اعتبرت الأستاذة خديجة مفيد في مداخلتها حول دور الأسرة في بناء القيم أن الانفتاح لم يترك للأسرة تلك الخاصية، وهي أنها فضاء مغلق خاص يتلقى فيه الإنسان قيمه حسب اختياراته وقناعاته الفردية، وذلك دون أن يأخذ بعين الاعتبار المحيط الذي يحيط به، سواء في محيطه المحلي أو العالمي. وأكدت خديجة مفيد أن ذلك يجعل من الضروري إعادة طرح الأسئلة، مضيفة أنه ينبغي أن تكون مساءلة منفتحة تتوجه نحو الحديث عن الأسرة في إطار محدد هو المنظومة الإسلامية، وأن المسلم ينبغي أن يتفاعل مع أبعادها الثلاثة: كونها منظومة وحي، ومنظومة تشريعية خالدة، ثم منظومة تشريعية عالمية. وحول خصائص الأسرة الإنسانية، والمبادئ التي تقوم عليها، أوضحت الأستاذة مفيد منطلقاتها من مكونات تأسيسية تنظمها الآية القرآنية: (وخلقنا لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعلنا بينكم مودة ورحمة)، مستخلصة منها قيم التساكن والمودة والرحمة، ثم مكونات غائية تؤشر لها الآية القرآنية (ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين). وتحدثت مفيد، في إطار المحاضرة التي نظمتها منظمة تجديد الوعي النسائي بمناسبة اليوم العالمي للأسرة، عن الأدوار التي يجب أن تضطلع بها الأسرة على مستوى البناء القيمي وتجليات هذا البناء، وذلك من أجل بناء سلطة قيمية داخل الأسرة، مبنية على الحوار والتفاهم وترسيخ القيم. فما يجب أن تركز عليه القيم، تضيف خديجة مفيد، هو إحياء التربية من خلال القدوة، عبر إحياء كل تراث السيرة النبوية المتعلق بالأسرة وإعادة قراءته من جديد وتمثل سلوكاتنا في ضوئه. وتحدث الدكتور عز الدين توفيق، من جهته، عن حقائق خمس تعين على فهم الأسرة في القرآن الكريم، فكل آي القرآن، يوضح الدكتور في المحاضرة التي احتضنت أشغالها القاعة الثقافية بمقاطعة الصخور السوداء، يخاطب الأسرة لأنها قطعة من المجتمع، فهو يوجهها ويقومها ويرشدها وينير لها الطريق بكل سورة وبكل آية، كما أن القرآن بدأ بتعريف الإنسان لمعرفة من يخاطبه بأحكامه وتشريعاته، وأدخل الزوجية في تعريف الإنسان. والحقيقة الثالثة هي كون القرآن لم يثبت سوى ما يهدى إليه الإنسان بفطرته، وكل التعاليم التي جاءت بشكل مباشر أو غير مباشر تؤمن وتصدق بالفطرة، أما الحقيقة الرابعة فهي أن الأسرة وحياتها معدودة في قسم العادات والمعاملات. فيما ركز الدكتور عز الدين توفيق في الحقيقة الخامسة على أن الصورة التي رسمها القرآن للأسرة المؤمنة في صورة مشرقة تكاد تكون مثالية، ولكنها صورة واقعية ممكنة التحقيق. وفي موضوع نحو اجتهاد مقاصدي للأسرة، أبرز الدكتور فريد شكري دواعي الاهتمام بهذا الموضوع باعتبار المنهج المقاصدي منهجا قرآنيا، ثم استخلص مقاصد الشريعة في أمرين: من نصوص كلية ثم من خلال استقراء آيات جزئية في مواضع جزئية في موضوع الأسرة، موضحا ذلك عبر مجموعة من الأمثلة. وخلص فريد شكري في هذه الندوة التي نظمتها المنظمة النسائي يوم 15 ماي الجاري، وافتتحت بقراءة الفاتحة ترحما على ضحايا أحداث 16 ماي الإجرامية، إلى أن البوصلة التي يمكن أن تصيب أو تخطئ، وتجعل أقوال علمائنا قريبة أو بعيدة من الحياة والواقع هي مقاصد الشريعة في الإسلام عموما وفي موضوع الأسرة خصوصا. عزيزة الزعلي