في فاتح دجنبر المقبل، يبدأ التنفيذ الفعلي لتحرير قطاع المحروقات بالمغرب، وذلك بعد انتهاء المدة الزمنية لاتفاقية المصادقة على الأسعار القصوى للمحروقات بين الدولة ومهنيي القطاع في الثلاثين من نونبر الجاري، وهي مرحلة انتقالية سبقت المرور إلى التحرير كانت الدولة تقوم خلالها بمعية الشركات الموزعة بتحديد السعر وإعلانه على رأس كل أسبوعين. وانطلاق من الثلاثاء 1 نونبر 2015 ستخضع أسعار المحروقات بالمغرب لقانون العرض والطلب في علاقة مباشرة مع أسعار السوق الدولية وتقلباتها، والتي تعرف حاليا ظرفية مريحة بالنظر للمستويات المتدنية لسعر برميل النفط دون أي تدخل من الدولة. وتعتبر هذه الخطوة واحدة من الإصلاحات التي جاءت بها الحكومة الحالية في إطار سياسة إصلاح الدعم وإعادة توجيهه لصالح الفئات الهشة، لها مؤيدوها ومعارضوها، والاكيد أن لها تداعيات على المدى القريب والمتوسط والبعيد. في هذا الملف ناقشنا تداعيات التحرير الاقتصادية والاجتماعية، حيث يتضح أن انفتاح القطاع على المنافسة له إيجابياته في اتجاه تجويد الخدمات وخلق مجال واسع للزبون في الاختيار اعتمادا على مؤشري الجودة والسعر الأفضل، فيما اختلفت الآراء بين من يرى أن الحكومة اتبعت الحل السهل على حساب الطبقة المتوسطة، ومن يعتقد أن القرار تاريخي وجريء وسيوفر للدولة هامشا لتحسين عيش المواطنين. الفاعلون الأساسيون في القطاع "الموزعون" أكدوا استعدادهم لخوض غمار القرار، وأكدوا التزامهم بضمان تزويد السوق بما يلزم مع احترام المنافسة، والدولة من جانبها هيأت قوانينها المواكبة، ليبقى الدور الأساسي في المرحلة المقبلة لمجلس المنافسة للسهر على أن يحقق التحرير الهدف المتوخى منه، وأن يوفر للمستهلك أحسن العروض بأنسب الأثمان. إجراءات الحكومة لمواكبة تحرير القطاع استعرض عبد القادر اعمارة وزير الطاقة والمعادن، يوم الثلاثاء 24 نونبر 2015 أمام لجنة القطاعات الإنتاجية بمجلس المستشارين، أهداف مشروع القانون المتعلق باستيراد مواد الهيدروكاربور و تصديرها و تكريرها و التكفل بتكريرها و تعبئتها و ادخارها و توزيعها. وأكد اعمارة على أن مشروع القانون يهدف إلى وضع سند قانوني لتعزيز مهام مراقبة جودة المنتوجات البترولية السائلة على مستوى مراحل التكرير والاستيراد والتخزين والنقل ونقط البيع، والترخيص للأعوان المكلفين بمراقبة جودة المنتوجات البترولية بالتدخل على مستوى المراحل السالفة الذكر، ثم زجر الغش عن طريق فرض عقوبات مناسبة في حق مرتكبي المخالفات بشأن مواصفات جودة المنتوجات البترولية، وأوضح الوزير أن هذه العقوبات، بالإضافة إلى فرض غرامات مالية، تمكن من توقيف اعتماد الفاعلين بصفة مؤقتة أو نهائية (عن طريق القضاء) والذين عرضوا للاستهلاك منتجات غير مطابقة للمواصفات القانونية. ومن أهداف المشروع، أضاف اعمارة، توحيد عملية المراقبة من خلال أخذ العينات طبقا لمواصفات محددة، وإلزام شركات التكرير والمستوردين بإعطاء الأسبقية لتموين السوق الداخلي بمواد الهيدروكاربور المكررة أو بوقود الغاز الطبيعي، بالإضافة إلى تحميل المسؤولية لشركات التكرير والمستوردين والفاعلين في ميدان التوزيع بشأن مطابقة المنتوجات البترولية المعروضة في السوق لمواصفات الجودة المطلوبة. وأضاف اعمارة خلال عرضه أن مشروع القانون يسن عقوبات ضد كل موزعي المنتوجات البترولية السائلة المزودين، بوسائلهم الخاصة أو عن طريق وسيط، محطة لا تحمل علامتهم؛ويهدف ايضا إلى تأهيل الأعوان المكلفين بالمراقبة ؛واعتماد مختبرات التحاليل والهيئات الخارجية المكلفة بتقييم جودة المنتوجات البترولية السائلة، وكذا إلزام الوزارة المكلفة