ربما يظن البعض أن كشف عناصر القوة ومكامن الضعف عند حزب العدالة والتنمية من شأنه أن يتيح فرصة لخصومه و المتربصين بمشروعه كي يضربوا في العمق! وإذا كان شيء من هذا واردا، فإن المصلحة في كشف هذه العناصر- وجلها معلوم لدى مسؤولي الحزب-راجحةً؛ أولاً: لأن الحزب ليس منظمة سرية، ثانيا: مشروع العدالة والتنمية أصبح ملكاً للشعب الذي وضع ثقته فيه، ومن حق هذا الشعب أن نشركه آمالنا وآلامنا. ثالثاً:كشف هذه العناصر من بين أهدافه الرئيسة إشراك مناضلي الحزب في وضع استراتيجية لتعزيز عناصر القوة وتجاوز مكامن الضعف . عناصر القوة لدى حزب العدالة والتنمية سنركز على أهم هذه العناصر، وعددها إحدى عشرة: 1 حزب المستقبل:ذلك أن متوسط عمر مناضلي الحزب لا يتجاوز أربعين سنة،وقيادته شابة. 2 مستوى تعليمي مرتفع وكفاءات علمية متنوعة:تكاد تنعدم الأمية في صفوف مناضلي الحزب،ويضم كفاءات علمية في شتى الاختصاصات،وأطر ذات تكوين عالي في مجالات عدّة. 3 الحضور النسوي :رغم الخصاص الجلي في الأطر النسوية،فالمرأة تحتلّ مواقع متقدمة داخل هياكل الحزب ، و تشارك في اتخاذ القرارات ،ورأيها محترم. 4 التخطيط العلمي: يعتمد الحزب في وضع برامجه على التخطيط بأساليب علمية حديثة متطورة. 5 اعتماد آليات الديموقراطية الحديثة: يعتمد الحزب آليات الديموقراطية في اختيار مسؤوليه و مرشحيه،وكذا في أساليب التسيير،ويفوق في ذلك باقي الأحزاب السياسية. 6 قيادة جماعية ونظام مؤسساتي: الأمين العام للحزب له موقعه المتميز،ولكنه لا يستبد بالقرارات لأنه محاصر بالقوانين من جهة،ولأن القيادة جماعية من جهة ثانية،تخضع لمحاسبة دقيقة من طرف أجهزة المراقبة.كما أن الحزب يعمل بنظام المؤسسات على كل المستويات. 7 التعدّدية في الاجتهاد والاختلاف في الرأي: ليس هناك مرجعية علمية أو سياسية واحدة يصدر عنها الحزب في اجتهاداته، بل هناك تنوع وتعددية في الاجتهاد قد تصل إلى حدّ التضاد،مما يشكل مصدر إثراء وغنىً كما أن إبداء الرأي والرأي المخالف مكفول للجميع في حدود ثوابت الحزب التي تشتمل عليها أوراقه. 8 المرجعية الإسلامية: رغم التعددية في الرأي والاختلاف في الاجتهاد فإن مرجعية الحزب الفكرية هي مرجعية إسلامية،ومواقفه السياسية و اختياراته الاستراتيجية تعود بالأساس إلى هذه المرجعية.وهذا لا يمنع الحزب من الاستفادة من التجارب الإنسانية الأخرى،واعتمادها ما لم تتناقض مع مرجعيته الإسلامية . 9 حسم العلاقة بالنظام الملكي: يعتبر الحزب نظام الملكية الدستورية بالمغرب إحدى ركائز الاستقرار المجمع عليها،والملك هو أمير المؤمنين وحامي حمى الملة والدين،وله واجب البيعة والطاعة في المعروف والنصح في حدود الاحترام اللائق بمقامه. 10 نبذ العنف: ينبذ الحزب كل أشكال العنف والحرابة ويشجبها،ولا يراها سبيلاً للتغيير أو الإصلاح،وقد ساهم إلى حدّ بعيد في تطويق هذه الآفة،تأصيلاً وممارسة،قبل أحدات16 ماي وبعدها. 11 وجود الصالحين: الصلاح هنا بمفهومه الضيق،أعني أن الحزب فيه مناضلين يقومون الليل و يصومون النهار وفيهم من يحمل كتاب الله،ومن يذكر الله آناءالليل وأطراف النهار،وفيهم من ينفق إنفاق من لا يخشى الفقر،وفيهم الفقيه العالم الذي تشد إليه الرحال،وهؤلاء رأس مال الحزب،وإن كانوا لا يؤبه لهم!