مثلما هو الحال في كل مرة، كان العقيد معمر القذافي هو نجم القمة العربية التي غقدت في تونس بلا منازع، فقد كان آخر الواصلين إلى مطار قرطاج، كما كان أول المغادرين بعد أن انسحب أثناء إلقاء السيد عمرو موسى لكلمته، وذلك بعد أن أكرم الأمة بمؤتمر صحفي يزيل عنها بعض الكآبة والتجهم التي تصيبها من هكذا مناسبات!! هذه المرة قدم السيد العقيد جديداً مهماً، وذلك بتخليه عن الرتبة العسكرية، رافضاً الإشارة إليه بوصفه العقيد، والسبب حسب رأيه هو أن "العسكر خزي وعار على الأمة العربية"، أما الأهم من كونه ليس عسكرياُ، فهو أنه ليس رئيساً أيضاً، لأن الرئيس والمحرك هو الشعب الليبي. وبذلك يغدو الليبيون هم أسعد الشعوب العربية على الإطلاق بوصفهم رؤساء أنفسهم، ولعل ذلك هو ما يفسر ما آل إليه مصير ليبيا خلال العقود الماضية، سيما وهي الدولة التي تقول الإحصاءات إن من الطبيعي أن يعيش الفرد فيها بمستوى نظيره في السويد أو سويسرا، وإذ به لا ينعم إلا بمهمته كرئيس!! ثمة جديد آخر قدمه العقيد على اعتبار أن حكاية "إسراطين" قد غدت قديمة وإن أضاف إليها تساؤلاً مهماً، بل بالغ الأهمية، حول السبب الذي يدفع الفلسطينيون إلى صرف الأموال على بناء الشقق والمباني ما دامت قوات الاحتلال ستدمرها ثانية، إضافة إلى أخطاء العرب التاريخية بادعائهم ملكية الأراضي المحتلة عام 48 ثم تراجعهم عن ذلك ومطالبتهم بالأراضي المحتلة عام 67، الأمر الذي جعلهم كذابين بنظر العالم!! أما الأهم من ذلك كله فهو تحالف الثورتين الأمريكية والليبية، على اعتبار أنهما يلتقيان على مبادىء الحرية والعدل ومحاربة الإرهاب ورفض أسلحة الدمار الشامل. وبذلك يمكن لليبيا أن تنضم إلى نادي الدول الكبرى بدل أن تنضم إلى الدول الأفريقية المسكينة التي يعيش بعضها بذات الطريقة القديمة التي لا تلتقي مع مبادىء الثورتين الأمريكية والليبية. بعد هذا الاستعراض لما قدمه السيد معمر القذافي- تذكروا أنه ليس الرئيس وليس العقيد- لا بد من التساؤل حول السبب الذي دفعه إلى حضور القمة ما دامت الجامعة العربية بائسة إلى هذا الحد، وما دامت ليبيا ليست دولة شرق أوسطية، وما دام أنه "لا يعرف فائدة لمثل هذه اللقاءات العربية"؟ هل يأتي من أجل هذه الجلبة التي يحدثها في كل مرة، أم من أجل إحداث مزيد من الشروخ في الجسد العربي، أم من أجل التبشير بنهاية الجامعة العربية والأمة العربية، من زاوية أن ذلك ينسجم مع استحقاقات الدخول في التحالف مع الثورة الأمريكية؟! من حق الشعب الليبي أن يطرح هذه التساؤلات، كما من حق المواطنين العرب أيضاً، ولا ندري إلى متى يبقى ذلك الشعب المسكين أسير هذه الحال التي تفضح لعبة الإصلاح الأمريكية. وإلا فأين هي أجندة الإصلاح في الحوارات الأمريكية الليبية والبريطانية الليبية التي تابعناها خلال الأعوام الأخيرة، والتي لم يكن لها همّ سوى الابتزاز ووضع المقدرات الليبية رهن التحكم الأمريكي، تماماً كما كانت طوال سنوات رهينة لمغامرات بائسة يعرفها الليبيون أكثر من سواهم. ما يفعله السيد الليبي في كل مرة لا يصب بحال من الأحوال في خدمة القضايا العربية، بقدر ما يؤكد أوضاع أمتنا البائسة على صعيد الناس "اللي فوق" بخلاف الكثير من المبشرات على صعيد الشعوب وقدرتها على المقاومة كما تأكد ذلك ويتأكد كل يوم في فلسطين والعراق. ياسر الزعاترة - كاتب فلسطيني