ألقى القرضاوي كلمة في مؤتمر الدوحة الثاني للعلاقات بين الولاياتالمتحدة والعالم الإسلامي مساء يوم السبت الموافق 10 يناير، وذلك في فندق الردز كارلتون الدوحة، وقال في كلمته: سببين للتوتر القائم بين المسلمين وأمريكا إنللحوار بين المسلمين وغيرهم من أصحاب الحضارات الأخرى أهمية وإنني من أنصار التفاؤل ولا أريد أن أسد الطريق، والتوتر القائم بين العالم الإسلامي وأميركا بأنه يعود لسببين هما التحيز الأميركي المطلق لدولة إسرائيل.فأمريكا تقفصامته إزاء ما يحدث ولا تفعل شيئاً وهي قادرة على إلجام إسرائيل وفي نفس الوقت تتهم الفلسطينيين بالإرهاب. وهناك تأييد أميركي مطلق لإسرائيل سواء بالفيتو الذي وصل إلى 70 مرة لكي لا تمس إسرائيل أو بالمليارات أو بالسلاح. أما عن السبب الثاني للتوتر يرجع إلى أن المنظرين للسياسة الأميركية وجدوا من الإسلام عدواً بدلاً من الشيوعية وهذا غير صحيح وأن الإسلام رحمة للعالمين وأنه ليس خطراً على البشرية وكل هذا حدث قبل 11 سبتمبر. الإسلام دين الوسطية ووصف الوضععقب أحداث الحادي عشر من سبتمبر بأنه مهيأ لما حدث وأن النار كانت موجودة والأحداث صبت الزيت على النار. وأقول لمن يقول بأن الإسلام دين إرهابأن الإرهاب ليس إسلامياً ففي أميركا إرهاب وفي إسرائيل إرهاب وفي بريطانيا وغيرها من البلدان. وهناك من ارتكب أخطاء من المسلمين ولكن ليس مجملهم، مشيراً إلى أن الإسلام دين الوسطية. وانتقد اتهام أميركا للعمل الخيري، وتساءل لماذا وصلت أميركا إلى هذا الحد، إذا كانوا يصفوننا بأن لدينا فكراً متطرفاً فإن لديهم فكراً متطرفاً وهناك من تهجم على الإسلام وعلى الرسول فلماذا يطالبوننا بتغيير الخطاب الديني. الإسلام ينظر إلى البشرية باعتبارها أسرة واحدة إن للإسلام نظرية خاصة للتعامل مع الآخر وهي تقوم على عدة مبادئ أساسية: الأول هو وحدة الإنسانية، فالإسلام ينظر إلى البشرية كلها وإن اختلفت ألسنتها وألوانها وطبقاتها ينظر إليها باعتبارها أسرة واحدة تنتمي إلى رب واحد وإلى أب واحد تنتمي إلى الله بالعبودية وتنتمي إلى آدم بالبنوة. لقول الرسول صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع: "أيها الناس إن ربكم واحد وإن أباكم واحد" وهذه نظرة الإسلام إلى البشرية كلها (يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبثّ منهما رجالاً كثيراً ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام). كماأن الأرحام ليست الأرحام الخاصة فقط أخي وأختي وخالتي وعمتي بل يعني الأرحام البشرية وأن هناك إنسانية مشتركة فعلى الجميع أن يرعوا هذه الرحمة. تأسيس العلاقة مع النفس في حالة السلم والحرب أما المبدأ الثاني: أن الإسلام وضع دستوراً لتأسيس العلاقة مع النفس في حالة السلم وفي حالة الحرب وهناك آيتان في سورة الممتحنة وضعتا أساس هذه العلاقات حيث يقول تعالى (لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين). وإن البر لا ينهى الله عنه بل يحبه الله وأن الله اختار كلمة البر والقسط التي يعبر بها الإسلام عن أقدس الحقوق بعد حق الله تعالى وهو بر الوالدين. وإن القسط هو العدل والبر هو الإحسان والقسط أن تأخذ حقك والبر أن تتنازل عن بعض حقك والقسط أن تعطي الحق لصاحبه والبر أن تزيده عن حقه. قال تعالى (إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولوهم) ولا تكونوا أولياء لهم ولا نصراء لهم. إن الله فرّق بين المسالمين والمحاربين ومع هذا فإن الله فتح الباب قائلاً (عسى الله أن يجعل بينكم وبين الذين عاديتم منهم مودة) مبيناً أن العدو قد يصبح صديقاً. معاملة خاصة لأهل الكتاب أما عن المبدأ الثالث: أن الإسلام يخص أهل الكتاب بمعاملة متميزة وإن الآيتين السابقتين نزلتا في المشركين من أهل مكة الذين آذوا محمداً وأخرجوه من داره وفعلوا به ما فعلوا. إن القرآن يخاطب أهل الكتاب بهذا الوصف ولهم