قبيل استشهاده بأيام بعث مراسل التجديد بمجموعة من الأسئلة للشهيد القائد الدكتور عبد العزيز الرنتيسي، قائد حركة المقاومة الإسلامية في قطاع غزة، ونتيجة احتياطاته الأمنية أرسلت هذه الأسئلة بواسطة طرف ثالث، فأجاب عليها الدكتور عبد العزيز الرنتيسي قبيل استشهاده بفترة قصيرة إلا أن الشهادة سبقت إليه قبل وصول إجابته إلينا. الدكتور الشهيد أكد في هذه المقابلة الخاصة أن حركة حماس تزداد قوة باغتيال قادتها، وأن العدو يحاول كسر إرادة الشعب الفلسطيني لكنه سيفشل حتما في ذلك. ونفى الشهيد ما يحاول البعض ترويجه عن وجود خلافات في صفوف الحركة بين الداخل والخارج، مؤكدا أن علاقة قيادات حماس هي في الله ولله، وأنهم يتنافسون على الشهادة وليس على شيء من مال الدنيا الزائل. وحول دوافع مشاركة الحركة في القمة العربية أوضح أن حضور حماس هو الرد المناسب على ما يقوم به أعداء الله وأعداء الإنسانية من تصنيف حركة حماس واتهامها بالإرهاب. وفيما يتعلق بقضية العملاء أكد أنهم يشكلون اليوم خطرا كبيرا على حياة المجاهدين وحياة المواطنين وأن هذا الأمر يحتاج إلى بعض الصبر حتى يتم تجاوز هذه المرحلة الصعبة. وفيما يلي نص الحوار مع الدكتور الشهيد عبد العزيز الرنتيسي: بداية ما هي أولوياتك كقائد لحماس في قطاع غزة؟ نحن نعيش اليوم معركة الارادات، العدو يريد كسر إرادة هذا الشعب الذي استعصى على الكسر رغم ما حل به من أذى على يد الإرهابيين، ونحن من جانبنا نسعى إلى كسر إرادته لنحقق النصر لشعبنا وقضيتنا العادلة، ولا بد من كسب هذه المعركة وسنكسبها أن بإذن الله، وأرى إننا في هذه المرحلة بحاجة إلى توظيف كل طاقاتنا لكسب المعركة، وعلى رأس ما ينبغي أن نوظف من الطاقات وحدتنا في خندق المقاومة، ثم تصعيد المقاومة ضد هذا العدو المفسد، بذلك نستطيع أن نكسر إرادته، ومما لا شك فيه أن الذي يحول دون إعلان العدو الهزيمة رهانه على صراع فلسطيني يؤدي إلى إجهاض مشروع المقاومة، فإذا خاب فأله وسقط رهانه أرى أنه سيعجل بالاستسلام، لا أعني عسكريا ولكن إداريا، تماما كهزيمته في جنوب لبنان. وكيف تصف العلاقة بين قياديي حماس في الداخل والخارج خاصة بعد اغتيال الشيخ احمد ياسين؟ قليلون هم الذين يفهمون طبيعة العلاقة بين عناصر قيادة الحركة في الضفة والقطاع والخارج، قليلون هم الذين يدركون ما يؤلف قلوبنا من حب وأخوة نتسامى بها فوق أعراض الدنيا وأغراضها، قليلون هم الذين يمكن أن يعوا أن التنافس بيننا إنما يكون على الشهادة وليس على القيادة، ونظرا لهذا الفهم الخاطئ من العديد من المراقبين تبرز أسئلة غريبة من هذا القبيل، ثم لا يلبث أن يذهب بعضهم بعيدا ليتحدث عن صراع داخل حماس، ومنهم من زعم أنه قادر على شق صف الحركة، ولكن أما آن لهؤلاء أن ينظروا في الواقع الذي تعيشه قيادة الحركة من علاقة دافئة وحميمة في محضن الحب في الله والاخوة في الله؟ ومن هنا لا أرى أن هناك مجالا لطرح هذا السؤال فالعلاقة بعد الشيخ رحمه الله تماما كالعلاقة قبل رحيله أسكنه الله فسيح جناته، علاقة تعاون وتكامل وتشاور في الأمر كله. ما هو مستقبل حماس بعد الشيخ الشهيد أحمد ياسين؟ لقد أثبتت الأيام أن حركة حماس تزداد قوة باستشهاد قادتها، وكلما كان وزن القائد على الصعيد المحلي والإقليمي والدولي أكبر كلما كان تعاظم الحركة على تلك الصعد أكبر، لقد تعاظمت الحركة بعد استشهاد كل من يحيى عياش وجمال سليم وجمال منصور وصلاح دروزة وصلاح شحادة وابراهيم المقادمة وإسماعيل أبو شنب وغيرهم من القادة الميدانيين والعسكريين الذين لا يتسع المجال لذكر أسمائهم، وتعاظم الحركة سيكون أكبر بعد استشهاد الشيخ المؤسس احمد ياسين الذي يمثل رمزا خالدا للمقاومة والثبات، وكلما تعاظمت الحركة تعاظم دورها، مما يجعلها تستعصي على الكسر، وأقدر على مواجهة التحديات، وإفشال المخططات الرامية إلى تصفية القضية الفلسطينية والوجود الفلسطيني، وأكثر قدرة على لعب دور أكبر محليا وإقليميا ودوليا، وهذا هو ما ينتظر حماس من مستقبل بعد الشيخ رحمه الله. عندما تقدمتم بطلب المشاركة في القمة العربية، هل تعتقدون أن ذلك مجد وما فائدة تلك المشاركة؟ إن حركة بحجم حركة حماس لا بد أن يكون لها حضور في كل محفل يهتم بالقضية الفلسطينية وذلك لمراقبة ما يدور وما يمكن أن يصدر من قرارات، وكذلك ليكون موقف الحركة حاضرا عند اتخاذ أي قرار يخص القضية الفلسطينية، وتقول كلمتها في الوقت المناسب حيث أن كلمة حماس لم يعد لأي كان أن يلقي بها من وراء ظهره، ثم حضور حماس هو الرد المناسب على ما يقوم به أعداء الله وأعداء الإنسانية من تصنيف حركة حماس واتهامها بما يقومون به هم من إرهاب قذر ضد المسلمين في حربهم المعلنة اليوم على الإسلام على قاعدة المثل القائل (رمتني بدائها وانسلت)، ومن الواجب على حركة حماس ومن حقها أيضا بما تمثله من ثقل في الشارع الفلسطيني أن تساهم في وضع حد لتفرد السلطة بالقرارات المصيرية، مما كان له أثره السلبي على مجمل القضية الفلسطينية. متى يمكن أن يتحقق برنامج واحد ووطني مشترك لجميع الفصائل الفلسطينية؟ أعتقد أن هذا الأمر سهل وممكن ولا تشكل حماس على الإطلاق عقبه في سبيل تحقيقه، لأن الذي تريده حماس برنامجا لا يتناقض مع الحقوق الوطنية المشروعة للشعب الفلسطيني، أي أن حماس تريد برنامجا لا يقر بأي تنازل يمس حقوقنا الوطنية المشروعة لصالح القتلة من الصهاينة، برنامجا لا يشكل مكافأة للصوص من عصابات القتل والإرهاب، فإذا التزمنا جميعا بالثوابت وتشبثنا بالحقوق فلن تكون هناك عقبات على الإطلاق في وجه تحقيق هذا البرنامج، وأما إذا بقي الهدف هو ثني المتمسكين بالحقوق المشروعة عن مواقفهم فلا أعتقد أن هناك جدية عن صاحب هذا الهدف بالتوصل إلى وفاق وطني، فنحن نريد الاعتدال بلا إفراط ولا تفريط. ما الذي تطرحه حماس في الحوار الجاري الآن؟ >حماس< تتحدث الآن عن ما بعد احتمالية هروب العدو من قطاع غزة، وسواء كان الهروب سيتم قريبا أم في المستقبل ترى حماس أنه يجب علينا أن نعمل جميعها من أجل صيانة حقوق الشعب الفلسطيني من العبث الذي إذا حدث سيكون من شأنه أن يزرع الإحباط واليأس في نفوس المواطن الفلسطيني الذي قاوم ببطولة، ودفع ثمنا غاليا، وينتظر الآن أن يجني ثمرة جهاده، وأعتقد أن من أهم أهداف العدو أن يخرج هذا الشعب -الذي كان لصموده الدور الأكبر في تفكير العدو بالهروب من قطاع غزة - خاسرا من هذه المعركة التي خاضها ببسالة، ولا يكون ذلك إلا بمصادرة حقوقه من قبل من شغلتهم مصالهم الخاصة عن المصلحة العامة وتنكروا لهذا الشعب وتجاهلوا دوره كما حدث من قبل بعد الانتفاضة الأولى وبعد أوسلو، ولذلك نحن نسعى إلى منع الفوضى والعبث ونسعى إلى صيانة كرامة هذا الشعب، والمحافظة على معنوياته، حتى نستطيع مواصلة معركة التحرير التي هي في أمس الحاجة إلى صمود هذا الشعب، والعدو يحاول أن يمنع الشعب من الحصول على شيء حتى ينشر في صفوفه اليأس والإحباط ليكسر إرادته في الصمود ومواصلة المقاومة وقد ذكرت إننا نخوض معركة الارادات. تحدثت حماس عن مشاركة في صنع القرار الفلسطيني ما المقصود بذلك؟ وهل يمكن أن تشارك في إدارة قطاع غزة و في الأجهزة الأمنية؟ >حماس< تسعى إلى المشاركة الفعلية الفاعلة في كل ما يشكل مصلحة للشعب الفلسطيني، وحتى لا يبقى الفساد ضاربا أطنابه في كل مكان لا بد من مشاركة المخلصين من حماس وغيرها من فصائل المقاومة حتى نوفر لشعبنا ما يستحق من حرية وعدالة وأمن ونظام وتطور ورفاهية ويجب أن لا تكون هذه المشاركة من باب احتواء حماس فالحركة أكبر من ذلك، ولن ترضى إلا أن تأخذ مكانتها التي تستحقها والتي سيكون لها أثرها الإيجابي على القرار الفلسطيني لصالح الشعب والقضية، ولن نتسامح مع سياسة الإقصاء أو الاحتواء. ما المطلوب حتى تشارك حماس في منظمة التحرير؟ المطلوب أن تكون هناك منظمة تحرير فلسطينية فإذا شطبت منظمة التحرير بشطب ميثاقها، وتغيير مؤسساتها وإهمال وجودها عند صناعة القرار فلم تعد تمثل مرجعية للقرار الفلسطيني، فما جدوى المشاركة في جسم مهمل ومغيب، جسد ميت، أو على لأقل يعيش في غيبوبة تامة. فإذا وضع الميثاق الذي لا يتناقض مع الحقوق الوطنية المشروعة للشعب الفلسطيني، وإذا أعيد صياغة المنظمة بحيث تمثل الشعب الفلسطيني تمثيلا نزيها وأمينا، وإذا غدت هي المرجعية العليا التي لا يمكن تجاوزها، وإذا أعيد الاعتبار لمؤسساتها بعد إعادة الصياغة، فسيكون الطريق ممهدا أمام حماس للمشاركة في هذا الجسم الذي إن شئت سمه عندئذ منظمة التحرير الفلسطينية. ما هو أكثر ما يثير مخاوف حركة حماس من المستقبل؟ حماس مطمئنة للمستقبل تماما، وهي على ثقة بقول الله عز وجل (فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض)، فالمستقبل للحق الفلسطيني وسننتصر بإذن الله، والمستقبل للإسلام الذي بدأت بشائره تلوح في الأفق. أما إذا كنت تتحدث عن المستقبل القريب فسيكون هناك تصعيد في مواجهة الاحتلال من جانبنا، وسيعمل الاحتلال على البحث عن بدائل للمواجهة المباشرة بهدف توتير الأجواء داخل الشارع الفلسطيني، وأملنا أن يفشل في مسعاه، فنجاحه في ذلك هو أكثر ما يثير مخاوفنا ونحن نسير نحو المستقبل الواعد بإذن الله. هناك حديث عن مصالحة بين عرفات ودحلان، هل تعتقدون أنهما سيعودان لإدارة الأجهزة الأمنية في الضفة وغزة، وكيف تنظرون لمثل هذه الخطوة إن تمت؟ نحن لا نخشى المصالحة بين عناصر السلطة الفلسطينية، بل على العكس تماما نحن نخشى أن يدب بينهم الخلاف والنزاع الذي سيكون له مردود سلبي على مجمل الحياة الفلسطينية والقضية الفلسطينية، وأكثر ما نتمناه أن يكون التقارب دائما على ما فيه مصلحة الشعب الفلسطيني والقضية الفلسطينية، فمثل ذلك سيؤدي إلى تقارب شامل وعام بين مختلف أطياف الشعب الفلسطيني، ولا يخفى ما لمثل هذا التقارب من اثر جيد لصالح الشعب الفلسطيني والقضية الفلسطينية. ما مدى التوافق بينكم وبين الفصائل الأخرى (اليسارية والوطنية والإسلامية) في العمل ومقاومة الاحتلال؟ الحمد لله أستطيع القول إن التوافق بين حماس ومختلف الفصائل الفلسطينية على أرقى ما يكون، فهناك تنسيق كامل على مستوى لجنة المتابعة،وهناك تنسيق ظهرت نتائجه على مستوى العمل العسكري في ثنائيات وثلاثيات، وهناك لقاءات مستمرة ثنائية وثلاثية ورباعية مع كافة الفصائل الفلسطينية، وكل ذلك يعزز اللحمة الفلسطينية التي سيكون لها آثارها الإيجابية لصالح الشعب الفلسطيني وهو يخوض معركة التحرر الوطني ومعركة الإرادات. يترقب الكثيرون رد حماس على اغتيال الشيخ أحمد ياسين.. فلماذا تأخر؟ أولا الأمر بيد الجناح العسكري وهو أدرى بظروفه، كما أن من حقه أن يحدد مكان وزمان ونوع الرد، وأعتقد أن تأخره فيه مصلحة لا تخفى، فترق الصهاينة للرد له أثر كبير على مجمل حياتهم وخاصة الجانب الاقتصادي والمعنوي، وقد استبد بهم الخوف والقلق الذي شل حياتهم وهم يعيشون فترة انتظار الرد. لماذا لا تحارب حماس ظاهرة العملاء الذين ساهموا في اغتيال العديد من قادة المقاومة الفلسطينية؟ العملاء يشكلون اليوم خطرا كبيرا على حياة المجاهدين وحياة المواطنين، وقد تسبب هؤلاء الخونة المجرمون بقتل المئات من أبناء الشعب الفلسطيني ولا بد من محاكمتهم وتنفيذ حكم الله فيهم، وهذا أمر لن يغيب عن بالنا لحظة واحدة، ولكن الأمر يحتاج إلى بعض الصبر حتى نتجاوز هذه المرحلة الصعبة التي قد يؤدي فيها التصدي لهؤلاء إلى مفسدة أكبر. عوض الرجوب –التجديد-فلسطين