فخامة السيد جاك شيراك رئيس الجمهورية الفرنسية: اسمحوا لي في البداية يا دولة الرئيس أن أعبر لكم وبكل احترام عن أسفي وامتعاضي الشديدين للتوجه الذي اتخذتموه والقاضي بمنع الحجاب بالمدارس الفرنسية، هذا القرار ولاشك يعد تعديا صارخا على روح ثقافة الشعوب وانتهاكا واضحا للمواثيق الدولية لحقوق الإنسان وتجاوزا للقوانين الفرنسية المستلهمة من روح الثورة الفرنسية التي تحمي حقوق كل الرعايا الموجودين فوق التراب الفرنسي، وتوجهكم هذا يشكل تراجعا حقيقيا عن مبدأ الحريات الشخصية التي أصلت لها هذه الثورة . إن روح التسامح والتعددية هي التي يجب أن تسود عالمنا اليوم وصدور هذا القرار وفي هذا الظرف بالذات يا فخامة الرئيس سيجعل من عملية الانفتاح على الآخر وتبادل وجهات النظر- التي هي من أسس ثقافتنا الإسلامية- أمرا صعبا أن لم يكن مستحيلا، و سيسيء لا محالة إساءة بالغة إلى صورة فرنسا لدى عموم المسلمين، وسوف يؤكد للكثير منا في العالم أن معاداة الإسلام واستهدافه هي السياسة الحقيقية للغرب عموما وأن الشعارات التي تردد حول الانصاف والاعتدال وحوار الحضارات هي شعارات جوفاء. إن قانونا من قبيل منع الرموز الدينية في المدارس يشكل تراجعا في الحريات الشخصية في فرنسا، و سياسة إقصاء المحجبات عن المدارس سوف تؤدي لا محالة إلى شعور عام بالإهانة للأقلية المسلمة في فرنسا. فخامة السيد الرئيس: إننا نقدر لفرنسا دورها الحضاري والسياسي العالمي ، ونقدر دعمها للقضايا العادلة للأمة العربية والاسلامية والإنسانية، وفي نشر ثقافة الديموقراطية والمساواة هذه الديموقراطية التي يجب تراعي حقوق الأقليات كيفما كانت وأن تحميها. إن فرنسا كما نعلم جميعا يا دولة الرئيس - مشهورة بمعارض الأزياء المختلفة ومشهورة بحرية السماح للمرأة بأن ترتدي ما تشاء، واسمحوا لي أن أتساءل هنا لماذا الوقوف عند لباس المسلمات فقط؟ إن اعتبار حجاب المرأة المسلمة مظهرا من مظاهر التباهي بالدين مسألة غير صحيحة، وقضية تسوية الحجاب الاسلامي مع بعض المظاهر التي أشار اليها مشروعكم غير واقعية، وهو لا يعني بأي شكل من الأشكال انتماء سياسيا أو تعاطفا مع القاعدة أو طالبان أوأي كان كما يحاول البعض تصويره، إنه بكل بساطة فرض ديني كالصلاة و الزكاة الصوم والحج وغيرها من الفرائض، وبالتالي فهو ليس حالة عدوانية إنه من غير المنطقي اعتبار اختلاف الازياء في مجتمع كالمجتمع الفرنسي أمرا عدوانيا؟ فخامة السيد الرئيس: إننا لانريد التدخل في شؤون فرنسا الداخلية، فلكم كامل الصلاحيات في اتخاذ ما ترونه مناسبا لدولتكم، ولا نريد الدخول في متاهات صلاحية اللجنة للحكم على مسألة الحجاب من الناحية الشرعية، لكن التزامنا بقضايا أمتنا الإسلامية وإيماننا بالحوار وتبادل الآراء مع كل الأطراف يحتم علينا الدخول في هدا النقاش. إن حرية التدين مكفولة بموجب قوانين الجمهورية الفرنسية هده الحرية مثل باقي الحريات مضمونة ليس فقط للمواطنين الفرنسيين بل لكل الرعايا الموجودين فوق التراب الفرنسي، وحرية لبس الحجاب تأخذ شرعيتها من هذا المبدأ، إن حجاب المرأة المسلمة لا يمكن أن يعد بأي حال من الأحوال خرقا لقوانين فرنسا العلمانية كما يحاول بعضهم تصوير ذلك، فرنسا يا سيادة الرئيس ليست في حاجة إلى مثل هذه المعارك ، ومشروعكم هذا سيمثل فشلا ذريعا لعملية الاندماج داخل المجتمع الفرنسي، ولن يؤدي إلا الى مزيد من التمييز والتعامل السلبي مع الدين الاسلامي ببلدكم. والمسلمون الذين ساهموا في صنع فرنسا واعون بمسؤولياتهم تجاه فرنسا و ملتزمون ولاشك بالمشاركة الاجتماعية والسياسية في بلدهم. إن الوقت يا دولة الرئيس لا زال متسعا من أجل إيقاف هذه الآلة الجهنمية التي التي بدأت رحاها تدور، والتي هي في جزء كبير منها نتيجة لفوبيا اسلاموية صنعتها بعض وسائل الإعلام الغربية، وإننا إذ نحيي فيكم حمايتكم لكل الأجانب الموجودين فوق التراب الفرنسي نأمل وبكل صدق أن تعيدوا النظر في قراركم هذا. وتفضلوا فخامة السيد الرئيس بقبول أسمى عبارات تقديرينا واحترامنا. بقلم: بلحسن محمد