فربّ أشعث أغبر مدفوع بالأبواب لو أقسم على الله لأبرّه. هذا وقد تعمدت إغفال عنصرين أساسين من عناصر القوة التي تميز التنظيمات الإسلامية عن نظيرتها العلمانية وهما:الأخوة في الله و المحبة في الله،ذلك أنني اكتشفت ان السياسة بخلاف الدعوة إلى الله تفسد الود بين الإخوان وتظهر عيوب القلب واللسان وتفتح باب المنافسة على المناصب على مصراعيه،حيث المحكّ الحقيقي للتربية التي تلقاها الفرد في صفوف الحركة الإسلامية. مكامن الضعف عند حزب العدالة و التنمية 1 ضعف الإنتاج الفكري:يضم الحزب في صفوفه طاقات فكرية هائلة بإمكانها تناول ومعالجة معظم ما تعج به الساحة السياسية من قضايا وإشكالات،لو أتيحت لها فرصة التأمل والبحث، ولكنها مستهلكة بالمسؤوليات الحزبية والاجتماعات المارطونية والأسفار. ومن جملة هذه القضايا التي تحتاج إلى بحث وتدقيق :إشكالية العلاقة بين الدين والسياسة، إشكالية الجمع بين دور المرأة في تنمية المجتمع سياسياً واقتصادياً واجتماعياً ودورها في تربية النشء، إشكالية الحريات العامّة . الفن، الخ. 2 افتقاد الحزب لمشروع مجتمعي متكامل: صحيح أن الحزب استطاع أن يحدّد مظاهر الخلل ومكامن الضعف داخل المجتمع، ومن تمّ ترتيب أولوياته في المرحلة الراهنة، وعلى رأسها محاربة الرشوة والفساد المالي والإداري ونهب ثروات البلاد، وهذا كله إلى جانب المطالبة بالإصلاح السياسي ، إلا أن شكل الدولة ومشروع الحزب البديل للخروج من الأزمة غير واضح ! 3 غياب رؤية واضحة لموقع الحزب من الخريطة السياسية: الخريطة السياسية تتقاسمها أحزاب اليمين وأحزاب اليسار والكتلة والوسط.أما حزب العدالة والتنمية فيحمل شعارلا شرقية لاغربية، فهل هذا يتيح له فرصة خلق التوازن داخل المشهد السياسي، أم أنه سيكرس عزلته؟ 4 غياب إعلام قوي يسمح بتصريف مواقف الحزب، والتواصل مع القواعد بشكل مستمر، خصوصا باللغة الفرنسية، حيث النخبة عندنا مفرنسة. 5 الانغلاقية :ليست هناك خطة لدى الحزب لتوسيع قاعدته، ورغم نداءات الأمين العام المتكررة بفتح الأبواب على مصراعيها لمنح العضوية لأعضاء جدد من أجل ضخ دماء جديدة في الحزب، فإن التوجس من كل داخل غريب هو سيد الموقف!! 6 ضعف الفاعلية وتراكم المسؤوليات: باستثناء من يتحمل مسؤولية داخل الحزب، أو مسؤولية الشأن المحلي، فإن جل المناضلين لا يتحركون إلا في المناسبات، كفترة الانتخابات أو عقد المؤتمرات وبالتالي تتراكم المسؤوليات في عنق فئة قليلة تثقل كاهلها وتضعف مردوديتها. 7 حداثة التجربة السياسية: والتي لا تتناسب وجماهيرية الحزب المطّردة التي تدفع به إلى تحمل مسؤولية الشأن العام، لولا ألطاف الله، وتدخل الدولة لتقزيم دوره! 8 ضعف تواصل الحزب مع الجهات الخارجية التي لها تأثير مباشر في صياغة القرار السياسي عندنا. 9 الحزب لا يتلقى إعانات خارجية، ولكنه في نفس الوقت يعتمد بشكل أساسي على مساهمات النواب البرلمانيين والمنحة التي تعطيها الدولة للأحزاب بحسب التمثيلية داخل مجلس النواب.وهذا معناه أن الحزب مرتهن في تحقيق برنامجه لتقلبات سوق السياسة. 10 بين الانضباط والانفلات: قلنا أن من بين عناصر القوة، وجود نظام مؤسساتي للتسيير وآليات ديموقراطية لاستخراج القرار، وقيادة جماعية مراقبة من طرف المجلس الوطني، وحرية لإبداء الرأي. ومع ذلك يبدو أن بعض القيادات المنتخبة الوازنة داخل الحزب، لها نزوع نحو الانفلات من هذه القيود،وابتكار أساليب للاحتجاج غير مبرّرة، ولا هي مفهومة،أقل ما يمكن أن ينتج عنها التشويش على المناضلين، وإتاحة الفرصة لمن يريد الصيد في الماء العكر!!. الدكتور أحمد الشقيري