في ذات اليوم الذي تناقلت فيه وسائل الإعلام بيان أبو مصعب الزرقاوي حول عمليات القوارب في البصرة جاءت اعترافات المجموعة ذات الصلة به هاهنا في عمان. ومع أن الجزم بصحة البيان يبدو صعباً، سيما ونحن متأكدون من أن دور الزرقاوي في العراق لازال برسم التضخيم والاستخدام السياسي من قبل الأمريكان، إلا أن المسافة تبدو شاسعة بين المقاومة والجهاد ضمن بوصلة صحيحة وصائبة تصب في خدمة صراع الأمة مع أعدائها، كما هو الحال مع مواجهة قوات الاحتلال الأمريكي في العراق، وبين العنف الأعمى الذي لا يستند إلى عقل أو شرع ويضع الحب في طاحونة الأعداء، كما هو حال الهجمات التي قال القوم إنهم قد خططوا لها، وكما هو حال هجمات الرياض والدار البيضاء، فضلاً عما هو أسوأ من ذلك، كما هو حال تفجيرات الكاظمية وكربلاء، وصولاً إلى الهجمات الخارجية التي تسيء إلى الإسلام والمسلمين، وتخرّب على المواجهة مع العدو الأكبر، كما هو حال تفجيرات مدريد. إذا صح ما ينسب إلى الزرقاوي عموماً، ومن ذلك ما جرى في الكاظمية وكربلاء، فإن الرجل لا صلة له بأسامة بن لادن، بقدر ما غدا أمة لوحده، مع أننا نتذكر أن بياناً قد صدر قبل أسابيع لاثني عشر تنظيم عراقي وحمل تأكيداً لمقتله خلال الأيام الأولى من بدء الحرب قبل ما يزيد عن عام من الآن. نقول ذلك لأن خطاب بن لادن قد حمل تحولاً مهماً كما عكست ذلك رسالته الأخيرة إلى الأوروبيين، لكن المشكلة لا زالت تكمن فيمن يتبعون مدرسته، أو هكذا يعتقدون من دون أن تكون له أدنى صلة به، كما هو حال الشبان الذين يتحركون في السعودية وانحرفت بوصلتهم نحو أهداف أسوأ من ذي قبل كما تجلى ذلك في تفجير مبنى الأمن العام قبل أيام. من الضروري التذكير هنا بأن إرهاب الولاياتالمتحدة ودعمها لإرهاب الدولة العبرية هو السبب الرئيس الذي صنع الظاهرة، فيما تأتي الأفكار التي تبررها في المقام التالي الأقل أهمية، وقد سمعنا الأخضر الإبراهيمي يتحدث صراحة قبل أيام عن الدولة العبرية التي تسمم أجواء المنطقة. لكن ذلك لا يمكن أن يكون مبرراً كافياً للعمى الذي يصيب البعض فيدفعهم نحو ممارسات تصب من دون قصد في خانة الذين يريدون استهدافهم. والأسوأ أن يجري ذلك في ظل وجود جبهات مفتوحة مع أولئك الأعداء تحقق فيها الأمة إنجازات طيبة، كما هو الحال في فلسطين والعراق وأفغانستان التي باتت محطات استنزاف مهمة لعدو كان يتهيأ لالتهام المنطقة خلال فترة قصيرة. العنف الأعمى الذي يمارسه شبان إسلاميون هنا وهناك يستحق المواجهة، حفاظاً على مصالح الأمة ومواجهتها مع أعدائها أولاً، ثم حفاظاً على تماسكنا الداخلي في مواجهة الاستهداف ثانياً، إضافة إلى الحفاظ على طاقات شابة يمكن أن تتوجه نحو خدمة الأمة بدل المساهمة في الإضرار بها. وهنا لا بد من القول إن المعالجة الأمنية، على أهميتها، تبقى قاصرة عن معالجة الظاهرة، إذ لا بد من مساهمة العلماء والمفكرين المنتمين إلى روح أمتهم، ذلك أن العدو الذي دخل علينا الأبواب يستحق مواجهة قوية صلبة وعاقلة في الآن نفسه، فالمكر لا يواجه إلا بمكر أكبر منه، ونحن أمة تمتلك الإرادة والطاقات الشابة الرائعة، ويبقى أن تدار المعركة بحكمة وذكاء حتى يتحقق النصر الذي نراه قريباً بإذن الله. ياسر الزعاترة - كاتب فلسطيني