بالطاقة بإبلاغ المشتكي بنتيجة تحليل العينة المأخوذة للإدلاء بها للعدالة عند الاقتضاء، وبالإجراءات المتخذة من طرف هذه الوزارة بخصوص شكايته. وكان المجلس الحكومي قد صادق في 29 أكتوبر، على مشروع القانون 15-67 القاضي بتغيير و تتميم الظهير رقم 255-72-1 المتعلق باستيراد مواد الهيدروكاربور و تصديرها و تكريرها و التكفل بتكريرها و تعبئتها و ادخارها و توزيعها. وأكد عبد القادر اعمارة في وقت سابق أن القانون القديم يعود تاريخ إصداره إلى سنة 1973 و لم تعد مضامينه ملائمة للتطورات الكبيرة التي عرفها القطاع مما استدعى، ضرورة تغييره بما يستجيب للطلبات و المعايير المعمول بها حاليا. كما أوضح أن القانون لحالي ؤكد أهمية ضمان الاحتياطيات الأمان و تدبيرها في إطار قانوني و من شأنه ضمان التزويد الآمن للسوق الوطنية في حالات الضرورة. واكد أنذاك أن هذه لبنات تمهيدية لمرحلة تحرير أسعار المواد البترولية بداية شهر دجنبر المقبل و التي سيكون لها، أثر إيجابي على ثمن البيع و الجودة. واعتبر الوزير أن نجاح هذه المرحلة يستوجب إرساء مبدأ الحكامة على المستوى التشريعي و المسطري في إطار تطوير القطاع. مراحل الإصلاح عمدت الحكومة على اعتماد إصلاح تدريجي يهدف في المرحلة الأولى إلى التحكم في تكلفة المقاصة عن طريق حصر الغلاف الإجمالي في الإعتمادات المرصودة في قانون المالية، وذلك من أجل التحكم في تكلفة مصاريف الدعم وخلق موارد مالية تستعمل في تحسين نظام الحماية الاجتماعية. وتمت مباشرة هذا الإصلاح من خلال اعتماد نظام مقايسة أسعار المواد النفطية السائلة الذي تم تدبيره على مرحلتين. حيث تم الشروع في تطبيق المقايسة الجزئية ابتداء من 16 شتنبر 2013 إلى 31 دجنبر 2013 من خلال اخضاع البنزين الممتاز و الغازوال و الفيول وايل الموجه للصناعة الى المقايسة الجزئية مع تحديد سقف الدعم الموجه لهذه المواد في حدود الإعتمادات المرصودة في قانون المالية لسنة 2013. أما المرحلة الثانية والتي تعتبر مكملة للمرحلة الأولى فقد دخلت حيز التنفيد ابتداء من شهر فبراير 2014 باعتماد نظام مقايسة كلي بحذف الدعم المطبق على كل من البنزين الممتاز و الفيول و بالتقليص التدريجي للدعم الموجه للغازوال مع حذفه مع نهاية سنة 2014 . كما قامت الحكومة برفع الدعم نهائيا عن أثمنة الفيول الموجه لإنتاج الكهرباء. ومن أجل التخفيف من تداعيات هذا النظام تم مصاحبته بإجراء أساسي يتمثل في تخصيص تعويض النقل الحضري خاصة سيارات الأجرة عن الزيادات في أسعار الغازوال. ومع بداية 2015 تم رفع الدعم نهائيا عن كل المحروقات السائلة ( الغازوال و البنزين) و كل أنواع الفيول، و تم اخضاع أثمنة هذه المواد للمصادقة كل فاتح و 16 من الشهر و ذلك استنادا لإتفاق المصادقة على أسعار المواد النفطية بين الحكومة و القطاع النفطي الذي تم التوقيع عليه يوم 26 دجنبر 2014 والذي شتمل على مجموعة من الإلتزامات التي ترمي إلى تهييئ قطاع المواد النفطية الى التحرير الذي سيتم الشروع فيه ابتداء من فاتح دجنبر 2015. القطاع في أرقام تتوزع قدرات الاستيراد والتخزين المتوفرة لدى الشركات، حسب معطيات وزارة الطاقة والمعادن، على النحو التالي: الغازوال: 913000 متر مكعب، ما يمثل 52 يوما من الاستهلاك؛ البنزين الممتاز: 152000 متر مكعب، ما يمثل 75 يوما من الاستهلاك؛ وقود الطائرات: 60000 متر مكعب، ما يمثل 27 يوما من الاستهلاك؛ الفيول: 79000 طن، ما يمثل 19 يوما من الاستهلاك. موانئ الاستقبال: الناضور وطنجة المتوسطي والمحمدية والجرف الأصفر وآكادير والعيون. القدرة التكريرية: تبلغ قدرة تكرير مصفاة سامير بالمحمدية 10 مليون طن سنويا.