سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
أحمد الريسوني: يجب التحاور مع من يخالفنا في المذهب أو الملة وليس اعتقاله ومحاكمته الرئيس السابق لحركة التوحيد والإصلاح قال إن الإصلاح الديني بالمغرب يعرف جوانب سلبية كثيرة
قال الدكتور أحمد الريسوني، الرئيس السابق لحركة التوحيد والإصلاح وخبير أول بمجمع الفقه الإسلامي الدولي بجدة، إن محاربة التشيع وشبكات التنصير في المغرب بالاعتقالات والإغلاق غير مجد وغير ممكن، داعيا إلى إعطاء الحرية للجميع وتوسيع ميدان الدعوة. وأضاف الريسوني في حوار مع»المساء» أن هيكلة المجال الديني، التي عرفها المغرب قبل خمس سنوات، تشوبها مجموعة من السلبيات، أبرزها في رأيه محاولة حصر نشاط العلماء بصفة خاصة فيما تخطط له وما تريده وزارة الأوقاف. وانتقد الريسوني حزب الأصالة والمعاصرة ووصفه بأنه تكتل مصلحي فقط لا غير، هدفه الوحيد محاربة حزب العدالة والتنمية. وبخصوص تصريحه السابق حول استعداده للحوار مع معتقلي السلفية الجهادية، قال الريسوني إنه لم يلمس أي جدية في التعامل مع هذا الملف «لأنه ظهر من خلال هذه السنين أنه ليست هناك فكرة حوار حقيقية بين الدولة وبين هؤلاء». - كيف جاء قرار الاستقالة من المجلس الوطني لحزب العدالة والتنمية؟ السبب بسيط جدا، وهو أنني غائب عن المغرب لمدة طويلة، فلا معنى للبقاء في المجلس الوطني للحزب، وطلب إعفائي من العضوية في المجلس يتيح له أن يعوضني، حسب قوانينه الداخلية، والحقيقة أنني حتى عندما كنت في المغرب كانت الأشغال تأخذني، فلم أحضر إلا قليلا جدا من اجتماعات المجلس، فلما ابتعدت عن المغرب وحصل هذا الانقطاع التام، كان لا بد أن أطلب إعفائي، الذي قدمته منذ ستة أشهر تقريبا، لكن الآن بعد اجتماع المجلس الوطني بت فيه، وأعتقد أنهم عوضوني. وحتى عضويتي في الحزب لم أجددها منذ سنوات، فهي في حكم المنتهية. - ألم يطلب منك أن تبقى في المجلس على الأقل بشكل رمزي؟ أنا أصلا كنت في المجلس الوطني للحزب بشكل رمزي، وهذه الرمزية، أولا، استنفدت أغراضها، كما أن بقاء عضويتي في الحزب تقتضي على الأقل نوعا من المتابعة والقرب، وهذا كله منعدم تماما، ثم إنني منذ استقالتي من رئاسة حركة التوحيد والإصلاح، وحتى قبلها، كان أملي وتوجهي ووجهة نظري أن أركز على العمل العلمي. وهناك اعتبار آخر له أثره في هذه الاستقالة، وهو أننا منذ أواخر التسعينيات كان هناك تداخل غير قليل بين الحركة والحزب، ودعم قوي من الحركة للحزب حيث غذته بجميع إمكانياتها. ثم لما رأينا أن الحزب قد وقف على قدميه، وهذا كان سياسة معلنة وليست سرا، بدأت الحركة تنزع يدها عن الحزب وعن شؤونه، وها هو الحزب الآن يأخذ زمام أموره كاملة بيده، وبالموازاة تمضي سياسة التمايز الرمزي والفعلي إلى منتهاها. فهذا عنصر إضافي يؤيد انسحابي من الحزب، وأنا الآن عضو المكتب التنفيذي للحركة، وهذا لم يتغير. - ما هو تقييمك لأداء الحزب حاليا، رغم أنك فككت علاقتك به؟ بطبيعة الحال، أنا لا أتابع مسار الحزب في تفاصيله، صحيح أنني عندما آتي إلى المغرب أستمع من هنا وهناك، وحتى عن بعد هناك قدر من الاهتمام بصفة عامة. وبناء عليه يمكن أن أقول إن الحزب يسير على هدى من ربه، ومستمسك بمبادئه بشكل جيد ومطمئن، خاصة بعد أن صمد في وجه الأعاصير التي هبت عليه في كافة أطوار الانتخابات الأخيرة، وقد ظهرت لي قوة الحزب ورسوخه عندما أنشئ حزب خاص لمحاربته ومحاصرته، وسرعان ما أصبح هذا الحزب الهجين يعتبر أكبر حزب في البلاد بالمعايير المعروفة. فتشكيل حزب خاص جمعت فيه واستخرجت له كل الألوان والأشكال والأدوات من المستودع المخزني ومن خردة الأحزاب اليسارية واليمينية، إلى توظيف الشباب «البلطجية»، إلى تجار المخدرات ورموز الفساد المالي، إلى الباحثين والمدافعين عن أمجادهم ومصالحهم، كل هذا جرى تجنيده وتحزيبه بالدرجة الأولى لمناوءة ومحاصرة حزب العدالة والتنمية، فهذا فعلا يثبت بشكل قاطع أن هذا الحزب له قوته واستقلاليته ونزاهته. - تعني حزب الأصالة والمعاصرة بالطبع. كيف تقيم مساره منذ ولادته؟ ما يسمى بحزب الأصالة والمعاصرة هو تكتل مصلحي يدخل الناس فيه كل حسب مصالحه، فلأقطاب السلطة مصالحهم وحساباتهم، ولأصحاب المخدرات والفساد المالي مصالحهم وتطلعاتهم، ولقدماء الحزبيين، من يساريين ويمينيين، مصالحهم ، فهو تكتل مصلحي انتخابي بالنسبة لعموم أصحابه وفئاته، لكن بالنسبة لقيادته ولفكرته الأساس، فهذا الحزب هدفه وقف تقدم حزب العدالة والتنمية وزعزعته ومنعه من الولوج ومن التقدم أو الرسوخ في مؤسسات الدولة وفي المشهد السياسي. - يقال إن حزب الأصالة والمعاصرة هو حزب يوظف المقدس السياسي في البلاد وهو الملك، لكن حزب العدالة والتنمية يوظف هو أيضا المقدس الديني وهو الإسلام. ما رأيك؟ من الطبيعي أن كل واحد لديه مبادئ سينادي بها، وحتى الدين هناك جهات عديدة تنادي به وتعتمد عليه إخلاصا أو نفاقا، وحزب العدالة والتنمية إنما يتمسك بمبادئه لا غير، فهو لا يكذب على الناس ولا يدلس وليس ذا وجهين. لو كان أصحابه من اللادينيين، أو من محترفي السياسة والصناعة الحزبية، أو لو كانوا بصفة عامة غير متدينين وغير ملتزمين، ثم يخرجون على الناس فجأة رافعين شعارات الدين وشاراته وراياته، مرددين مبادئه وبعض آياته، لقلنا إن هؤلاء يوظفون الدين ويستغلون الدين ويتاجرون بالدين...، لكننا الآن نرى العكس، فهؤلاء الناس يعيشون للدين وبالدين منذ طفولتهم وفي كل حياتهم، ويضحون بمصالحهم ومكاسبهم وفرصهم لأجل الدين ولأجل الصالح العام، ويعرفهم الناس على هذه الحال واحدا واحدا. فهم في الحقيقة يوظفون أنفسهم ويستغلون طاقاتهم لدينهم ولمجتمعهم وليس العكس. - بعد خمس سنوات تقريبا من تصريحك حول إمارة المؤمنين، التي أثارت عاصفة من الردود وقتها، هل ما زلت تحتفظ بنفس الموقف؟ نعم، الموقف كما أوضحته سابقا في حينه، وليس كما نشرته الجريدة المعنية وقتها، لأن ترجمة الحوار من العربية إلى الفرنسية، ثم اختصاره ثانيا، أحدث عدة تشوهات، وقد أوضحتها في حينها. فأصل الكلام وأصل الأفكار صحيح، لكن الحذف والترجمة أديا إلى تشويهات معينة. كما أن الصحفي خان الأمانة ونقض ما اتفقنا عليه من موافاتي بنص الحوار قبل نشره للمراجعة، فقام بالتفريغ والترجمة والاختصار، ثم نشر ذلك دون الرجوع إلي كما اتفقنا. وقد تزامن هذا كله مع مناخ معروف وهو أحداث 16 ماي، وهذا ما جعل المسألة في ذلك الوقت تؤخذ على نحو سيء ويكون ما كان، وإلا فالكلام لا غبار عليه، وما قلته آنئذ وما وضحته وقتها أفكار ثابتة ولا تغير فيها. - خلال الخمس سنوات الأخيرة حصل تحول واسع في المؤسسة الدينية الرسمية من خلال ما سمي بإعادة هيكلة الحقل الديني. كيف تقيم هذا الإصلاح؟ حقيقة وبكل صراحة، عرف الإصلاح الديني عناصر إيجابية كثيرة، ولكن هناك بعض العناصر السلبية التي تلازمه لأنها جزء من نظرة السلطة وبعض المسؤولين إلى الدين نفسه، أما الإيجابيات فهي أن النشاط الديني توسع وتنوع، بالنسبة للمجالس العلمية ولوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، ووقع ذلك أيضا على مستوى الجاليات المغربية في الخارج، كما حصل هناك تطور إعلامي، وانطلاقة واعدة للتعليم العتيق...، فهذه كلها وغيرها من العناصر التي لا تحضرني الآن عناصر إيجابية لا شك فيها. فضلا عن تحسين أوضاع القيمين على المساجد ... - وماذا عن السلبيات؟ أما السلبيات فأبرزها محاولة حصر نشاط العلماء بصفة خاصة فيما تخطط له وما تريده وزارة الأوقاف، فهذا شيء سيء جدا، لأن العالم إذا أصبح خاضعا لتحكم بعض الإداريين والسياسيين، بمن فيهم الوزراء والمدراء، يفقد صفة العالم ويصبح مجرد موظف ومساعد ديني، فتحويل العلماء إلى مجرد موظفين وأعوان دينيين يتقاضون رواتب ومكافآت ليقولوا كذا ويسكتوا عن كذا أمر سيء للغاية، وأنا قلت وأقول إن علماءنا يستحقون الثقة ويستحقون التعويل عليهم وعلى اجتهاداتهم ومبادراتهم، فهم لا تنقصهم الوطنية ولا الإخلاص ولا الوعي بالمصلحة الوطنية، وليسوا بحاجة إلى دروس في الإملاء. - البعض يقول إن الدولة مهمتها هي تدبير الدين وليس فرضه، إذ هناك من يرى أن الدولة، أي دولة، لا يمكنها أن تفرض مذهبا معينا على الناس وحملهم على نحلة واحدة. الحقيقة أنه يجب أن نفرق بين حمل الناس على مذهب واحد، وبين خدمة الدولة للوحدة المذهبية بدون إكراه، فخدمة الوحدة المذهبية بدون إكراه شيء جيد للمغرب ولكل بلد، لكي تقل فيه الصراعات والانشقاقات المذهبية والدينية، فالمغرب أنجز عبر تاريخه الطويل منذ أن دخله الإسلام إنجازا كبيرا جدا هو هذه الوحدة المذهبية، هذا شيء لا يمكن الاستهانة به، ولا تكاد تحظى به دولة إسلامية أخرى إلا القليل جدا، فدعم هذا المكتسب ما أمكن بالعلم والتثقيف وإفساح المجال للعلماء وبجميع الوسائل شيء جيد ولا غبار عليه، وجميع العلماء والمثقفين الإسلاميين على هذا الرأي، ولا أظن أحدا يمكن أن يقول نحن نريد الحنبلية والحنفية والشيعة والوهابية وما إلى ذلك، فنحن راضون بالمذهب المالكي أشد ما يكون الرضا، لكن طبعا دون إكراه، لأن الإكراه لن يأتي بنتيجة، خاصة في هذا العصر، لأن الإكراه العقدي والفكري اليوم أصبح ضربا من العبث. - الإصلاح الديني الجديد في المغرب كما هو معروف يتضمن دعم التصوف والزوايا الصوفية، كيف ترى هذا التوجه الجديد للدولة؟ هذا أيضا يقال فيه ما قيل عن الوحدة المذهبية، لأنه جزء من هذه السياسة، غير أنه بخصوص التصوف فالسياسة المتبعة الآن تؤدي إلى إفساده ونقض أسسه، لأن التصوف في جوهره يقوم على الزهد والبعد عن الدنيا والاجتهاد في العبادة والاستقامة، لكن الآن بعض الطرق الصوفية وشيوخها أصبحت تتطلع إلى الامتيازات والمناصب والأظرفة المالية والمؤتمرات المتخمة بالعطاءات والموائد والطابع الاحتفالي، فهذا إفساد للتصوف تماما، لأنه إذا كان شيء من هذا مفهوما ومألوفا بالنسبة للأحزاب باعتبار أنها تسعى إلى تدبير الشأن العام، فالتصوف ليس كذلك، فالتصوف بدأ من أول العصر مبتعدا عن السياسة، ورد فعل على الانغماس في الدنيا وزخرفها. - مؤخرا خاض المغرب مجموعة من الحملات ضد الفكر الشيعي في المغرب.كيف تنظر إلى الأمر؟ كما أننا لا نريد نشر المذهب الأشعري ولا المذهب المالكي، رغم رسوخه في هذا البلد بنوع من الضغط والإكراه، فكذلك لا نريد أن نحارب مذهبا فكريا أو فقهيا بالإكراه والاضطهاد والقمع والمنع، لأن هذا أيضا غير ممكن وغير مجد، خاصة أن الدولة كانت تبدو إلى وقت قريب مرحبة بالنشاط الشيعي وبالوجود الشيعي الطارئ بالمغرب، ربما لأنه يدخل في إطار عملية الضرب والتضارب بين المجموعات، بحيث ينفي بعضها بعضا ويكسر بعضها بعضا ويضعف بعضها بعضا، إلى أن جاءت قضية البحرين والموقف المغربي منها فدخل هذا العنصر ليغير هذا الواقع لأسباب وإشكالات سياسية ودبلوماسية حصلت بين المغرب وإيران. وعلى كل فالتشيع وأي قضية فكرية ومذهبية أخرى - بما في ذلك التنصير - لا يمكن محاربتها بالاعتقالات والمنع وما إلى ذلك، بل بإعطاء الحرية للدعاة ونشر المدارس الإسلامية وإعطاء الحرية للجميع وتوسيع ميدان الدعوة والتثقيف الصحيح.لكن من جهة أخرى، لا بد من منع العمل السري والنشاط السري لهذه الدعوات الوافدة، لأن العمل السري، أصلا، مخالف للقانون، وفيه نوع من الاحتيال والتآمر، ولذلك نريد أن يكون الذين تشيعوا، ومن باب أولى الذين تنصروا، أو القائمون بالنشاط التنصيري، معروفين في قراهم وأحيائهم وعائلاتهم ومؤسساتهم المهنية والتعليمية، وحينئذ فالمجتمع كفيل بأن يتحاور معهم ويتفاهم معهم ويدبر أمره مع أبنائه بطريقته. لكن حينما يعملون في السرية ودهاليزها، والذي يعرف هذه السرية وما وراءها هو الدولة وأجهزتها الأمنية، حينئذ نطالب بالكشف عن المستور، بل حتى المحاكمة هنا تصبح سائغة، ليس لكونهم تنصروا أو دعوا إلى المسيحية، بل لأنهم يعملون في تنظيم سري داخل القرى والأحياء والمدارس . مع العلم أننا في زمن لا بد فيه ولا مفر من أن يكون عندنا من كل شيء شيء. لقد مضت على المغرب قرون لم يكن فيه شيعي واحد ولا خارجي ولا معتزلي واحد. الآن عندنا ما هو أكثر من ذلك بكثير: عندنا ملحدون وشيوعيون ونصارى وبهائيون وقاديانيون وإباحيون وشواذ جنسيون علنيون، وعندنا