أين هي لائحة الترقية بالاختيار؟ ومتى ستعلن النتائج؟ عرفت الساحة التربوية المغربية نشاطا مكثفا لرجال التعليم ونسائه لمدة تزيد قليلا عن الأربعين يوما أي منذ أن أطلقت الأكاديميات والنيابات شرارة الإعلان عن تنظيم امتحانات مهنية للمدرسين والإداريين والمفتشين تنفيذا لتوجيهات الميثاق الوطني للتربية والتكوين ونزولا عند تطبيق بنود النظام الأساسي الجديد الخاص لموظفي وزارة التربية الوطنية والشباب. وتأتي هذه الخطوة الإيجابية بعد سلسلة من التساؤلات عن الإصلاح المعلن في ميدان التربية والتكوين على صدر صفحات الجرائد الوطنية والتي نقل بعضها عن لجنة تقويم وتتبع نظام التربية والتكوين رفعها تقريرا للملك ينذر بتوقع تعثر لعمليتي الاستجابة والتثمين لتوصيات الميثاق وبالتالي عرقلة الإصلاح التربوي ككل. بينما تحدثت صحف أخرى عن التأجيل والتأخير والتثاقل في تنفيذ النظام الخاص بموظفي التربية والتكوين بسبب إخضاعه للترميم والمراجعة شأنه في ذلك شأن مؤسسة محمد السادس للأعمال الاجتماعية. وبما أن وزارة التربية الوطنية والشباب كانت تتابع عن كثب ما قيل فإنها تحركت في الوقت المناسب قبل أن تسود الشحنات السلبية وردود الأفعال الانفعالية لدى رجل التعليم، لذلك قاطعت الشك باليقين وتم الإعلان عن الأعداد التي ستسمح لها نسبة 7% بالترقي بواسطة الامتحان وذلك قبل إصدار مذكرات تفصيلية في الموضوع. وما يهمنا في هذا المقال، بالضبط هو مناقشة وتحليل ما يجري على رقعة التعليم الابتدائي باعتباري مفتشا نشارك في وضع الأسس التربوية الاجتماعية والتواصلية لعملية تعميم التمدرس من خلال ندوتي الرباط (27 28 29 يوليوز 1998) وبوزنيقة (23 24 25 يونيو 1999). ونظرا لأن الحاضر الغائب عن الساحة التعليمية هو أستاذ التعليم الابتدائي الذي يشرف على تدريس وحدات تتطلب تخصصا وكفايات وقدرات خاصة، وهو الذي كان محروما من الوصول إلى السلم ,11 الشيء الذي أدى إلى تراكم وتكدس أفواج كثيرة عند عتبة السلم العاشر بعيدا عن سقف الدرجة الموالية، دون أن ننسى بأن أساتذة التعليم العالي والثانوي نصبوا أنفسهم أوصياء عليه دون استناد لأي معيار موضوعي علما أن هذا السلك التعليمي يضم حوالي نصف الأطر التربوية العاملة في مجال التربية والتكوين ببلدنا. فالمدرسون والمدرسات كانوا على موعد مع امتحانات السلم الحادي عشر يومي 18 و19 دجنبر 2003 والسلم العاشر نهار الإثنين 22/12/2003م وصبيحة الثلاثاء الموالي، وما تجدر الإشارة إليه أن المذكرة المنظمة للامتحانات لم تكن مفصلة، بل اكتفت بعبارة (ابتداء من 18 دجنبر وابتداء من 22 منه) وبذلك تركت تساؤلات ملحة حول المدة الزمنية للمواد والتوقيت بالضبط. ونعتقد أن ذلك مرتبط بالارتجال والتسرع والإرهاصات التي تطبع عادة تفكير المسؤولين وسيرورة العمل بالمغرب.. وتبعا لذلك دخل المربون والمربيات في دوامة لا تنتهي من الأسئلة المحرجة المعبرة عن اضطرابهم الداخلي لكونهم يواجهون مصيرا مجهولا وهم مقبلون على امتحان غامض تشرف عليه حكومة تدعي الشفافية والمكاشفة. وسنحاول أن نتعرض لأهم الانتقادات الموجهة لي وأنا أشرف على تأطير الأساتذة بمقرات الجامعة الوطنية لموظفي التعليم بأفورار وفم الجمعة (إقليم أزيلال) وأولاد عياد (إقليمبني ملال). كان المدرسون يتعاملون معنا على أننا الممثلين الخاصون للوزارة، وبناء عليه فإن المفتشين يملكون أسرارا ومفاتيح خاصة لا يعلمها سواهم، وهذا وهم طبعا، لكننا حمدنا الله على أن فئات عريضة من رجال ونساء التعليم لازالت تكن لنا كامل الاحترام وتشجع فينينا روح الاجتهاد، في الوقت الذي تنكرت لنا فيه وزارتنا ونيابتنا التي يرفض رئيسها بأزيلال السماح لنا بأي نشاط تربوي خارج الفترة البينية منذ إعلان القوات الأمريكية البريطانية الغازية للحرب على العراق الشقيق!! أين هي لائحة الترقية بالاختيار؟ كان جل الحاضرين متذمرين من عدم إصدار لائحة الترقي بالاختيار قبل الإعلان عن الامتحانات. وهذا خطأ منهجي تنظيمي سقطت فيه وزارة التربية الوطنية والشباب. ونحن نؤمن بأنه تكتيك مسطر ومتفق عليه الهدف منه ربح بعض الشهور ماديا باعتبار اقتطاعها من رواتب مستحقيها بالاختيار. ونعتقد بأن هذا الذكاء في التعامل تقف وراءه وزارة الاقتصاد والمالية. متى ستعلن النتائج؟ هم آخر يقض مضجع رجال التعليم خاصة الذين استوفوا شروط الترقي بالاختيار، وبما أن المستحيل يصبح ممكنا في المغرب، والممكن قد يتحول إلى مستحيل، فإن الشك يساور فئة لا بأس بها من أسرة التعليم، فهم يخافون إن قاطعوا المباراة عفوا الامتحان أن يتم تغييب الترقية بالأقدمية كما فعل بزملائهم سابقا، والجدير بالذكر أن بعض الأشخاص المتوفرين على شروط الأقدمية قد انساقوا مع الإشاعات التي تروج ومفادها أن نسبة 7% ستكون من نصيب المستوفين لشروط الترقي بالاختيار، ولكننا تعودنا على مثل هذه الدعايات قبيل أي امتحان، والإشاعة بطبيعتها ناتجة عن الغموض الذي يلف الموقف وهي متنفس عن الأهمية التي يوليها رجل التعليم العالي لهذه الترقية التي يعقد عليها أكبر الآمال للتخلص من بعض ديونه واسترداد بعض من كرامته واسترجاع لحريته التي كبلتها الأبناك وقيدتها الفرص الضائعة في عهد الحكومات المتعاقبة على المغرب منذ فجر الاستقلال. على كل حال فالمدرسون والمدرسات خائفون من تأجيل الإعلان عن النتائج إلى موعد لا تعلمه سوى وزارة الاقتصاد والمالية حق العلم. لماذا تم إهمال المصوغات؟ تعود رجال التعليم على المصوغات في عهد الوزير الأستاذ مولاي إسماعيل العلوي، فهي خطوة جريئة تقرب المواضيع من ذهن المربي وتساعده بالتالي على انتقاء الأسلوب السهل الممتنع الذي يوصل إلى الأهداف بدقة وسرعة. ولكننا فوجئنا هذا العالم بالتخلي عن هذه السنة الحميدة، وهو الأمر الذي لم يستسغه الحاضرون وعبروا عن خيبة أملهم بخصوص هذا التراجع الذي خدم البلبلة وشوش على النيات الحسنة. لقد طلب من المدرسين الاستعداد لاختبار التربية وعلم النفس هكذا بعبارة مجردة دون إعطاء أي توضيحات، وهي مغالطة كبرى لا يعادلها إلا من يطلب من السباح الهاوي قطع نهر المسيسيبي أو الأمازون دون أدنى دليل أو مساعدة لا لشيء سوى لكونه على إلمام ما بالسباحة!! أما واضع أسئلة منهجية التدريس (السلم 11) فقد ارتكب خطأ فادحا في اللغة العربية إذ ركز أسئلته على السنة الرابعة الابتدائية دون غيرها، ومعلوم أن 6/5 من معلمي الابتدائي غير هاضمين للمنهجية الجديدة بالمستوى الرابع لأنهم بكل بساطة غير مشرفين على تمريرها للمتعلمين، وكان بالإمكان تجاوز هذه النقطة التي أثارت احتجاج المدرسين بطرح سؤال مفتوح مثلا عل يغرار: ما معنى الوضعية المسألة...؟ وضح ذلك من خلال أمثلة في القراءة والتعبير مع تحديد المستوى من تجربتك الخاصة. لكن يبدو أن صاحب السؤال يخشى على المصححين جهلهم بمنهجيات الابتدائي مادام السؤال المفتوح سيجلب أجوبة محددة ولكنها متنوعة لن يستطيع ضبطها إلا مختص أو ممارس ميداني مخلص. هل الإدلاء بالرأي محرم أو مباح؟ ويبدو أن الأساتذة تأثروا إلى أبعد الحدود بما تشنه صحابة الإباحة والتفسخ ضد الإسلاميين الشرفاء المتشبتين بحقوق الإنسان كما سطرتها الشريعة الإسلامية السمحاء. ولقد كنت على يقين أن وحدة التربية الإسلامية لن يطالها أي سؤال من قريب أو بعيد، لذلك كنت ألح على أن الرأي يؤجر عليه في الإسلام والمسلم له حق الاجتهاد فإن أصاب فذاك وإن أخطأ فلا يعاقب على فكره في عصر تتزعمه أمريكا المدافعة عن حقوق الإنسان رغم أنها تكيل بمكيالين في هذا المضمار. ولقد أكدنا مرارا أن المصحح مغربي ولا أتصور مقوما يمارس دورين مزدوجين كخصم وكحكم لأن رجل التربية يفترض فيه النضج العاطفي والعقلي ولا يقبل منه الشذوذ والتحيز، وأعتقد أن واضعي الأسئلة تجنبوا إثارة الرأي المضاد (السلم 11 مثلا) ومن ذلك نشم رائحة العام زين ولو في قلب الامتحانات. فالمواد الثلاث خلت من عبارات: ناقش، وما رأيك؟ سما مدى صحة هذه القولة؟ إلى أي حد تعكس فكرة الكاتب واقع المادة؟ أو واقع المادة؟ أو واقع الطفل؟ وضح الصعوبات المنهجية والمعرفية التي تعترضك... كيف يمكن التغلب على ذلك؟... وبذلك يكون واضع الأسئلة قد أراح واستراح عملا بالفكرة المشهورة: كم حاجة قضيناها بتركها.... (يُتبع) محمد صالح حسينة مفتش التعليم الأساسي