سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
عبد العالي العماري منسق مشروع تقييم آثار استعمال المياه العديمة في الزراعة على البيئة وصحة الإنسان ل"التجديد":معالجة المياه ستمكن الفلاحين من توزيع الزراعات وتحسين الأرباح
يعتبر مشروع تقييم آثار استعمال المياه العديمة في الزراعة على البيئة وصحة الإنسان أول مشروع من هذا النوع على المستوى الوطني، وتمتاز منهجيته الجديدة بمقاربة شمولية لمحيط الإنسان من حيث المناخ، النبات، الحيوان، والتربة. وتتفرد كندا بهذه المقاربة، منذ سنة ,1970 ومحورها الأساسي هو معالجة بيئة الإنسان من أجل القضاء على الأمراض الخطيرة، التي تعود أسبابها إلى تلوث البيئة نفسها. وفي حوارنا مع الأستاذ عبد العالي العماري، مهندس دولة في الاقتصاد الزراعي ومنسق مشروع تقييم آثار استعمال المياه العديمة في الزراعة على البيئة وصحة الإنسان، تطرقنا إلى التعريف بهذا المشروع، الذي يقوم بأبحاث ميدانية على دوارين بجماعة المزامزة، واللذين يستعملان المياه العديمة في سقي المزروعات، ويعتمد سكانها على ذلك كمورد أساس لعيشهم، كما تم التطرق في هذا الحوار إلى مضاعفات استعمال المياه العديمة، والأهداف المتوخاة من المشروع المذكور، والمقترحات المقدمة في هذا الباب، وغير ذلك من المواضيع الهامة، وفي ما يلي نص الحوار: بصفتكم منسقا لمشروع تقييم آثار استعمال المياه العديمة في الزراعة على البيئة وصحة الإنسان، كيف جاءت فكرة هذا المشروع؟ بدأت فكرة المشروع تتبلور سنة ,1998 عندما توصلت بمراسلة من مركز البحوث للتنمية الدولية الكندي، إذ أنجزت هذه المنظمة استمارات حول المؤسسات التي يمكنهما التعامل معها، وهذه المنظمة تتعامل مع المغرب ولها 12 برنامجا، وقد أعدت برنامجا جديدا يحمل اسم البيئة والصحة، بدأ العمل به منذ 1992 بالبرازيل، وتود هذه المنظمة توسيع رقعة الاستفادة منه حتى في إفريقيا. وفي هذا الإطار، اختار المركز الكندي أربع مؤسسات للتعامل معها بالمغرب وهي: معهد الحسن الثاني للزراعة والبيطرة، المدرسة الوطنية الفلاحية، المعهد الوطني للبحث الزراعي، والمديرية التعليمية للبحث والتنمية، وذلك بناء على الاستمارات السابقة. ونظرا لأني كنت أشغل مهمة رئيس قسم البحوث السوسيو اقتصادية بالمعهد الوطني للبحث الزراعي، طلبوا مني ملء الاستمارة التي تهم علاقة البحث الزراعي بالبيئة، وبحكم أن هذه المنظمة قامت بالعمل على عدة برامج مشتركة مع المعهد الوطني للبحث الزراعي، تم اختيار هذا الأخير في البرنامج المذكور بناء على المعطيات المذكورة. ولحسن الحظ أيضا، أن قسم الاقتصاد وعلم الاجتماع، التابع للمعهد الوطني للبحث الزراعي، يوجد بمدينة سطات، ويعد مركز سطات من بين المراكز التي تتوفر على جميع التخصصات في علم الحشرات، النبات، والحيوان، بالإضافة إلى علم الاجتماع. وبعد زيارة مسؤول دولي للمركز، طلب منا إعداد بحث مقتضب عن موضوع البيئة وصحة الإنسان، فاهتدينا بعد مشاورات، إلى موضوع الواد الحار، والمتعلق بالجوانب الفلاحية والبيئية والصحية، فتم الاتصال بأساتذة باحثين في مجال الماء، وأطباء كذلك، وتكونت معطيات حول نسبة تلوث المياه وكرونولوجيا الأمراض والأوبئة وعلاقتها بالآبار والمياه الجوفية، ومعطيات حول المناطق المسقية والزراعات المستعملة. وبعد تهييئ كل هذه المعطيات، قدمنا مقترحات في هذا الموضوع لالمركز الدولي الكندي الأخير، علما أن هذا المركز قدم منهجية جديدة تم العمل بها في البرازيل، تسمى مقاربة بيئية صحية، وكندا هي الدولة الوحيدة في العالم التي بدأت العمل بهذه المقاربة منذ ,1970 والتي تقتضي معالجة المحيط البيئي للإنسان عوض الاكتفاء بالمعالجات الطبية. وبتعبير أدق، يتم إعطاء الأولوية لمعالجة