أكد الخبير والمحلل الإقتصادي نجيب أقصبي أن النجاعة الاقتصادية لابد أن تمر عبر نجاعة ديموقراطية ، تنبني فيها المسؤولية على التعاقد مع المواطنين وتحترم في اعتماد البرامج على اختيارات المواطنين بحيث تستجيب لتطلعاتهم وحاجياتهم ، وتكون فيها المسؤولية واضحة غير معومة ، تتبعها المساءلة وأشار أقصبي في حوار ليومية التجديد أن التنمية بالمغرب لابد أن تمر عبر تصنيع المواد والثروات المتواجدة بالوطن وتحويلها واضافة القيمة المضافة اليها ، وأن القيمة المضافة هي التي تنعكس على مناصب الشغل ومستوى الدخل ، وأن الإمتداد الطبيعي هو تنمية الصناعة بترابط مع الفلاحة. 1- ما تقييمكم العام للإقتصاد المغربي وأسسه التنموية؟ ** بعيدا عن الظرفية، الإقتصاد المغربي على مدى 30 سنة يحقق معدل نمو بين 3 و4 بالمائة، هذا مستوى يعتبر غير كافي، لا من أجل رفع معدل الدخل الفردي الذي يوجد في أواخر الترتيب الدولي، ولا لخلق مناصب الشغل الضرورية للحد من تفاقم البطالة. وهذا المستوى ليس فقط ضعيف بل أيضا متقلب، قد يصل في بعض السنوات إلى 7 بالمائة وقد ينزل إلى 1 بالمائة أو أقل من الصفر، والسبب أن هيكلة الإقتصاد تجعل الناتج الداخلي الخام متعلقا بصفة وطيدة بنمو الناتج الداخلي الفلاحي، والناتج الداخلي الفلاحي بدوره مرتبط بإنتاج الحبوب، ولا زالت -رغم كل ما قيل عن سياسة السدود والري- أزيد من 80 بالمائة من إنتاج الحبوب متعلقة بالتقلبات المناخية، بحيث السنوات التي تعرف تساقطات كافية ومنتظمة مثل هذه السنة، يكون إنتاج الحبوب مرتفعا، ويجر معه الناتج الداخلي الفلاحي والناتج الداخلي الخام -والعكس صحيح مع الأسف- وهذا وضع يصعب معه توقع ما يمكن أن يقع فقط على مستوى سنة، هذا مشكل عضوي يجعل الإقتصاد الوطني في وضعية هشاشة ، تكون عواقبها خطيرة جدا على عدة مستويات، مع الإشارة إلى أننا هنا نتحدث عن الشق الكمي من مستوى النمو، أما التنمية فهي أمر آخر. 2- هناك حديث اليوم عن تطوير القطاع الفلاحي وتطوير السقي، والتحول نحو تصنيع المنتجات الفلاحية والغذائية. إلى أي حد يمكن لهذه الإجراءات المتخذة الإسهام في حل المعادلة التي طرحتم ؟ ** هذا لن يحل معادلة الإرتباط القائمة بين الإنتاج الفلاحي والتقلبات المناخية، لأن الحل الحقيقي يكمن في كون ضبط المجال عن طريق الري يجب توسيعه ، ولكن إمكانية التوسيع ، بكل صدق، محدودة. هناك مجهود نعم لكن المجال محدود. القيمة المضافة باعتبارها القدرة على إضافة قيمة على المادة الخام ، يجعل التصنيع الفلاحي يبقى من الحلول الأساسية ، لو كان لدينا صناعات تحويلية تثمن المنتجات الفلاحية ستحل جزء من المشكل ، مع الأسف هنا أيضا مع كل ما يقال في الخطاب الرسمي، لازلنا لا نحول أزيد من 10 بالمائة من المنتوج الخام، والصناعة التحويلية الغذائية لا زالت ضعيفة وتعاني من مشاكل متعددة. الارتباط بين الفلاحة والصناعة لم ينجح فيه المغرب ولم يستطع أن يجعل منه قاطرة للتنمية، الأمر الذي يجعل الصناعة الغذائية ضعيفة، والفلاحة من جانبها تتخبط في إشكالات النفوذ، وإشكالات البنية العقارية، أزيد من 70 بالمائة من الضيعات لديها اقل من 5 هكتارات، و في المقابل نمت طبقة من الملاكين العقاريين الكبار، يستفيدون من استثمارات الدولة، ومن الدعم. على الاقل كان على هذه الطبقة المحظوظة التي تستفيد من إمكانات الدولة أن تتوفر على روح المبادرة وأن تنتج حيوية مقاولة حقيقية لخلق قطاع يخلق القيمة المضافة ويغزو الأسواق الأجنبية ويخلق مناصب شغل، نحن أمام طبقة "كتاكل وما كتخليش " ولا ترد على التنمية الاقتصادية. ما الذي قدموه للوطن حين استفادوا من 30 سنة من الإعفاء الضريبي؟ وكان الهدف من إعفاءهم تحقيق الأمن الغذائي والاكتفاء الذاتي ، وتطوير الفلاحة و"الازدهار" واليوم لا شيء من هذه الوعود تحقق. 3- ركزنا هنا على الفلاحة، ما تقييمكم لباقي القطاعات؟ ** بالنسبة للصناعة، إذا كنا نريد نظرة شمولية وبعيدة المدى، بدأ المغرب باختيار الفلاحة، وأعتبر أن الامتداد الطبيعي هو تنمية الصناعة بترابط مع الفلاحة، أي تنمية قطاع صناعي من شأنه أن يقدم قيمة مضافة للفلاحة كما سبق أن أوضحت، كان علينا أن نطور قطاعات نتوفر فيها على موارد طبيعية مثلا القطاعات المرتبطة بالفوسفاط -هناك مجهود لا يمكن إنكاره-، لكن هل يمكن أن نفهم أنه إلى يومنا هذا أن يكون البلد الأول المصدر للفوسفاط في العالم يستورد جزء كبير من الأسمدة التي تستعمل في فلاحته؟ كيف لم نستطع ؟ وأتحدث هنا عن ستين سنة بعد الاستقلال، هناك بلدان شيدت قطاعات واستغلتها وانتهت منها ومرت لأمور أخرى، ونحن لا زلنا نتخبط في أمور بسيطة كان علينا أن نكون قد حسمناها، ليست هناك قدرة لتوظيف وزيادة القيمة عبر تحويل الموارد الطبيعية التي تزخر بها بلدنا فقط . 4- هذا الاتجاه اليوم للتركيز على ما يسمى الصناعات الجديدة؟ ** هذه نقطة مهمة ، اليوم ، الكل يتحدث عن قطاع السيارات والطائرات، ومن منظور اقتصادي الأهم مرة أخرى هو القيمة المضافة، والقيمة المضافة هي الإنتاج وخلق مناصب الشغل ، وتوزيع الدخل على الناس، والذي يهمني حين القول باختيار قطاع معين ، هو سؤال القيمة المضافة الداخلية، التي يستفيد منها المواطنون، ولها انعكاس على التنمية في المغرب. والقيمة الحقيقية التي لها وقع على التنمية بالبلد في مشاريع المناولة "رونو مثلا" لا تتعدى 20 بالمائة، وحتى في قطاعات الصناعة والفلاحة التحويلية والصناعة الغذائية القيمة المضافة لا تتعدى 15 بالمائة . نوهم أنفسنا أننا نصدر، وفي الحقيقة وضع هذا النموذج كله ضئيل جدا، في الأدبيات البسيطة لأي اقتصاد من الناحية النظرية هناك علاقة بين معدل النمو ومعدل البطالة، وتوجد علاقة بين معدل النمو والصادرات، لكن في المغرب لا توجد هذه العلاقة ولا تظهر، هذا يعني أن هناك خلل. 5- معدل النمو السنوي الذي يحققه المغرب في حدود ما يقارب 5 بالمائة، ويلاحظ عدم قدرته على امتصاص البطالة. كيف تقرأون هذه الفجوة بين النمو والتنمية؟ ** نتحدث هنا عن العلاقة بين النمو والتنمية، والتنمية لا تقارب كميا ولا رقميا، وهي تمثل ظروفا وشروطا ومناخ عيش المواطنين، ليس فقط مستوى العيش، هي قضية توزيع عادل لنتائج النمو، والعيش في مناخ مستدام ، التنمية اليوم هي مستدامة، يمكن أن نحقق 7 إلى 8 في معدل النمو، ويلاحظ الناس ولو مرحليا أن مستوى عيشهم يرتفع، لكن في بيئة تتدهور مثل واقع المغرب اليوم، من الناحية الأراضي، والجودة ، والغابات والمياه . يظهرمع الأسف، ولو أوهمنا أنفسنا بأن النمو يتحسن قليلا -صحيح إذا قمنا بمقارنة بين معدل التسعينات ومعدل العشرية الأخيرة نجد أن هناك ارتفاعا بنقطة أو نقطتين كميا-، لكن إذا أعدنا حساب توزيع الدخل نجده لا يزال متمركزا، والإحصاءات تظهر أن توزيع القيمة المضافة الإجمالية يعطي الثلثين لرأس المال والثلث للأجور، هذا التوزيع يظهر أن هناك مشكلا، أضف إلى ذلك التوزيع غير العادل للثروة. 6- هناك من يقول بأن اتساع الفوارق اللاجتماعية ليس صحيحا، حيث أفادت معطيات للمندوبية السامية للتخطيط هذا الأسبوع أن ثقة الأسر ازدادت بنقطتين وأن تصور المغاربة لمستوى العيش العام تحسن؟ ** منهجيا ، هذه المعطيات تتحدث عن الإحساس، وللمزيد من التوضيح هذه المعطيات متغيرة، بحسب الظرفية، وشخصيا أعتبر أنه صعب التقييم الظرفي ، وأعتبر أن الأفكار ذات المصداقية العلمية تمتد إلى التحليل على المدى البعيد، بالإضافة إلى أن هذه المعطيات الظرفية تشهد تقلبات بغض النظر عن المقاربات السياسية التي تكون فيها، أنا محلل ولن أدخل في هذا التجاذب، أتحدث عن مؤشرات تعتمد دوليا بطريقة موحدة على مختلف الدول ، قد يكون لها نواقصها ، لكنها في مستوى الفوراق الاجتماعية تعمد نفس المنهجية مع جميع الدول وترتب، فمؤشر التنمية البشرية مثلا، يمكن ان نقول ما نقوله في المنهجية لكنها طبقت على مختلف الدول المصنفة، والذي يؤلمني أن المغرب 129 في التنمية، ما يعني أن 128 بلد أحسن منه. 7- إذن ما هو النموذج الذي ترونه الأكثر نجاعة للنهوض بالتنمية في المغرب؟ ** من خلال نظرة شمولية تاريخية، اعتبر أن الاختيارات الرئيسية والاساسية حددت في السيتينيات والسبعينات ، وبخصوص النموذج التنموي كانت اختيارات "مذهبية" إن صح القول، وهي التي لا تزال مستمرة، ويتعلق الأمر بالإختيار الأول الذي هو "اقتصاد السوق"، بمعنى أن يكون القطاع الخاص هو المحرك الأساسي للإقتصاد، ثانيا من ناحية النموذج كان النقاش حول نموذج التعويض عند الاستيراد ، المعتمد على التعويض الصناعي ، ونموذج الأخرالمعتمد على تطوير التصدير وهو الذي سيكون قاطرة للتنمية الداخلية " خلق النمو عبر انعاش الصادرات" وهي ما يسمى "سياسة الإحلال عن طريق الصادرات "، والمغرب اختار اقتصاد السوق ونموذج التنموي المدعوم بانعاش الصادرات، وتم تنزيل النموذج قطاعيا ، فخلقت الفلاحة الموجهة للتصدير، والصناعة من منظور التصدير، (النسيج الملابس عبر المناولة وعبر بيع اليد العاملة). السؤال اليوم على مدى 40 و50 سنة هل تغير هذين الاختيارين/الرهانين؟ وبالتالي لفهم نموذج المغرب لدينا ركيزتين اقتصاد السوق والاعتماد على التصدير كقاطرة للنمو، من أجل إنجاح هذين الاختيارين قامت الدولة بتوظيف الإمكانات والسياسات العمومية (السياسة الاجتماعية، المالية، الاعفاء الضريبي، الدعم القوانين، الاستثمار، السياسة النقدية، سياسة البنيات التحتية، المغربة ،الخوصصة …) كلها وظفت لخدمة هذاين الرهانين، وكان المفروض منطقيا بعد 40 سنة أن يكون لدينا الآن قطاع خاص قوي ومحرك وقطاع تصدير بميزان تجاري يحقق فائضا و يمول الاقتصاد . اليوم في 2015 ، يمكن القول إن اقتصاد الريع لا زال يهيمن على قطاعات مهمة، ولازال الاحتكار(نموذج الطاع البنكي) الذي يشكل "اوليكوبول " وغيره ، والمفارقة اليوم أن المستثمرالأساسي هو القطاع العام ب60 إلى 70 بالمائة من الاستثمار الخام الشمولي- وحتى 30 بالمائة المتبقية فيها الخاص الأجنبي -هاذ الوضع الذي فيه الدولة تستثمر اكثر له عواقب على معدل النمو ، وعلى التشغيل وعلى نوعية الاستثمارات، لست هنا لأقف على حد من فعل ومن لم يفعل بل الاثر الاقتصادي لهذا المشكل ياتي من 40 سنة و50 سنة . واعتبر أن النجاعة مردها لثلاث نقط أساسية ، مشروعية الاختيارات بحيث تستجيب للحاجيات الحقيقية للمواطنين، المسؤولية والوضوح فيها ، ثم تاتي بعدها المساءلة والمحاسبة. 8- هناك حديث اليوم عن انخراط المغرب في الاقتصادات الناشئة، ما رأيكم ؟ ** مسالة النماء والاقتصادات الناشئة بدأت مع الأسواق الناشئة خصوصا المالية، من بعد سجلت حالات اقتصادات دول فرضت نفسها كالشيلي وافريقيا الجنوبية وماليزيا ، وبدأت نظريا تدرس العوامل التي جعلت هذه دول ناشئة وبدأت تطبق المعايير المحددة لهذا التصنيف، و هي بالتالي معايير ناتجة عن تجربة ومستوحاة من الميدان، ومن بين هذه المعايير مستويات نمو على الأقل ضعف المعدل الدولي، مستوى مساهمة الناتج الفردي، ثقل الإقتصاد في الإقتصاد العالمي محدد في تقريبا 0.25 بالمائة، بالاضافة إلى بنية اقتصادية، والحقوق والواجبات والحريات العامة والعلاقات ومستوى الثقة،