ذكرت الأسبوعية الفرنسية كوريي أنترناسيونال في عددها ل (13 18) ماي 2004 أن الفاتيكان رفض أن يكون مسجد قرطبة، الذي يضم كتدرائية، مكانا مشتركا للعبادة بين المسلمين والكاثوليك، كان الإعلان عن ذلك في 29 أبريل الماضي، حيث طلب الأسقف ميكائيل فيتزجيرالد، أمين المجلس الأسقفي للحوار بين الديانات، من المسلمين أن يرضوا بالتاريخ كما تقول الأسبوعية وألا يسعوا إلى الأخذ بالثأر، كما أن «الكاثوليك لا يسعون إلى استعادة أماكن العبادة القديمة المكرسة للإسلام». ونقلت الأسبوعية عن صحيفة إلموندو الإسبانية أن وفدا من المسلمين الإسبان زار الفاتيكان في 9 مارس الماضي، وذلك لتقديم طلب السماح بإقامة الشعائر الدينية الإسلامية بمسجد قرطبة، الذي كرس منذ القرن الثالث عشر الميلادي للديانة الكاثوليكية. ونقدم في ما يلي ترجمة لمقال صحيفة إلموندو «في 9 مارس الماضي، كان وفد من المسلمين الإسبان متواجدا في الفاتيكان، وكان هدف الزيارة هو موافقة المقام البابوي على حقهم في الصلاة بمسجد قرطبة، الذي بني سنة 785م على أنقاض كنيسة كاثوليكية قديمة، والذي كرس للديانة الكاثوليكية منذ القرن 13 م. واقترح رئيس الوفد، الطبيب النفسي منصور إسكوديرو (56 عاما)، المعتنق للإسلام منذ ,1979 وكان معروفا بصفته مناضلا شيوعيا قديما، على المجلس الأسقفي للحوار بين الديانات أن تصبح هذه الجوهرة الأندلسية مجمعا متعدد الديانات، وذلك حتى يتمكن المسلمون أيضا من إقامة صلواتهم بالمسجد ذي الأعمدة الرخامية، والذي بناه الأمير عبد الرحمان الأول على ضفاف الوادي الكبير. فهل هو حلم بمسجد متعدد الديانات؟ أم هو تمن غير معلن لإعادة فتحه، في شكل رسالة سلام ومحبة بين ديانات ظلت متصارعة؟ إنه السؤال الذي يطرحه الذين هم أكثر حذرا في زمن الهجوم الشامل للتطرف الإسلامي، وفي وقت يتكلم فيه بن لادن نفسه عن الأندلس في دعوته للجهاد. أما «نحن المسلمين الإسبان الحاليين، لا نبحث عن استعادة الماضي، ولا حتى الحلم بعصر أموي جديد بمدينتنا»، يقول منصور إسكوديرو، رجل السلام والمدافع عن إسلام متوافق مع القيم الحداثية النبيلة. وتحاول، من خلال منصور، أربعون عائلة قرطبية من مجموع 20 ألف عائلة مسلمة بإسبانيا، التي يبلغ عدد المسلمين بها بين 600 ألف ومليون شخص، إسماع صوتها. "إنكم تهدمون ما هو فريد في العالم" ويعتبر المسجد، الذي ظل في منأى عن اهتزازات عصرنا الحاضر، والذي سجل باعتباره تراثا عالميا للإنسانية منذ ,1984 مكانا متميزا للتذكر، فبعد 5 قرون من الإسلام حلت حتى الآن 8 قرون من المسيحية، وكان في البداية مكانا مشتركا للعبادة قبل أن يشتري عبد الرحمن الأول النصف من قائد للقوطيين ب100 ألف قطعة ذهبية. وفي قلب المسجد أحدث الهيكل الرئيسي للكتدرائية بجميع إيقوناته الإنجيلية وصلبانه وتماثيله العظيمة، وأدت الأشغال التي أنجزت سنة 1523 إلى هدم جزء من المسجد، الشيء الذي سبب غضب الإمبراطور شارل كوينت، الذي قال: «إنكم تبنون شيئا متوفرا خارج المسجد (يقصد الكاتدرائية المبنية داخله) وتهدمون ما هو فريد من نوعه في العالم»... وغير بعيد عن الهيكل في الحائط الجنوبي، يوجد محراب المسجد، الذي تم عزله عن الزوار بواسطة سياج