انطلقت يوم الأربعاء الماضي 30 دجنبر 2009م عملية تصحيح أوراق الامتحانات المهنية ، ويباشر العملية عدد من المفتشين وبعض مكوني المراكز، وسترفع الأوراق لاحقا إلى الأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين مباشرة بعد انتهاء عملية التصحيح في سرية كاملة. وتباشر عملية التصحيح وفق تنطيق وطني يقوم بتوزيع أوراق الامتحان على عدة مدن حفاظا على معايير النزاهة ، من خلال قيام كل مدينة بتصحيح أوراق الامتحان لمدينة أخرى ، على أساس أن يحتفظ المركز الوطني للامتحانات بأسماء الممتحنين التي تسحب من الأوراق وتوضع بدلها أرقام موافقة لها . ويتم التصحيح من خلال المنهجية التالية : بحيث يقوم كل مؤطر بتصحيح الرزنامة الخاصة به، بناء على عناصر الإجابة الوطنية ، ثم يودعها لدى الجهات المختصة متى أكملها . ويدوم التصحيح أربعة أيام على العموم . وقبل كل تصحيح فردي ، يلجأ المصححون إلى القيام بتصحيح جماعي على ورقة واحدة لتوحيد الرؤى، وبعد ذلك ينصرف الجميع للتصحيح الفردي، ويتم تصحيح مادة المنهجية من خلال ضبط تطابق عناصر الإجابة مع محاور التصحيح ( مثلا كل محور من التخطيط له نقطته ). وتسود الأوساط التعليمية عدد من الإشاعات حول نزاهة نتائج الامتحانات المهنية، بسبب طول المدة الفاصلة بين موعد الامتحان المهني وتاريخ الإعلان عن النتائج، والتي تصل في غالب الأحيان حوالي سبعة أشهر. ويبدو أن طول هاته المدة غير منطقي بالنظر للسرعة التي تنتهي بها عملية التصحيح ، وتأخر مركز الامتحانات مدة طويلة قبل الإعلان عن النتائج . هذا التأخر الذي يبدو أنه سيبقى رهينا بجملة من الحسابات المرتبطة بحسابات الكوطا، وبمدى تقدم الإعلان عن نتائج الترقية بالاختيار كما يبدو ، حيث أن تأخر الإعلان عن نتائجها لسنوات 2008م و2009م ولاحقا 2010م في انتظار الإعلان عن معاييرها ، يسبب إرباكا شديدا ، خاصة إذا علمنا أن عدد من الناجحين في الامتحان المهني لسنة 2008م هم ممن تمت ترقيتهم هذه الأيام في لائحة الترقية بالاختيار لسنة 2008م . وينتظر أن يتكرس نفس المشكل مع الإعلان عن نتائج الترقية بنوعيها لسنة 2009م . مما يفرض على المخاطبين بهذا المشكل ضرورة مطالبة الوزارة باحتساب أحسن وضعية ، والتي لاشك ستكون هي الترقية بالاختيار ، ومن جانب الوزارة التزام الشفافية في التعويض انطلاقا من لائحتي الانتظار . ومن الملاحظات التي يمكن تسجيلها بالنسبة للامتحانات المهنية السابقة: ارتفاع نسبة الغياب عن حضور الامتحان المهني بلغت هاته السنة ما يقارب 5% بسبب ارتفاع نسبة الإحباط من منهجية الامتحان وطرق التقويم التي وعدم وضوح معايير النجاح. كما أن عامل تكرار الفشل في اجتياز عقبة الامتحان المهني مرتين أو ثلاث أو أربع أو خمس يعد أبرز الأسباب المشجعة على غياب فئات عريضة من الشغيلة التعليمية . بل أن ظاهرة الغياب اتخذت شكل مقاطعات جماعية للامتحان المهني كما حصل في بعض المدارس بطنجة . ويمكن أن نسجل بالمناسبة بعض الملاحظات الإيجابية بخصوص ارتفاع نسبة الإقبال على الكتب المتخصصة في علوم التربية وعلم النفس التربوي ، وهذا ما أكده لنا مسؤول بإحدى المكتبات التجارية بطنجة "المكتبة المغربية"، وقال أن نسبة المبيعات من الكتب ذات العلاقة بالامتحانات المهنية تعرف مبيعات قياسية خلال شهري نونبر و دجنبر ، بشكل مثير للانتباه ، في حين تتوقف المبيعات من هذا النوع من الكتب في ما دون هذين