ما إن يتنفس يوم جديد في الدارالبيضاء حتى ترى الحشود تهرع في اتجاه علامة الدارالبيضاء الكبرى، مسجد الحسن الثاني الذي يقام بجانبه المعرض الدولي للكتاب منذ الجمعة الماضية. يمكنك أن تستشعر أن هناك حدثا بالمدينة منذ النزول في محطة القطار، حيث يتنادى أصحاب سيارات الأجرة باسم معرض الكتاب، مستغلين هذه الفرصة التي يتيحها الرواج في المعرض لحشر ثلاثة أشخاص في السيارة قبل انطلاقتها. في مداخل المعرض يبذل رجال الأمن على ما يبدو مجهودات مضاعفة لتفادي عرقلة السير والازدحام الذي قد يتسبب فيه الإقبال الكثيف على جنبات المعرض. في الداخل يمكن للزائر أن يتجول داخل أروقة المعرض التي يعرضها 668 عارضا؛ بأريحية إذا كانت زيارته في وسط الأسبوع ابتداء من الاثنين، أو في الصباح الباكر. أما في المساءات وأيام السبت والأحد فإن المعرض يعرف إقبالا كثيفا لدرجة يصعب معها التحرك بسلاسة في ممرات المعرض. يبلغ الأمر أحيانا أن بعض دور النشر المعروفة مثل المركز الثقافي العربي تقوم بمنع الزوار من ولوج رواقها عند بلوغ عدد معين، وذلك من أجل القدرة على التعامل معهم، وإدخال فوج آخر بعد خروج الأول. فضاءات أرحب يحدث هذا على الرغم من كون هذه السنة تعرف أروقة اكثر مساحة، وممرات أكثر اتساعا من الدورة السابقة. ويفسر مدير المعرض حسن الوزاني ذلك بكون الوزارة لم تراهن هذه السنة على تحقيق رقم قياسي في عدد العارضين المشاركين، في الوقت الذي عملت على محاولة القيام بتدبير أفضل للفضاء رغم صغر المساحة الإجمالية للمعرض. ولا يخفي الوزاني أن هذه السنة عرفت نقصا في عدد العارضين مقارنة بالسابق حيث تم رفض طلب 103 ناشرا نظرا لاعتبارات مهنية ونظرا لعدم استيفائهم المعايير المطلوبة في دفتر التحملات، وهو ما ساهم في توسع بيّن نوعا ما في المعرض مقارنة بدورات سابقة. هكذا يقدم المعرض في الدورة الحالية، عرضا ل120 ألف عنوان، وبأزيد من 3 ملايين نسخة، وذلك حسب المعطيات المقدمة من قبل إدارة المعرض، مع الإشارة إلى أن 54% من العناوين المعروضة يعود تاريخ إصدراها إلى الثلات سنوات الأخيرة. وتتوقع إدراة المعرض أن تعرف هذه الدورة نجاحا، حيث يصرح حسن الوزاني أن الأيام الأربعة الاولى من المعرض، تؤشر على نجاح الدورة حيث عرفت -برأيه- إقبالا كثيفا في الأيام الأولى من المعرض خاصة يومي السبت والأحد، ومن مختلف الفئات العمرية. معتبرا أن إعطاء رقم آني عن عدد الزوار أمر سابق لأوانه في الوقت الذي يمكن التذكير بأن دورة السنة المنصرمة سجلت زيارة 340 ألف زائر. زيارات جماعية يشكل المعرض الدولي للكتاب محطة ثقافية بامتياز، يمكن أن تشد الرحال من أجلها من مدن مختلفة. هكذا ينفر الناس من مختلف المدن المغربية فرادى وجماعات لإدراك حظوظهم المختلفة من معرض الكتاب بالمغرب. عدد منهم ياخذ حظا وافرا من الكتب والعناوين المهمة التي لا تتوفر في مدينته، والبعض الآخر يحج لملاقاة الكتاب والأدباء وإحياء صلة الرحم الثقافية، فيما يكتفي آخرون بزيارات استطلاعية من باب الفضول ليس إلا، لكن الجميع لا يخرج خالي الوفاض بكتاب أو اثنين على الأقل. لا يقتصر الأمر على التلاميذ والأطفال الذين لم تخل أيام المعرض من زياراتهم الجماعية والمنظمة من قبل المؤسسات، ولا على طلبة المعاهد والمؤسسات