عبدة الشجر والحجر وعبدة الشيطان، وغير ذلك مما هب ودب في عالم اليوم. - لكن القانون المغربي يمنع هذه الأنشطة بدعوى أنها تزعزع عقيدة المسلمين. أولا، أنا أعبر عن رأيي. ربما يكون القانون المغربي في هذه القضية متخلفا وغير مواكب للواقع المعاصر، فكثير من القوانين تعود إلى عشرات السنين، وهذا شيء معروف، ورأيي أن إنسانا يدعو إلى عيسى أو موسى أو إلى .. وإلى.. فهذا الشخص نتحاور معه، نرد عليه، نملأ الفراغ الذي يستغله...لكن لا يمكن ولا ينفع أن تكون هناك محاكمات ولا اعتقالات ولا إغلاق مقرات إذا كانت قانونية. نعم هناك بعض الحالات لا بد أن يتدخل فيها القانون والدولة بشكل صريح، مثل التغرير ببعض القاصرين أو خداع بعض المحتاجين والمضطرين، أو التجسس والتخابر لفائدة جهات أجنبية. - من ضمن الإصلاحات التي جاء بها مشروع إعادة هيكلة الحقل الديني في المغرب إنشاء هيئة عليا للإفتاء، لكن الهيئة ما زالت شبه جامدة وهناك قضايا لم تبت فيها حتى الآن. كيف تفسر هذا الأمر؟ قبل خمس سنوات أو ست، عندما أنشئت هذه اللجنة التابعة للمجلس العلمي الأعلى قلت إنها ليست لجنة للإفتاء، لأن طبيعة الأمور في المغرب، وطبيعة هذا المجلس السكونية، وتبعيته التامة للمتطلبات السياسية، والحرج الذي يجده أعضاء المجلس إذا أرادوا أن يفتوا أو يتكلموا حتى بصفتهم الشخصية... كل هذه الاعتبارات تجعل عدم الإفتاء واللوذ بالصمت الخيار الذهبي للعلماء الرسميين. والعجيب أنهم حينما استفتوا في قضية الربا بعد الضجة التي أثيرت على فتوى الشيخ يوسف القرضاوي بقيت فتواهم سرية، مع أن عامة الناس كانوا ينتظرونها. ولأول مرة في التاريخ نسمع عن فتوى سرية لا يمكن نشرها ولا ينبغي نشرها. فعمليا، اتخذ المغرب للأسف أداة عقيمة، والأداة العقيمة تفسح تلقائيا المجال للمفتين الآخرين وتسلم لهم الساحة المغربية، مثلما سُلمت مفاتيح عاصمتنا لإحدى المغنيات الأجنبيات. فالفتاوى الآن تأتينا من فوقنا ومن تحت أرجلنا، ومن أيماننا وشمائلنا. - أليس هناك نقاش في سياسة الدولة الدينية، بين جمود هذه الهيئة من ناحية، وكثرة الفتاوى من خارج المغرب، بحيث قد يسيء هذا إلى الوحدة المذهبية للمغرب التي تراهن عليها الدولة؟ هذا حاصل بالفعل، لأن هناك فراغا. وعلى أي حال، فإن دخول فتاوى من الخارج أمر لا مفر منه، فالواقع لا يرتفع وأنتم تعرفون هذا، لكن حين يكون لدينا شيء مقنع كما وكيفا لمواطنينا ولشعبنا، من علمائنا وضمن خصوصياتنا ومذهبنا، ويملأ الفضاء، لأنه يمكن أن تملأ الفضاء ولكن فقط بالضجيج وتنفير الناس، فحين تكون مالئا للفضاء وللساحة بشيء جيد، فهذا سيملأ الفراغ ويلبي الحاجة فعلا، ومن ثَم سيحد من نفوذ الفتاوى القادمة من الخارج ومن مختلف الجهات والأصناف. - أبديت سابقا استعدادك للوساطة في الحوار مع معتقلي السلفية الجهادية. لماذا لم يتم ذلك المشروع؟ لقد عبرت سابقا عن استعدادي للتحاور مع معتقلي السلفية الجهادية، لكن حاليا ليس لدي أي استعداد فعلي لذلك، لأنه ظهر من خلال هذه السنين أنه ليست هناك فكرة حوار حقيقية بين الدولة وبين هؤلاء. وحينما يكون هناك شيء حقيقي وجدي ومعالجة حقيقية لهذا الملف، سواء بمعتقليه أو بمن هم في الخارج- لأن الفكر موجود على كل حال، واعتقال العشرات أو المئات لا يحل المشكلة- وتكون هناك رغبة في معالجة المشكلة، بالطبع سنرحب وندعم ذلك بكل ما نستطيع، لكن الآن ليس هناك شيء جدي، ولا داعي أن نتكلم في فراغ. - قلت سابقا إن ما يسمى في الصومال بالمجاهدين هم مجرد مجانين. كيف؟ نعم كتبت مقالا قلت فيه إنهم «مجانين المجاهدين في الصومال»، فالقتال في الصومال هو قتال جنوني غبي ليس له أي قضية حقيقية، وطبعا القاعدة دخلت على الخط للأسف فزادت الطين بلة. القتال هناك يدور بين أناس كلهم مسلمون وكلهم وطنيون وكلهم مواطنون، وكل ما هناك اختلاف سياسي قابل للتفاهم، وهناك قابلية كبيرة للتحاور والتعايش لدى الطرف الحكومي، بينما في أفغانستان يقاتل طالبان تحالفا دوليا غازيا فيه أكثر من أربعين دولة، أكثر من أربعين جيشا لديها قواتها المقاتلة والمحتلة في أفغانستان. فهناك توجد قضية حقيقية واضحة... الدولة صارت تتجند بكاملها ضد قضايا «تافهة» - لا شك أنك تابعت ملف ما يسمى أمينتو حيدر الذي شغل الناس كثيرا هذه الأيام في المغرب. هل لديك وجهة نظر حول ذلك؟ حقيقة أنني عندما وصلت إلى المغرب قبل بضعة أسابيع، وجدت الناس مشغولين بهذه القضية التي مازلت تتضخم وتتفاعل، والذي أراه في هذه القضية هو أن الدولة المغربية في السنوات الأخيرة صارت تتجند للأسف الشديد بكاملها وتنخرط في قضايا ومعارك ضد أفراد معينين، وضد تصريحات أو تصرفات تكون في أصلها تافهة وعابرة وغير ذات شأن ولا أثر. أنا أظن أن هذه المرأة كان ينبغي أن يبقى مشكلها محصورا بينها وبين الموظف المكلف بختم الجوازات في المطار، دون تضخيم ودون تسييس تريده وتبحث عنه وتسعى إليه هذه المرأة وجماعتها، وكانت المسألة ستنتهي قطعا بين امرأة مسافرة والموظف المختص في الشباك. وما كان ينبغي أن يهتم بها أحد ولا أن يكلمها أحد سوى الموظف الذي تأتي هي إليه إن شاءت، فيوضح لها ما تقتضيه مهمته. أنا أتذكر في هذا السياق مثلا قضية الشيخ المغراوي الذي قال كلمة، فهاجت الدولة وماجت، وتجندت فيها صحافة السب والشتم لأسابيع عديدة، وكذلك قضية عبد العزيز أفتاتي. - هل ترى، من خلال الأمثلة التي قدمت، أن الدولة فاشلة في تدبير بعض الأزمات أو القضايا؟ صحيح هناك قدر كبير من الضعف والهشاشة. لقد أصبحت سياسة الدولة لا تعبر عن الرسوخ والحكمة وبعد النظر، فأي واقعة تقع، وأي ورقة تسقط، قد تجعل الدولة في حالة طوارئ واستنفار. بالمقابل، نحن نتذكر مثلا عندما سمحت الدولة للسرفاتي بالدخول والعودة إلى المغرب لم تقم القيامة ولا اهتزت البلاد، وإنما بدخوله انتهى أمره وانطفأ نوره وسكت ضجيجه. إذن فالحكومة أو الدولة نفسها أحيانا تصنع قضايا وهمية ومشاكل وهمية، وتجد نفسها متورطة ومنخرطة في معارك ما كان أحوجها وأحوجنا جميعا إلى توجهيها إلى مواطنيها في الصحراء وفي المغرب كله بالإصلاح والعمل المنتج.