الشهرين . وبخصوص نوعية الكتب أكد الكتبي أن أكبر المبيعات تحصدها كتب الدكتورين "عبد الكريم غريب " و "اللحية " ، وتابع قائلا أن هذه السنة قد عرفت عناوين جديدة بالمقارنة مع السنة الماضية التي اقتصرت على كتب أعيد طبعها وأخرى قد اشتملت مواضيع مكررة . وقد تكرس من خلال الاستعدادات للامتحانات المهنية السابقة ،استمرار المدن القريبة من المركز العاصمة في استقطاب عدد من الكوادر العليا المتخصصة في التربية وعلم النفس التربوي ، بسبب سهولة التنقل والتواصل المستمر ، وكذا استقرار أغلب الأطر العليا الوطنية في العمل بوزارة التربية الوطنية والمركز الوطني لتكوين المفتشين ، وكذا كلية علوم التربية ، فيما تستمر معاناة باقي المدن المغربية من حيث عجزها عن استقطاب عدد من تلك الأطر، بسبب البعد عن المركز وصعوبة ضبط مواعيد الأيام التكوينية مع أجندة المكونين ، وتستفحل الأزمة أكثر فأكثر كلما ابتعدنا كثيرا عن المركز كما هو حال مناطقنا الجنوبية الصحراوية العزيزة ، والمناطق الشرقية والأطلسية . وهنا يبرز الدور الطلائعي الذي يمكن أن تلعبه أطر المراقبة التربوية من خلال استجابتها للحاجيات التكوينية لأسرة التعليم ، ومن المفيد جدا قيام النيابات ومراكز المراقبة التربوية باستغلال حدث الامتحانات المهنية لتنظيم أيام تكوينية على هامشها ووفق الأطر المرجعية الخاصة بها . وكمثال على ما سبق يمكن أن نلاحظ حضور الدكتور عبد الكريم غريب في تأطير الأيام التكوينية التي نظمها المكتب الإقليمي للجامعة الوطنية لموظفي التعليم بسلا ، وهي المرة الثانية على التوالي التي يسجل فيها حضوره المتميز ، وذلك من خلال عرضه في موضوع "بيداغوجيا المشروع : الأسس النظرية والتطبيقات العملية ". وقد حضر إلى جانبه في هذه الدورة عدد من الأطر العليا الوطنية ، ومن بينهم الأستاذ محمد أوبلعيد ( منسق مركزي ) وتركزت مداخلته حول موضوع "قراءة في الدليل البيداغوجي للتعليم الابتدائي"، والدكتور لحسن مادي أستاذ بكلية علوم التربية وأحد أبرز الكتاب في هذا التخصص ، والأستاذ مصطفى محسن أحد المتخصصين في سوسيولوجيا التربية، والأستاذ رشيد جرموني (باحث في علم الاجتماع التربوي). وقد أبانت الجامعة الوطنية لموظفي التعليم مكتبا وطنيا ومكاتب إقليمية ، عن تجاوبها المعهود مع مختلف حاجيات الشغيلة التعليمية ، خاصة ما تعلق منها بالتكوين المعد للامتحانات المهنية، وهكذا نظم عدد من أطر المكتب الوطني جولات واسعة على امتداد عدد من المدن المغربية ، طيلة الشهر الذي سبق الاختبار المهني ، وقام الدكتور أحمد دكار (دكتوراه في التربية وعلم النفس ) بتأطير عدد من الدورات التكوينية في عدد من المدن نذكر منها مكناس ومراكش ، العرائش ، طنجة ، المضيق وتطوان ، وهو نفس مسار الأستاذ عبد الإله دحمان عضو المكتب الوطني الذي كان حريصا هو أيضا على الإشراف على تأطير الأيام التكوينية بعدد من مدن جهة طنجة تطوان . كما يمكن رصد اهتمام مؤسسات ومنظمات اجتماعية ونقابية بمجال التكوين خلال فترة الامتحانات، من بينها مؤسسة الأعمال الاجتماعية لنساء ورجال التعليم. في هذا الصدد نظمت فرع مؤسسة الأعمال الاجتماعية بطنجة يومين تربويين استقطبا من خلالهما كلا من الأستاذين محمد مكسي متخصص في علوم التربية ، ومحمد عواج النائب الإقليمي لنيابة شفشاون . وقد تزامن تنظيم هذه الدورة التكوينية مع افتتاح العمل بمعلمة ثقافية واجتماعية