قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون. إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون. وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول واحذروا. فإن توليتم فاعلموا أنما على رسولنا البلاغ المبين) المائدة: 90 92 هذه آية طلبها المؤمنون بعد أن أهلهم الله إلى ذلك تأهيلا وفق منهجه الحكيم سبحانه، واستبشروا عند نزولها واستجابوا لربهم وقالوا انتهينا يا رب، انتهينا يا رب. فقد جاءت الآية لتبين البيان الشافي والجواب الوافي عن حكم الخمر والميسر. وقد سبق السؤال عن حكمهما في قوله تعالى: (يسألونك عن الخمر والميسر) البقرة: ,219 فكان الجواب بما ناسب البداية: (قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما)، وظهر لذوي البصيرة أنه مدخل للجواب، فقد وأورد القرطبي في تفسيره أنها لما قرئت على عمر بن الخطاب قال: «اللهم بين لنا في الخمر بيانا شافيا»، فنزلت الآية التي في سورة النساء وهي قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى)، فدعي عمر فقرئت عليه فقال: «اللهم بين لنا في الخمر بيانا شافيا»، فنزلت هذه الآية وفيها: (فهل أنتم منتهون) قال عمر: انتهينا. وقد صارت الخمر بعد ذلك أوضح مثال يضرب في باب تدرج الشريعة في التحريم. وهنا نذكر بقاعدة هامة من قواعد التفسير وهي جمع كل الآيات ذات الصلة بالموضوع الواحد من أجل سلامة الفهم والاستنباط. فقد مر حكم الخمر بمراحل، كل مرحلة تمهد للتي تليها، إلى انتهى إلى التحريم النهائي في الآية موضوع هذا النداء. وقوله تعالى: (إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون)، نهي صريح لعباده المؤمنين عن تعاطي الخمر والميسر والأنصاب والأزلام، فأما الخمر فمعلومة وهي كل ما أسكر، وأما الميسر فهو القمار بكل أشكاله، وأما الأنصاب فهي حجارة كانوا يذبحون قرابينهم عندها، وأما الأزلام فهي قداح كانوا يستقسمون بها. وكلها أعمال زينها الشيطان للعباد فأضلهم بها وصرفهم عن سواء السبيل. أدلة تحريم الخمر ومن مظاهر الجرأة والافتراء على الله قول بعضهم: كيف علمنا التحريم والآية إنما فيها أمر بالاجتناب؟ وهذا الكلام يتردد على أكثر من لسان، والجواب المختصر في مثل هذه الحالة أن نقول: لن يستقر شيء في الأذهان إذا احتاج تحريم الخمر إلى بيان. وإذا كان ولا بد من شيء من التفصيل فيحسن توضيح بعض الأمور، فنقول: إن التحريم في الشريعة لا يشترط فيه أن يأتي دائما بصيغة واحدة هي حرمت وأحرم وكل ما اشتق من حرم. ومن قال ذلك أسقط من المحرمات الكثير. إن المأمور باجتنابه في الآية ليس الخمر، وإنما الرجس من عمل الشيطان والخمر منه، ثم ألا نكلف أنفسنا بعض التأمل لننظر لباقي الأعمال التي اجتمعت مع الخمر في هذه الآية، أعني الميسر والأنصاب والأزلام، أيشك عاقل أنها من أشد الحرام؟ ويكفي في تحريم الخمر أن يعلم أنها كما قال تعالى: (رجس من عمل الشيطان) قال ابن عباس: أي سخط من عمل الشيطان. وقال زيد بن أسلم: أي شر من عمل الشيطان (فاجتنبوه) الضمير عائد إلى الرجس، أي اتركوه (لعلكم تفلحون). ومن بين المفسرين الذين تتبعوا قرائن التحريم في الآية الزمخشري في كتابه الكشاف فقال: «أكد تحريم الخمر والميسر وجوهاً من التأكيد، منها تصدير الجملة بإنما، ومنها أنه قرنهما بعبادة الأصنام، ومنها أنه جعلهما رجساً، كما قال: (فاجتنبوا الرجس من الأوثان) الحج: ,30 ومنها أنه جعلهما من عمل الشيطان، والشيطان لا يأتي منه إلا الشر البحت، ومنها أنه أمر بالاجتناب، ومنها أنه جعل الاجتناب من الفلاح، وإذا كان الاجتناب فلاحاً كان الارتكاب خيبة، ومنها أنه ذكر ما ينتج منهما من الوبال، وهو وقوع التعادي والتباغض بين أصحاب الخمر والقمار، وما يؤديان إليه من الصد عن ذكر الله وعن مراعاة أوقات الصلوات». ففي هذه الآية دليل صريح على تحريم الخمر لما تضمنه الأمر بالاجتناب من الوجوب وتحريم الصد، ولما تقرر في الشريعة من تحريم قرب الخمر بكل أنواع القرب. ثم قال تعالى: (إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون)، فبين تعالى آثار الخمر على الفرد والمجتمع، وخص منها الأشد فتكا، وهي العداوة والبغضاء والصد عن ذكر الله وعن الصلاة، فإذا أضيف إليها الخطر الصحي من خلال الأمراض الخطيرة التي يسببها الخمر، علم ما الذي يحذر الله منه مما يريد الشيطان. والأخطار الصحية تكفي وحدها مبررا لتدشين حملة وطنية صادقة لمعالجة هذه الآفة الخطيرة. ولأن الإسلام إذا حرم شيئا حرم أسبابه وكل الطرق المؤدية إليه، روى ابن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لعنت الخمر على عشرة أوجه: لعنت الخمر بعينها، وشاربها، وساقيها، وبائعها، ومبتاعها، وعاصرها، ومعتصرها، وحاملها، والمحمولة إليه، وآكل ثمنها»، رواه أبو داود وابن ماجة. والعجب كل العجب من هؤلاء المدافعين عن الخمر صناعة وبيعا وترويجا ودعاية من خلال المجلات والجرائد كيف يلقون الله؟ وأي رسالة يؤدون؟ ألم يان لهم أن ينتهوا وقد قال تعالى: (ألم يان للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق) الحديد: .16 وكيف يزعمون أنهم بذلك يساهمون في تنمية هذا الوطن وهم ينشرون فيه الخراب؟ هل بالدعاية لما يصد عن ذكر الله وعن الصلاة؟ وللخمر كما هو معلوم آثارها الخطيرة على المجتمع ومن يريد بعض التفصيل فعليه برسالة للأستاذ أبو بكر القادري عضو أكاديمية المملكة المغربية بعنوان: الخمر آفة خطيرة على المجتمع، أعيد نشرها أخيرا ضمن سلسلة الحوار رقم 52 من منشورات الفرقان. إن المغرب يحتاج لجهود أمثال هؤلاء الذين قاوموا الاستعمار ويقاومون آثاره من بعده بما أوتوا من الإمكانات.