تعيش مدينة قرطبة الأندلسية جدلا واسعا هذه الأيام حول حق المسلمين فى الصلاة في مسجد قرطبة، الذي بناه المسلمون في القرون الوسطى وتحويله إلى كاتيدرائية بعد طردهم من هذا البلد. وبدأ هذا الجدال عندما قدمت اللجنة الإسلامية طلبا إلى أسقف قرطبة تطلب منه تخصيص مكان في هذا المسجد التاريخي للصلاة، ولقي الطلب ترحيبا نسبيا من لدن رئيسة بلدية المدينة، روسا أغيلار، كما حظى بدعم كبير من لدن العديد من الجمعيات وعلى رأسها حركة مناهضة اللاتسامح. وانقسم سكان المدينة بين مؤيد للطلب ومعارض له، والمثير أن الذي تقدم بهذا الطلب ليس المسلمون من أصل عربي، أي المهاجرين، بل إسبان اعتنقوا الإسلام، مما جعل لطلبهم هذا قوة معنوية وسياسية أكبر، لا سيما بعدما عززوا طلبهم بما يخوله لهم دستور البلاد. علاوة على ذلك فالمسلمون طرحوا الحق في الصلاة، ليس من فكرة استرجاع حقوقهم التاريخية، بل انطلاقا من المساهمة في الحوار والسلام وفق الناطق باسم اللجنة الإسلامية منصور اسكوديرو. وتطور الوضع إلى عرض هذا الأمر على الفاتيكان، وصرح رئيس مجلس حوار الأديان فى الفاتيكان، الأسقف مايكل فريتجرالد أن الصلاة في مسجد قرطبة إشكالية شائكة، وعلى المسلمين القبول بالتاريخ، فكثير من الكنائس تحولت إلى مساجد، كما أن قرار صلاة المسلمين في مسجد قرطبة من اختصاص أسقف المدينة وليس الفاتيكان. وعلق رئيس حركة مناهضة اللاتسامح استيبان إيبارا أن الفاتيكان عليه مراجعة قراره وضرورة السماح للمسلمين بالصلاة في هذا المعبد الذي يحمل اسم مسجد كاتيدرائية قرطبة، ويجب أن يكون وفيا للاسم الذى يحمله بالترخيص للصلاة للمسلمين والمسيحيين على حد سواء. وتابع قائلا إن "السماح للمسلمين بالصلاة فى مسجدكاتيدرائية قرطبة سيساعد على حوار الأديان، وسيكون مثالا رائعا للتسامح وسيقتدى به"، ويبدو أن هذا الجدال مرشح للاستمرار، ليس فقط بسبب تشبث المسلمين بالصلاة فى مسجد كاتدرائية قرطبة، وإنما مع احتمال احتضان هذه المدينة الأندلسية للمؤتمر المقبل للجنة الدينية الإسلامية/المسيحية. ويجهل عدد الإسبان الذين اعتنقوا الإسلام في منطقة الأندلس وحدها، وتقدرهم بعض الأوساط المهتمة بقرابة خمسة آلاف في العشرين سنة الأخيرة، متكتلين في العديد من الجمعيات في حين أن عدد العرب المسلمين، ومن جنسيات أخرى، الذين قدموا إلى الأندلس، فيقدر عددهم بقرابة 80 ألف شخص.