أنيقة هي المركب الثقافي لابن بطوطة التابع للمؤسسة ، والذي شكل فضاء مريحا ومتميزا لكل الأيام التكوينية المنظمة بطنجة . ولاشك من أنه بالرغم من هذا المجهود المبذول على مستوى الإعداد للامتحانات المهنية، فقد سجلت تلك الدورات التكوينية غيابا شبه كلي للتكوين في مجال منهجية تدريس المواد، وإن كانت بعض المدن والمنظمات النقابية أو الاجتماعية بعدد من المدن قد بادرت إلى ذلك. ولم تختلف طنجة عن هذا السياق ، لتستمر معاناة الأسرة التعليمية مع هاته المادة الاختبارية أثناء الامتحان المهني ، بل وتعززت من خلال كثرة الأسئلة وطولها بالمقارنة مع قصر مدة الامتحان . كما أن تلك الدورات التكوينية قد سجلت أيضا نجاح اللقاءات التكوينية التي رصدت منهجية الإجابة في الامتحان المهني، فيما فشلت أخرى من حيث أرادت إيصال المعارف التي يبدو أن كتب المكتبات ، و المواقع الإلكترونية والمنتديات ( دفاتر، ضحايا التعليم ، الأستاذ ، مدرستي تربويات ... ) قد جادت بها بشكل وافر . من جانبه أبرز الأستاذ الخليل الغازي أمين مال المكتب الإقليمي للجامعة الوطنية لموظفي التعليم بطنجة، أن الكلفة المادية للأيام التكوينية جد مهمة ، تتطلب في المقابل تعزيز شبكة الانخراطات بالنقابة بما يساعد على تنفيذ كامل برامجها والتزاماتها بما في ذلك واجب التواصل والتكوين المنصوص عليهما قانونيا . ولم تسلم الامتحانات المهنية بطنجة من ظاهرة الغش ، حيث اختلفت الآراء حولها بين مبرر لها تصل أحيانا لدرجة التأسيس لجوازها ، وفرضها بالقوة في حالات أخرى . ورأي مضاد موافق للقانون ولحق المساواة والعدالة في الاختبار ، وهكذا عرفت فترة ما قبل الامتحانات توزيع رسالة إلكترونية بمبادرة من أحد الأساتذة بطنجة ، تم التذكير من خلالها بالالتزامات الأخلاقية التي تفرض على الجميع نبذ الغش ، والإيمان بتساوي الحظوظ . لكن الظاهر أنه سيكتب للغش أن يستمر مع استمرار أنماط اختبارية تتطلب استرجاع المعارف، وتكرار بعض النماذج النمطية بل وحتى نماذج الامتحانات المهنية ، بالرغم من أن غموض بعض الأسئلة ساهم في التخفيف من هذه الظاهرة . الامتحان المهني لهذه السنة كان مفاجأة لثمانية آلاف موظف كانوا قد استسلموا لقدرهم وأعدوا أنفسهم لامتحان السنة القادمة ، وبعدما كانت تنقصهم 17 يوما لإكمال نصاب الست سنوات اللازمة لاجتياز اختبار الكفاءة المهنية ، غير أن مذكرة الامتحان (المذكرة 156 بتاريخ 13 نونبر 2009م، بشأن تنظيم امتحانات الكفاءة المهنية دورة دجنبر 2009 م) لهذه السنة حملت جديدا سارا لهاته الفئة من خلال الاعتراف لها بالحق في اجتياز المباراة ، وتمديد أجل الاستحقاق إلى 31 من دجنبر الماضي . غير أن مصير عدد من المترشحين لاختبار السنة القادمة والذي سيجرى مبكرا نهاية شهر شتنبر القادم، ممن سيكملون أقدمية الست سنوات إلى حدود نهاية سنة 2010م ، يبقى رهينا بتعديل مماثل في مذكرة الامتحان المهني لسنة 2010م. وتبقى عدد من الأسئلة مطروحة بخصوص الامتحانات المهنية من بينها : إلى أية درجة يمكن أن تستفيد الشغيلة التعليمة من خلال رفع حصيص الترقية وتوسيعه في الاتجاهين : الترقية بالاختيار وبالاختبار، وكم ستكون نسبة كل منهما ؟ وإلى أي حد ستستجيب معايير التقويم في الامتحانات المهنية القادمة لانتظارات المترشحين؟ وهل يمكن أن نتوقع إعلانا للنتائج مستقبلا مشفوعا بنقط التقويم في كل مادة اختبارية، ونقط الإدارة التربوية ؟