الدعاة الكويتين المشهورين، والخطباء المعروفين، دروسه ومحاضراته تملأ الآفاق، يحكي طريق النجاة من أدران الشيوعية ويروي أساليب أصحابها في الإيقاع بضحاياها في أتون أفكارها المضللة عن صراط رب العالمين، التواب الرحيم، يروي قصة توبته، عبرة لكل مسلم بقيت في نفسه ذرة إيمان فيقول: فراغ وكآبة في أحضان الشيوعية إن في الحياة تجارب وعبراً ودروساً، لقد مررت في مرحلة الدراسة بنفسية متقلبة حائرة، لقد درست التربية الإسلامية في مدارس التربية ثمانية عشر عاماً. وتخرجت بلا دين، وأخذت ألتفت يميناً وشمالاً: أين الطريق؟ هل خلقت هكذا في الحياة عبثاً ؟ أحس فراغاً في نفسي وظلاماً وكآبة، أفر إلى البر، وحدي في الظلام لعلي أجد هناك العزاء، ولكني أعود حزيناً كئيباً . وتخرجت من معهد المعلمين سنة 1969 م، وفي هذه السنة والتي قبلها حدث في حياتي حدث غريب تراكمت فيه الظلمات والغموم على قلبي، إذ قام الحزب الشيوعي باحتوائي ونشر قصائدي في مجلاتهم وجرائدهم، والنفخ فيها، وأخذوا يفسرون العبارات والكلمات بزخرف من القول يوحي به بعضهم إلي بعض؛ حتى نفخوا في نفخة ظننت أنني أنا الإمام المنتظر! وما قلت كلمة إلا وطبلوا وزمروا حولها، وهي حيلة من حيلهم إذا أرادوا أن يقتنصوا ويفترسوا فرداً: ينظرون إلى هويته وهوايته: ماذا يرغب؟ ثم يدخلون عليه من هذا المدخل. رأوني أميل إلي الشعر والأدب فتعهدوا بطبع ديواني ونشر قصائدي وعقدوا لي الجلسات واللقاءات الأدبية الساهرة، ثم أخذوا يدسون السم في الدسم . يذهبون بي إلي مكتبات خاصة ثم يقولون: اختر ما شئت من الكتب بلا ثمن! فأحمل كتباً فاخرة، أوراقاً مصقولة، طباعة أنيقة، عناوينها: أصول الفلسفة الماركسية، المبادئ الشيوعية، وهكذا بدؤوا بالتدريج يذهبون بي إلى المقاهي الشعبية العامة، فإذا جلست معهم علي طاولة قديمة تهتز أشرب الشاي بكوب قديم وحولي العمال، فإذا مر رجل بسيارته الأمريكية الفاخرة قالوا: انظر، إن هذا يركب السيارة من دم آبائك وأجدادك، وسيأتي عليك اليوم الذي تأخذها منه بالثورة الكبري التي بدأت وستستمر، إننا الآن نهيئها في ظفار ونعمل لها، وإننا نهيئها في الكويت ونعمل لها، وستكون قائداً من قوادها ! وبينما أنا أسمع هذا الكلام أحس أن الفراغ في قلبي بدأ يمتلئ بشيء، لأنك إن لم تشغل قلبك بالرحمان أشغله الشيطان، فالقلب كالرحى يدور، فإن وضعت به دقيقاً مباركاً أخرج لك الطحين الطيب، وإن وضعت فيه الحصى أخرج لك الحصى . ويقدر الله سبحانه وتعالي بعد ثلاثة شهور أن نلتقي برئيس الخلية الذي ذهب إلي مصر وغاب شهراً ثم عاد. وفي تلك الليلة أخذوا يستهزئون بآذان الفجر، كانت الجلسة تمتد من العشاء إلي الفجر، يتكلمون بكلام لا أفهمه مثل التفسير المادي للتاريخ، والاشتراكية والشيوعية في الجنس والمال، ثم يقولون كلاماً أمرره على فطرتي السليمة التي لا تزال نقية صافية فلا يمر، أحس أنه يصطدم ويصطك، ولكن الحياء يمنعني أن أناقش، فأراهم عباقرة، مفكرين، أدباء، شعراء، مؤلفين، كيف أجرؤ أن أناقشهم ! فأسكت ! ثم بلغت الحالة أن أذن المؤذن لصلاة الفجر، فلما قال: الله اكبر أخذوا ينكتون على الله ! ثم قال: لما قال المؤذن أشهد أن محمداً رسول الله أخذوا ينكتون على رسول الله صلي الله عليه وسلم ! الشيوعية في نظر أصحابها وهنا بدأ الانفعال الداخلي والبركان الإيماني الفطري يغلي، وإذا أراد الله خيراً بعد أن أراه الظلمات يسر له أسباب ذلك، إذ قال رئيس الخلية: لقد رأيت الشيوعية الحقيقية في لقائي مع الأبنودي الشاعر الشعبي بمصر، وهو الوحيد الذي رأيته يطبقها تطبيقاً كاملاً . فقلت: عجبا، ما علامة ذلك ؟! قال: إذا خرجنا في الصباح الباكر عند الباب فكما أن زوجته تقبله تقبلني معه أيضاً ! وإذا نمنا في الفراش فإنها تنام بيني وبينه، هكذا يقول، والله يحاسبه يوم القيامة، فلما قال ذلك نزلت ظلمة على عيني وانقباض في قلبي وقلت في نفسي: أهذا فكر ؟! أهذه حرية ؟! أهذه ثورة ؟! لا ورب الكعبة إن هذا كلام شيطاني إبليسي ! ومن هنا تجرأ أحد الجالسين فقال له : يا أستاذ ! ما دمت أنت تري ذلك، فلماذا لا تدع زوجتك تدخل علينا نشاركك فيها؟ قال: إنني ما أزال أعاني من مخلفات البرجوازية وبقايا الرجعية، وسيأتي اليوم الذي نتخلص فيه منها جميعاً. حياة القلب ومن هذه الحادثة بدأ التحول الكبير في حياتي، إذ خرجت أبحث عن رفقاء غير أولئك الرفقاء، فقدر الله أن ألتقي بإخوة في ديوانية. كانوا يحافظون علي الصلاة، وبعد صلاة العصر يذهبون إلي ساحل البحر ثم يعودون، وأقصي ما يفعلونه من مأثم أنهم يلعبون الورقة. ويقدر الله أن يأتي أحدهم إلي ويقول: يا أخ أحمد يذكرون أن شيخاً من مصر اسمه حسن أيوب جاء إلي الكويت، ويمدحون جرأته وخطبته، ألا تأتي معي؟ قالها من باب حب الاستطلاع . فقلت: هيا بنا، وذهبت معه وتوضأت، ودخلت المسجد وجلست وصليت المغرب، ثم بدأ يتكلم، وكان يتكلم واقفاً لا يرضي أن يجلس علي كرسي، وكان شيخاً كبيراً، شاب شعر راسه ولحيته، ولكن القوة الإيمانية البركانية تتفجر من خلال كلماته، لأنه كان يتكلم بأرواح المدافع لا بسيوف من خشب. وبعد أن فرغ من خطبته أحسست أني خرجت من عالم إلى عالم أخر، من ظلمات إلى نور، ولأول مرة أعرف طريقي الصحيح، وأعرف هدفي في الحياة، ولماذا خلقت، وماذا يراد مني، وإلى أين مصيري . وبدأت لا أستطيع أن أقدم أو أؤخر إلا أن أعانق هذا الشيخ وأسلم عليه. ثم عاد هذا الأخ يسألني عن انطباعي، فقلت له: اسكت وسترى انطباعي بعد أيام. من التوبة إلى الدعوة عدت في الليلة نفسها واشتريت جميع الأشرطة لهذا الشيخ وأخذت أسمعها إلي أن طلعت الشمس ووالدتي تقدم لي طعام الإفطار فأرده، ثم طعام الغداء وأنا أسمع وأبكي بكاءً حاراً، وأحس أني قد ولدت من جديد، ودخلت عالماً آخر وأحببت الرسول صلي الله عليه وسلم، وصار هو مثلي الأعلى وقدوتي، وبدأت أنكب على سيرته قراءة وسماعاً حتي حفظتها من مولده إلى وفاته صلي الله عليه وسلم، فاحسست أنني إنسان لأول مرة في حياتي، وبدأت أعود فأقرأ القرآن فأرى آيه فيه كأنها تخاطبني أو تتحدث عني ( أومن كان ميتاً فأحييناه وجعلنا له نوراً يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها) الأنعام : 122 نعم، لقد كنت ميتاً فأحياني الله، ولله الفضل والمنة، ومن هنا انطلقت مرة ثانية إلى أولئك الرفقاء الضالين المضلين وبدأت أدعوهم واحداً واحداً، ولكن: (إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء وهو أعلم بالمهتدين ) القصص : 56 ، أما أحدهم فقد تاب بإذن الله وفضله، ثم ذهب إلى العمرة فانقلبت به السيارة ومات وأجره على الله . وأما رئيس الخلية فقابلني بابتسامة صفراء وأنا أناقشه، أقول له: أتنكر وجود الله ؟! وتريد أن تقنعني بأن الله غير موجود ؟! فابتسم ابتسامة صفراء وقال: يا أستاذ أحمد، إنني أحسدك لأنك عرفت الطريق الآن، أما أنا فاتركني، فإن لي طريقي ولك طريقك، ثم صافحني وانصرفت وظل هو كما هو الآن . وأما البقية فمنهم من أصبح ممثلاً، ومنهم من أصبح شاعراً يكتب الأغاني وله أشرطة فيديو يلقي الشعر وهو سكران، وسبحان الذي يخرج الحي من الميت، ومن تلك اللحظة بدأت أدعو إلى الله رب العالمين. عن العائدون إلى الله محمد بن عبد العزيز المسند