لقد قال امرؤ القيس حين بلغه خبر مقتل والده: لا صحو اليوم ولا سكر غدا، اليوم خمر وغدا أمر وصارت قولته مثلا يذكر لكل من كان في شأن وبلغه ما يصرفه عنه لكنه أجل ذلك إلى حين ... ، ولقد وفي امرؤ القيس بما قال إذ حلف على نفسه ألاّ يأكل لحما ولا يشرب خمرا... وكل ذلك كان وهو لا يعلم حكم الشرع في الخمر الذي سيعلمه المسلمون بعد قرون في المدينةالمنورة على ساكنها أفضل الصلاة والسلام . بل إن الحكم النهائي فيها إنما نزل بتدرج حتى صار يضرب مثلا للتدرج في الأحكام فكان أول ما نزل قوله تعالى: يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا (البقرة : 219 ) فكان هذا كاف لكثير من المسلمين للامتناع عن الخمر لما فيها من الإثم الكبير ، ثم نزل قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ الصَّلاَةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى حَتَّىَ تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ (النساء : 43 ) وكانت الآية كافية لامتناع فئة عريضة وأوسع من سابقتها لكي لا يحول الخمر بينها وبين الصلاة ثم كانت الآية الحاسمة والمبينة للحكم النهائي في الخمر وبأشد صيغ التحريم وذلك قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللّهِ وَعَنِ الصَّلاَةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ (المائدة :09 ـ 91 ) وأجاب المسلمون ربهم وقالوا بلسان رجل واحد : انتهينا يا رب انتهينا يا رب... ومناسبة هذا الحديث ما جرى بالمعرض الدولي للفلاحة الذي احتضنته مكناس في دورته الرابعة وذلك بتخصيص جناح للخمور برواق فرنسا، وكأن قدر مكناس ان تصير كما يراد لها عاصمة للخمور الأمس واليوم... أما الأمس فمن يستطيع منا أن ينسى تنظيم المجلس الجهوي للسياحة بمكناس لحفل تذوق ام الخبائث وذلك بـ هري المنصور ليلة الجمعة 16 نونبر 2007 في ذات اليوم الذي اتجه فيه المغاربة إلى المصليات طلبا للغيث والتماسا لرحمة الله : وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِن بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ (الشورى : 28 ) أما اليوم فهو ما تأكد من أن المعرض الدولي في دورته الرابعة خصص جناحا للخمر ويتزامن هذا مع ما أنعم الله على بلدنا من سنة ممطرة نرجو ان تكون بداية لدورة تنسينا سنوات الجفاف التي توالت على بلادنا وعانى الناس فيها ما عانوا من متاعب ومصاعب ، فلا الجفاف أثنى المنظمين ولا الغيث أثناهم. أما المشجب الذي تعلق عليه كل المبررات الواهية فهو الحضور الدولي والعلاقات الدولية والوفود الدولية... وقس عليه وهذا من اكبر المغالطات أليس في العلاقات الدولية غير الخمور ؟ هل هذه الوفود الدولية تشترط الخمور للمشاركة؟ هل يستطيع أحد أن ينكر ما تبذله دول عديدة من جهود حقيقية لمحاصرة الخمر والتقليل من مخاطره إذا لم تستطع منعه بالكلية؟ من يستطيع ان ينكر مسؤولية الخمر المباشرة عن حوادث سير في الطرقات وفي البيوت أيضا تكون سببا في خرابها وصدق المجاهد أبو بكر القادري حين كتب : الخمر آفة خطيرة على المجتمع لكن من أنصت إليه وإلى غيره من الغيورين على هذا البلد؟ ثم لماذا هذه الاستفزازات المتوالية لمشاعر المسلمين حيث يشعر المرء ان التطبيع مع الخمر والميسر ماض لا يبالي باعتراض معترض او احتجاج محتج، رغم ما يخلف ذلك من تداعيات سلبية، فهاهي الأزمة المالية العالمية تهدد بكارثة حقيقية والربا أحد أسبابها والله يقول : يَمْحَقُ اللّهُ الْرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ (البقرة : 276 )، ثم ها هو وباء انفلولنزا الخنازير يهدد أرواح الناس والله يقول: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ (المائدة : 3 ) وقبله وباء السيدا والذي يعد الزنا أحد أهم أسبابه والله يقول: وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً (الإسراء : 32 ) ثم السرطان ومن أسباب بعض أنواعه الخمر والتدخين وكل ذلك من الخبائث والله يقول: الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ (الأعراف : 157 ) فإذا وقع