قال الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون، إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون} (المائدة: 90 91). الخمر أم الخبائث ومنشؤها، ورأس المصائب وأساسها، أزهقت بسببها أنفس كثيرة، وشتت أسر عديدة، وشرد أطفال. واستحكمت عداوات، وبذرت أموال وثروات، وضاعت علاقات، وجن عقلاء، وملأت مشاكلها المحاكم، ودوخت القضاة. وبالجملة، فإن مآسي الخمر أكبر من أن يتخيلها ذهن متخيل، وما يسببه شخص مخمور لزوجته وأبنائه وأمه وأبيه وجيرانه من مشاكل كاف لتصور مدى خطورة الخمر على المجتمع بكامله، وقد كنت قرأت مرة رسالة استغاثة عاجلة من أسرة فيها شخص مدمن (في مجلة البشائر) تخص بعضا من تلك المآسي في عنوان الرسالة، والذي هو: أسرة تموت!!. هذه الكارثة (الخمر) أدركت بعض الدول خطورتها، وما تسببه من مشاكل فقامت ببعض المحاولات وإن كانت فاشلة لمنع الناس من شربها، وعلى عكس تلك المحاولات ما يوجد في بلدنا المسلم، ونحن نعلم أن الخمر حرمها الله ورسوله، وأجمع علماء الأمة على ذلك، بل إن الإسلام لعن كل من يدور في فلكها من قريب أو بعيد، وأوجب الحد على شاربها، وحرم الجنة على مدمنها، وحرم ثمنها كما حرم شربها. وأعجب من ذلك أن يتحدث المتفيقهون عن أن القرآن الكريم لم يقل إن الخمر حرام، وأن ذلك مجرد اجتهاد فقهي! فيالها من سخافات تدل على جهل أو زندقة أصحابها. إن الله تعالى أمر باجتنابها، يدل على أكثر من لفظ التحريم واعتبرها رجسا من عمل الشيطان، وحكم جمهور العلماء بنجاستها، وأجمع المسلمون على تحريم بيعها، وبين المولى سبحانه أنها قرينة الشرك، وأن الفلاح معلق على عدم قربها، كما بين سبحانه أنها سبب في وقوع العداوة والبغضاء بين الأخلاء والأصدقاء، بل وبين الأزواج والأبناء والآباء. كما أنها سبب في الصد عن ذكر الله وعن الصلاة.. فيا قومنا بعد هذا كله: هل أنتم منتهون عن الخمر صناعة وبيعا وشربا وغير ذلك؟ تأملوا جيدا حال الصحابة رضي الله عنهم في هذه المسألة: 1 روى غير واحد من أصحاب السنن أن عمر رضي الله عنه كان يقول: اللهم بين لنا في الخمر بيانا شافيا، فلما نزلت آية المائدة، دعي فقرئت عليه، فلما سمع قوله تعالى في آخرها (فهل أنتم منتهون) قال على الفور: انتهينا انتهينا.. 2 عن أنس بن مالك قال: بينما أنا أدير الكأس على أبي طلحة وأبي عبيدة بن الجراح وأبي دجانة ومعاذ بن جبل وسهيل بن بيضاء حتى مالت رؤوسهم من خليط بسر وتمر، فسمعت مناديا ينادي: ألا إن الخمر قد حرمت، قال: فما دخل علينا داخل ولا خرج منا خارج حتى أهرقنا الشراب، وكسرنا القلال، وتوضأ بعضنا، واغتسل بعضنا، وأصبنا من طيب أم سليم، ثم خرجنا إلى المسجد، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ (يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون، إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون). 3 عن أبي بريدة عن أبيه قال: بينما نحن قعود على شراب لنا ونحن على رملة، ونحن ثلاثة أو أربعة، وعندنا باطية لنا ونحن نشرب الخمر حلا، إذ قمت حتى آتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلم عليه، إذ نزل تحريم الخمر: (يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر إلى قوله فهل أنتم منتهون)، فجئت إلى أصحابي فقرأتها عليهم إلى قوله: (فهل أنتم منتهون) قال: وبعض القوم شربته في يده قد شرب بعضها، وبقي بعض في الإناء تحت شفته العليا كما يفعل الحجام، ثم صبوا ما في باطيتهم، فقالوا: انتهينا ربنا<. ذ. امحمد العمراوي