بيئة الإنسان، التي تعتبر مصدر عدة أمراض خطيرة، أي إذا عالجنا البيئة، فسيتم القضاء على عدة أمراض.. بعد ذلك، تقدمنا بمقترحات، حيث قبل منها 24 مقترحا، وحدد موقع التباري بدولة السينغال، وسافر فريق العمل الذي تقدم بتلك المقترحات منهم: الأستاذ عبد العالي العماري والدكتور البوزيدي والدكتور الكتاني، ودافعنا عن المشروع، وبعد نقاش مستفيض ومناقشة قوية بين عدة دول، وبحضور خبراء دوليين، حصلنا على منحة قدرها 200 ألف دولار كندي من أجل القيام ببحث ميداني شامل، يحتوي على جميع التخصصات المتعلقة بالبيئة، فتم إعداد ملف متكامل حول التربة والمياه والحيوان وصحة الإنسان... وفي الوقت نفسه، وضحنا لسكان المنطقة المعنية بالبحث أبعاد وأهداف المشروع المتعلق بإيجاد حلول للواد الحار، وعلى هذا الأساس، أعد فريق البحث وثيقة تتكون من حوالي 100 صفحة.. ما هي طبيعة عناصر الفريق المكلف بهذا المشروع؟ نظرا لحجم المشروع، الذي تبلغ تكلفته الإجمالية 200 ألف دولار أمريكي، والمدة الزمنية لإنجازه في أربع سنوات، كانت الإمكانيات متوفرة لتهيئ فريق عمل متكامل، وعند إعدادنا لتقرير في الموضوع، قمنا بعدة عمليات، حيث اتفقنا أن يكون لكل فريق رئيسه، واشترطنا على كل من يريد الالتحاق بهذا المشروع، أن يمدنا بسيرته الذاتية، وأن تكون له تجربة في مجال من مجالات هذا المشروع، وأن يكون هناك تنوع متكامل، وليس تكرارا للتخصصات. فبالنسبة لتلوث الماء مثلا، يتطلب الأمر خمس تخصصات من الجامعة لدراسة هذا الإشكال... الشيء نفسه بالنسبة للمناخ والتربة والنبات والحيوان وصحة الإنسان... وبالموازاة مع هذه البحوث، يتم إعداد دراسة سوسيواقتصادية، تساير جميع مراحل البحوث، لأنه لا يمكن مثلا الكلام عن الحليب دون التطرق إلى الجانب الاقتصادي، أي المردودية، الأمر نفسه بالنسبة للتوظيف البيئي، حيث ينبغي التوفر على معطيات حول الأمطار والتراب والمناخ...لمعرفة الزراعات الناجحة بهذه المنطقة المعنية بهذا المشروع. بعد إعطاء لمحة عامة حول هذا المشروع البيئي ومكونات فريق عمله، ماهي الأهداف المسطرة في هذا المشروع؟ قبل أن أتطرق إلى أهداف المشروع، لا بد من الإشارة إلى منطقة عمل المشروع، وهي المنطقة التي توجد على طول خط وادي بوموسى، الذي يحمل المياه العديمة المنزلية والصناعية على مسار سبع كلمترات تقريبا، ومجال الدراسة والبحث يشمل دوارين بجماعة المزامزة، وهما دوار أولاد بوقلو (62 عائلة)، ودوار دلالة (46 عائلة). وبخصوص المشروع، فله أربعة أهداف، بناء على عدد من التخصصات في ميدان البحث، فكان الهدف الأول هو إنشاء بنك للمعلومات حول الدوارين المذكورين لتفسير النتائج المتوصل إليها في جميع المجالات، وبنك المعلومات هذا، يتضمن توصيفا بيئيا للمنطقة وتوصيفا سوسيواقتصاديا كذلك. والهدف الثاني هو تقييم مدى تدهور عناصر المنظومة البيئية (الماء، التربة، الحيوان، النبات، الإنسان)، ونتوفر على مقاييس دولية لقياس هذا التدهور، وبالنسبة للهدف الثالث يشمل التقييم الاقتصادي لهذا التدهور بواسطة منظومة رياضية لمعرفة هذا التأثير. أما الهدف الرابع، فيسعى إلى إيجاد بدائل مؤسساتية اقتصادية وتقنية، بإشراك المستفيدين من المشروع، بغية المحافظة على البيئة والصحة لهذه المنطقة، وقد اقتنعت الساكنة أن استعمال هذه المياه العديمة في التربة، سيؤدي إلى مثل ما وقع بمنطقة برشيد، حيث بعض الأراضي الفلاحية أصبحت غير منتجة. على المستوى الصحي، هل وجدتم تأثيرا لهذه المياه العديمة على صحة الإنسان؟ عموما لم نجد لحد الآن أمراضا تثير التخوف لدى الباحثين، مثل الأمراض التي اكتشفت في البرازيل، والتي تعود أسبابها إلى المياه العديمة الصناعية المحتوية على المواد المعدنية الثقيلة، والتي تتسبب في أمراض الخلايا الدماغية.. إن ما وجدناه، وبشكل طفيف، هو مرض الإسهال، ثم مرض فقر الدم، لكن بنسبة 28 % المتطابقة مع النسبة الوطنية. ويطرح المشكل التوعوي لدى الساكنة، إذ أنهم لا يفرقون بين فقر الدم وبوصفير مثلا، لذلك سننظم أياما للتوعية الصحية بالمنطقة من أجل تصحيح معلومات عدة خاطئة لديهم. وهناك بعض الشكوك، لدى الفريق الطبي، في وجود نسبة عالية لجرثومة معينة، فنحن تنتظر نتائج تحاليل الدم، التي أرسلت إلى مختبر بفرنسا لإجراء تحاليل حول وجود أو عدم وجود المعادن الثقيلة بالدم. أين وصلت نسبة إنجاز هذا المشروع الآن؟ دخل المشروع الآن سنته الثانية، ووصلت نسبة الإنجاز فيه حوالي 70 %، مع الإشارة إلى أن هناك بعض التخصصات التي تتطلب في إنجازها مدة زمنية أطول من تخصصات أخرى، ونحن الآن مقبلون على إعداد بحث ميداني على الدوارين المذكورين حول موضوع التغذية الإنسانية. وعلى صعيد آخر، يجب إعادة بعض الاختبارات أو التحاليل التي أجريت في السنة الماضية على الأشخاص أنفسهم لاستكمال جميع المعطيات وتحليل نتائجها. وبصفة عامة، فإن المشروع يسير بشكل جيد، وخير دليل على ذلك، أن المنظمة الدولية الكندية أرسلت بطلب لتمويل المشروع نفسه بمنطقة أخرى هي منطقة سوس ماسة، وبالفريق نفسه الذي يعمل حاليا بمنطقة سطات. قلتم إن الواد الحار يتكون من المياه العديمة المنزلية والصناعية، فما مدى تأثير هذه الأخيرة على صحة الإنسان؟ من البديهي أن المياه العديمة الصناعية لها تأثير خطير على صحة الإنسان وعلى النبات والحيوان... لأنها تحمل المواد المعدنية الثقيلة (مثل: الكروم، الرصاص، الزئبق...). ففي البرازيل، كما ذكرت سابقا، كشفت البحوث الطبية تأثير المواد المعدنية الثقيلة على صحة الإنسان، فانتشرت أمراض الخلايا الدماغية وسقوط الشعر، بسبب استهلاك نوع من أنواع السمك، الذي يعيش في منطقة الأمازون، والتي يستعمل فيها الزئبق لاستخراج الذهب.. عند انتهائكم من إنجاز هذا المشروع، ما هي أولوياتكم المستقبلية ؟ لقد بدأنا نفكر في ما بعد المشروع، حيث تم تأسيس جمعية تهتم بالبيئة والتنمية بهاتين المنطقتين المتضررتين، وستضطلع بأدوار تتماشى وروح نتائج المشروع، في إطار عمل تشاركي، حيث سنقوم بتأطير الجمعية وستقوم بإعداد مشاريع تنموية (الطرق، الكهرباء، الآبار...)، وبناء خزان للمياه من أجل السقي، وبالتالي يمكن تغيير النظام الزراعي المعمول به حاليا. وعند معالجة المياه، ستقوم ساكنة هذه المنطقة بتوزيع زراعاتها، التي ستعود بالربح أحسن من ذي قبل. ألا ترون أن نتائج هذا المشروع.. ستصطدم بمقاومة من لدن المؤسسات الصناعية؟ في الحقيقة ليس لي جواب على هذا الأمر، خصوصا وأننا عقدنا اجتماعا مع جمعية الصناعيين، ويتضح أن ليس هناك استعدادا للتعامل مع هذا المشكل بشكل إيجابي. وعلى العموم، هناك مشروع محطة للتصفية والمعالجة في أفق ,2005 وستكون هذه المحطة متطورة جدا، كما ستعمل الجمعية على إعداد مشاريع مختلفة، وستقوم باتصالات مع مؤسسات وطنية عدة من أجل تنمية هذه المنطقة، التي يعتبر الاعتماد فيها على السقي من الأمور الأساسية في المنطقة. كلمة أخيرة بخصوص هذا المشروع... من إيجابيات هذا المشروع تكوين فريق عمل، وإنشاء جمعية ستمكن من الاستمرارية فيه، حتى وإن استنفد المشروع دوره. وتعتبر هذه التجربة غنية جدا، حيث تعرفنا على أشياء جديدة كعلاقة الصحة بالماء والنبات والحيوان والتربة... وتوفرت لدينا أبحاث عدة، وحصلت استفادة كثيرة لجميع مكونات هذا الفريق، خصوصا على المستوى الصحي، كما تجب الإشارة إلى كون المشروع ساهم في تكوين طلبة كلية العلوم والمدرسة الوطنية الفلاحية بمكناس، وهذا سيحفزنا إلى إنجاز أعمال أخرى بإذن الله.. أجرى الحوار: محمد معناوي