مغلق. أصيبت المساندة الأولية التي حظي بها إسكوديرو من لدن التحالف الاشتراكي المسير لمجلس المدينة بالشلل بعد تدخل العمدة روزا أكويلار، التي تعتبر أن «الوقت غير مناسب لإثارة هذه المسألة، كما أن مبادرة معتنقي الإسلام تتجاوز حدود المدينة». ويذكر أن طلب المسلمين القرطبيين أيقظ اهتمام عدد من وسائل الإعلام. فقد ظهر أخيرا عنوان: الكاتيدرائية قد تستقبل مجددا المسلمين. بصحيفة الكَارديان اللندنية. وما فتئ اقتراح المسلمين الإسبان، والذي تناقلته المنظمات الأوروبية متعددة الديانات، يفوز بالمناصرين. وهكذا حصل مؤخرا على مساندة جمعية روح أوروبا المسيرة من لدن الأسقف الأنجليكاني دونالد ريفز، كما أنه مساند من لدن منتدى بروكسيل، وهو فيدرالية تضم حوالي 50 منظمة داعية للحوار الإسلامي المسيحي. ترخيص في المناسبات أقيمت صلاة العيد بالمسجد (عيد الأضحى 1979م) بموافقة أساقفة الكتدرائية، ثم تجددت في ثلاث مناسبات مماثلة، سنوات 1982 و1985 و.1991 أما اليوم فحلم إيسكو ديرو وكافة المسلمين أن يتم الانتقال إلى مرحلة جديدة في إطار الحوار بين الديانات، الذي ينادي به يوحنا بولس الثاني. وتشرح إيزابيل روميرو، متخصصة في علم النفس الاجتماعي وأمينة منظمة المسلمين خونتا إسلامكا الأمر قائلة: «نريد أن نلتقي مسلمين ومسيحيين لبناء المستقبل، فكما أنه غير معقول اعتبارنا غزاة أجانب وإسماعنا مرارا أسطوانة الفتح، فنحن إسبانيون مثل أي إسباني، نريد فقط أن يصبح مسجد قرطبة حقا تراثا للإنسانية، ورمزا للإرادة الطيبة بكل ما يتطلبه ذلك». مليون زائر سنويا أجل إن المسجد رمز، ولكنه أيضا تجارة مربحة: إنه يستميل سنويا عشرات الآلاف من الزوار، بلغ عددهم خلال سنة ,2003 أكثر من مليون شخص، يدفع كل واحد منهم 50,6 أورو (كتعريفة كاملة و20,3 أورو للطلبة والصبيان). وتتراوح المداخيل ما بين 5 و6 ملايين أورو في السنة. ويؤكد أحد الحراس: «إن مدخوله من بين أهم المداخيل بالنسبة للكنيسة»، ويتصدى الحارس للمسلمين، الذين يهمون بالصلاة في المسجد، كما حدث مرة مع مسؤول إيراني كبير، ومرة أخرى مع محامية من الحزب الاشتراكي الإسباني. ويثير حلم المسجد اليوم كذلك فظاعات، فهناك من جهة من يدعو إلى تحريره... لأنه يشكل ذكرى للاحتلال والمذابح العنصرية والطرد، وهناك من جهة أخرى من يعيد إلى الأذهان، لكي ينعت الإسلام بالعنف، وقائع صلاة العيد بالمسجد، ويتعلق الأمر هنا بأوريانا فلاتشي، في كتابها الجديد سلطان العقل، حيث تقول: «في سنة 1979م، وباسم تجمع الديانات، ذهب أسقف قرطبة إلى حد السماح للإسبان معتنقي الدين الإسلامي (الذين سمتهم مرتدين سيرغبون في تعاطي أعمال غرائبية) بالاحتفال بعيد الأضحى في الكاتدرائية، وتسبب هذا في بعض المشاكل: تحويل صلبان من أماكنها ورمي صور ا لعذراء على الأرض ووضع خصيات الخرفان في أوعية الماء المبارك، وفي السنة التالية أحالهم الأسقف على إشبيلية لكنهم فوجئوا هناك بطواف الأسبوع المقدس». وقد تمكنا من الاتصال بالأسقف المعني بالأمر: إنفانطس فلوريدو، الذي أكد لنا «أن ذلك غير صحيح، إنه تخريف، لم يحدث أبدا أي عنف في الكاثدرائية!». "إيلد يفونصو أولميدو" ترجمه: أبو عبد الله