الجماعية الذين عادة ما يتدبرون رحلة جماعية للمعرض والمحظوظون منهم تساهم مؤسساتهم الجامعية معهم في توفير وسيلة نقل للمعرض؛ لكن حتى كبار السن أيضا كما هو الحال مع فوج من كبار السن الذين لفتوا الانتباه يوم الاثنين 15 فبراير 2016 وهم يتجولون جماعة في المعرض. لم يكونوا إلا متقاعدين من الرباط عاودهم الحنين إلى ملاقاة خير جليس. حجب كتب تفاجأ بعض الزوار بعناوين معروفة لكتب لم يجدوا لها أثرا في المعرض الدولي. أحد المشرفين عن العرض قال للزبناء إن الكتاب الذي سألوا عنه تم حجبه من العرض، فيما للوزارة رأي آخر. فقد أكد مدير المعرض حسن الوزاني أن اللجنة المشتركة بين وزارة الثقافة ووزارة الاتصال ووزارة الاوقاف والشؤون الاسلامية، قامت وفي إطار مهمتها في مراقبة العناوين المعروضة؛ بالتحفظ على عدد من العناوين وصفها بالقليلة، لكن في المقابل هناك عناوين أخرى لم يتم حجبها وإنما هي في طور المراجعة وسيتم إرجاع عدد كبير منها للعرض. وعن نوعية الكتب المحجوزة قال الوزاني إنها لا تتعدى في غالبها بعض المعاجم التي تتضمن خرائط مغربية غير مكتملة وهي لائحة محدودة جدا، يضيف المتحدث. فلسطين دائما هنا في أقصى المعرض كان الزوار يدخلون تباعا إلى إحدى الأروقة لالتقاط صور مع الصورة الحائطية الكبيرة المعلقة في الداخل. يتناوب على المكان أطفال وفتيات وشبان أساسا يرفعون شارة النصر مع ابتسامة تليق بالصورة. لم يكن الرواق إلا لوكالة بيت مال القدس، ولا الصورة إلا للمسجد الأقصى الذي وجد له فضاء في ساحة المعرض الدولي للكتاب، كما في قلب زوار المعرض. وعلى أصوات أناشيد الفلسطينية ميس شلش التي تنبعث من مكبرات الصوت، كان عدد من الزوار يقتنون بعض التصميمات الرمزية أو الأقلام المخصصة لدعم فلسطين، فيما فضل آخرون التبرع مباشرة بالصندوق المتواجد عند باب الرواق أو عند مدخل المعرض والخاصة بدعم الأقصى. يقول المشرف على الرواق إن هناك إقبالا معتبرا على الرواق الذي يمثل قضية أساسية بالنسبة للمغاربة، معتبرا أن الهدف هو التواصل مع الزوار حول القضية والتعريف بالأقصى وقضية فلسطين وشرح سبل التبرع لدعم المقدسيين. ويرى المشرف على الرواق، أنه في الوقت الذي يلمس حبا كبيرا للقضية، هناك جهل معرفي فيما يتعلق بالمعطيات حول الأقصى، وهو ما يحاول شرحه للزوار عبرالصور والوثائق التي يتضمنها الرواق. مهن لعشرة أيام ليس المعرض للكتاب فقط. بل هناك مهن وفرص شغل محدودة في الزمان يتيحها المعرض انطلاقا من المشرفات على التنظيم في قاعة الندوات التي يعرض فيها البرنامج الثقافي، إلى القائمات على الأروقة والعرض أغلبهن شابات في مقتبل العمر من العاطلات عن العمل أو الطالبات. بعضهن يأتي كل سنة مع دور نشر معروفة، وبعضهن جاءت به الدورة 22 للاشتغال في المعرض والحصول على تعويضات قد تغطي له بعض المصاريف. بالمقابل يمكن معاينة العشرات من الشباب والرجال يساعدن العارضين في شحن الكتب أو حملها وتفريغها، مقابل أجر يتم الاتفاق عليه. ليس هؤلاء فقط وإنما عدد من عاملات النظافة، والمشتغلات في محلات الوجبات والأكل، وحراس السيارات وغيرها، ما يعني أن سوقا معتبرة للرواج التجاري والعمل اليومي تفتح في وجه عدد من الباحثين عنها، إلا أنها لا يمكن أن تدوم لأزيد من عشرة أيام.