معاملة خاصة يناديهم يا أهل الكتاب لا يقول يا أيها الكافرون ولا أيها المشركون ولا حتى يا أيها الناس يا أصحاب الكتاب أي أنتم أهل كتاب سماوي أهل التوراة والإنجيل، وأباح مصاهرتهم وأنه بذلك القمة في التسامح. وإن المبدأ الرابع أن الإسلام يعتبر النصارى من أهل الكتاب بصفة خاصة أقرب للمسلمين من غيرهم (ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى) وقال الرسول صلى الله عليه وسلم "أنا أولى الناس بعيسى بن مريم في الدنيا والآخرة". وأنه ليس في القرآن سورة باسم آمنة بنت وهب أم محمد أو خديجة بنت خويلد زوج محمد أو فاطمة الزهراء بنت محمد ولكن في القرآن سورة اسمها سورة مريم وفي القرآن سورة أخرى اسمها سورة آل عمران وهذه أسرة المسيح (إذ قالت امرأة عمران رب إني نذرت لك ما في بطني محرراً) امرأة عمران أم مريم. علاقة متميزة مع أمريكا إن نظرتنا إلى أميركا باعتبارها دولة مسيحية وعلاقات المسلمين بها في القرن العشرين متميزة لأنها دولة مسيحية ولأنها لم يكن لها سابق استعمار في بلاد المسلمين بعكس بعض الدول الاستعمارية التي تركت في النفوس أثراً مثل فرنسا وبريطانيا وإيطاليا. والعلاقات كانت معها على أحسن ما يكون وذهب إليها الناس للعمل والتعلم والاستشفاء وأن هناك عشرات الآلاف من العقول المهاجرة تعمل في مختلف المجالات. تغير العلاقة مع أمريكا وانتقد الشراكة الاستراتيجية بين أميركا لدولة الكيان الصهيوني إسرائيل وبسبب هذا تغيرت العلاقات لأن الأرواح تزهق والمنازل تدك وتدمر يومياً وأميركا قادرة على إلجام إسرائيل. وانتقد عدم تفهم أميركا للدفاع عن أنفسهم وعن مقدساتهم وأعراضهم وتصفهم بأنهم إرهابيون والحقيقة أن أميركا وقفت خلف إسرائيل وجعلتها تصول وتجول وتعربد ولا يردعها رادع. وهذا ما أوغر صدور المسلمين نحن بشر نحب ونكره ونرضى ونسخط وكذلك ترشيح الإسلام ليكون بديلاً وتكلموا عن الخطر الأخضر والإسلام خطر على الإلحاد والعبودية والاستبداد. واستشهد د. القرضاوي ما صرّح به أحد الكتاب بوصفه أن خطر الإسلام مجرد وهم وقال إن أحداث 11 سبتمبر اتهمت أميركا الإسلام والمسلمين وأن الإرهاب ليس إسلامياً بل هو ظاهرة عالمية. حاجتنا لثقافة صحيحة إننا ننكر بعض الأعمال التي قام بها بعض المسلمين لكن للأسف قامت أميركا بشن العدوان على المسلمين وأصبح العمل الخيري متهماً، ما الذي جر أميركا إلى هذا؟ هل هي المطامع والمصالح أم وراء هذا فكر ديني متطرف. لماذا لم يطالبوا بتغيير الخطاب الديني عندهم، الفكر اليميني والمسيحي المتطرف لا شك أنه حقيقة موجودة في أميركا وهو الذي يوجه السياسة الأميركية. نحن لا نريد صراع الأديان إننا في حاجة إلى ثقافة صحيحة، ثقافة الحب لا الكراهية، ثقافة الحوار لا ثقافة الصراع، ثقافة التنوع لا ثقافة الانفراد، وثقافة المساواة والإخاء لا ثقافة الازدراء، ثقافة السلام لا ثقافة الحرب. أعمال العنف نحن نريد أن نعيش بديننا ولابد أن يعلم الأميركيون إذا عاشوا بدينهم الحق لن يكونوا خطراً على أحد بل سيكونون أعواناً لكل الخير، سيقومون بالقسط الذي أمرهم الله به ويقومون بالمسيرة الخيرة. وتناول الأقلية الموجودة في العالم الإسلامي التي ترتكب بعض أعمال العنف قائلاً إن التيار العريض هو تيار الوسطية وهو الذي يجب أن نوسعه وأنني أحمد الله أنني من دعاة هذا التيار. لماذا نغفل هذا التيار، إن التيار الوسطي يدعو ويجنب ويقوم الأفكار الدخيلة على المسلمين منها أفكار شيوعية أو نازية وطالب بالأفكار الإسلامية الأصيلة التي تجمع ولا تفرق وتقرب ولا تباعد وهذا ما نريده ونريد أن نعيش عيشاً مشتركاً لا نؤذي أحداً ولا يؤذينا أحد، لا نتدخل في حرية أحد ولا يتدخل أحد في حريتنا هذا ما ندعو إليه العالم كله وندعو إليه الولاياتالمتحدة الأميركية. وطالب بالتعاون لمقاومة الظلم ونحارب المادية والإباحية والفساد وبهذا نحيا حياة طيبة.