زار منزله والتقي أبناءه قبيل استشهاده تعكس اللحظات والساعات الأخيرة في حياة الشهيد الدكتور عبد العزيز الرنتيسي، قائد حركة حماس في قطاع غزة طيبة الرجل ورقة قلبه وحبه لعائلته، كما تعكس انشغاله بهموم شعبه وقضيته ووطنه. وخلافا لما يروج له البعض أن الشهيد لم يكن يتخذ الاحتياطات الأمنية، فإنه كان يأخذ الحيطة والحذر في حدود المستطاع فهو كان يغير أرقام هواتفه باستمرار، ويغير سيارته التي تنقله البعض من باب الأخذ بالأسباب مع قناعته التامة كما قال في أكثر من موقع أنه لا راد لقضاء الله وقدره. وإضافة إلى الوسائل السابقة فقد قلل الشهيد مؤخرا من ظهوره على شبكات التلفزة وأمام الصحفيين، وتغيير مكان إقامته، كما وضع الجهاز الأمني لحركة حماس مؤخرا وحراس القادة في حالة من التأهب والحيطة وهو ما مكنهم قبل أسابيع من إحباط محاولة لاغتيال باعتقال مجموعة من العملاء. لكن روحه الشهيد الجهادية واعترازه بأنصاره كان يدفعه إلى مشاركة أنصار حركة حماس في فعالياتهم والسبب كما قال "قائد حركة بحجم حركة حماس لا يمكنه مواصلة الاختباء والتخفي، وانه لا بد من الالتقاء بجمهور الحركة". لقاء أسرته قبيل استشهاده بسويعات أصر الشهيد القائد على العودة إلى بيته في حي النصر الذي تركه نهائياً قبل عدة اشهر رغم تحذير مرافقيه وأسرته له وتحديدا زوجته. وحسب مقربين منه فإنه حن إلى بيته وأصر على رؤية أفراد عائلته الذين اجتمعوا معا في هذا اليوم فكان هناك بناته الخمس وجميعهن متزوجات، وأحفاده الذين ألحوا على أمهاتهم أن يقصدوا بيت الجد عساهم يلقونه هناك. وحسب مصادر مقربة من الشهيد فإن زيارته الأخيرة لهذا المنزل استمرت منذ عصر الأحد وحتى قبيل العشاء حيث اطمأن على أخبار بناته اللواتي مضت عدة أسابيع على آخر لقاء بينه وبينهن، وتناقش الجميع في هذا اللقاء ترتيبات زواج النجل الأكبر للشهيد "محمد" الذي عقد قرانه قبل نحو أسبوعين، ثم غادر حيث ينتظره القدر وحيث حفل زفافه إلى الحوار العين قبل حف زفاف نجله. موعد مع الشهادة وخلال مكوثه في منزله طلب منه أحد مرافقيه مغادرة المنزل، فأخبره الرنتيسي انه سيؤدي صلاة المغرب جماعة مع نجليه وبناته، ثم يغادر، وبعد أدائه للصلاة كان من المفترض أن ينقل الشهيد في سيارة ن نوع "سوبارو" بيضاء اللون لكن نجله "أحمد" أصر على أن يستخدم أكثر من سيارة بغرض التمويه وإرباك وسائل الرصد الإلكترونية التي تستخدمها المخابرات الإسرائيلية في تعقبه. وظل أحمد الذي كان قد أصيب بجراح خطرة في محاولة الاغتيال الأولى التي تعرض لها والده قبل أكثر من عام، مصرا على أن ينقل والده بسيارة "اودي"، إلى منتصف الطريق الذي يربط شارعي الجلاء والنصر، على أن ينتظر هناك مرافقو والده بسيارة ال"سوبارو". وبعد الإلحاح وافق الوالد الشهيد على خطة ابنه وتم نقله بالطرق المقترحة، لكن القدر كان قريب؛ فما أن انتقل من سيارة الدايو إلى سيارة السوبارو مع مرافقيه الاثنين، حتى وقعت الجريمة ودوى صوت انفجار سمعت أصداؤه في أرجاء غزة وذلك بإطلاق طائرة مروحية إسرائيلية من طراز "اباتشي" صواريخها من طراز "هيل فاير" الحارقة على السيارة. وفي هذه اللحظات انتاب العائلة التي بقيت في البيت شعور أن الانفجار استهدف الدكتور فصرخت إحدى بناته "لقد قتلوا أبي"، فتحولت سعادة لقاء العائلة والأبناء والأحفاد خلال الساعات التي قضاها الوالد مع أبنائه إلى بكاء وحزن وألم. سعادة الشهادة من جهتها تحدثت "أم محمد" زوجة الشهيد الرنتيسي للصحفيين عن اللحظات الأخيرة في حياته قائلة: "كان سعيدا جدا على غير عادته وطوال جلسته معنا قبل دقائق من اغتياله كان يردد أنشودة: أن تدخلني ربي الجنة هذا أقصى ما أتمنى. وأضافت: قبل دقائق من اغتياله كان الشهيد معنا وكانت ترتسم على وجهه علامات فرح غريبة، جعلتني أيقن أن القصف الذي حدث بعد خروجه مباشرة نال منه وأيقنا بعدها انه استشهد قبل أن يذاع الخبر وتؤكده وسائل الإعلام. وتابعت الزوجة الصابرة: كان الشهيد متواجدا معنا قبيل استشهاده ورغم حذره من محاولات النيل منه فقد كان يتوقع أن تطاله صواريخ الاحتلال في أي وقت، لكن رحيله وقبله الشيخ أحمد ياسين لن يضعف المقاومة بل سيزيدها قوة وثباتا، صحيح أنه كان الشهيد مصدر قوة لحركة حماس لكن حين يكتب الله نهاية أجله فان حركة حماس لن تضيع. وأضافت: "الحمد لله الذي منح زوجي ما كان يتمناه، وهنيئا لك يا أبا محمد الشهادة هنيئا جوارك مع النبي صلى الله عليه وسلم ومع الشيخ احمد ياسين ومع المجاهدين.. أنا فخورة واعتز بالشرف الذي ناله زوجي وأقف اليوم في عرسه حيث يزف إلى 72 حورية من الحور العين وتمنت من الله أن تلحقه بالوقت القريب". وعبرت "آسيا" ابنة الشهيد المتزوجة ولديها أربعة أبناء عن فخرها بالمكانة والدرجة التي حظي بها والدها الشهيد وقالت: والدي ربى جميع أبنائه وبناته على حب الجهاد، وزرع في أسرته حب الدين والوطن، ورغم انشغالاته الدائمة لم نشعر بأنه بعيد عنا وكانت حياتنا الأسرية سعيدة وكان دوما يعبر عن رغبته بالاستشهاد ويتمنى الشهادة منذ كنا أطفالا. عوض الرجوب- التجديد- فلسطين