حتى لا يبدو خروجه من غزة بمثابة هزيمة نكراء تكتب نهايته السياسية، يحاول شارون تسويق العملية ومعها الانسحاب أحادي الجانب من غزة ومسار الجدار بوصفها نجاحاً في تحقيق ما عجز عن تحقيقه منذ مجيئه إلى السلطة قبل ثلاث سنوات، وهو "الحل الانتقالي بعيد المدى" بذات المواصفات المطروحة، أي قطاع غزة + 42% من الضفة الغربية، وليبق هذا الحل قائماً لسنوات طويلة يجري التفكير بعدها بالحديث في المسائل الأخرى المعروفة بقضايا الحل النهائي، أي القدس واللاجئين والسيادة، وبالطبع، ما تبقى من الأرض وما عليها من مستوطنات. الآن يسعى شارون، يؤيده في ذلك قادة كبار في الدولة وفي الأروقة الصهيونية داخل الولاياتالمتحدة، إلى تسويق هذه الرؤية على (بوش) في سياق استعداداته للانتخابات القادمة وحاجته الماسة إلى الرضا اليهودي، سيما ومنافسه (جون كيري) لا يبدو على خلاف معه، بل ربما زايد عليه في القضية الإسرائيلية، حتى لو هاجمه في قضية العراق والقضايا الاقتصادية. بل إن الرجل لم يجد حرجاً في التذكير بأنه سليل عائلة يهودية تنصّرت، وأن أخاه قد عاد وتهوّد، فضلاً عن عضويته في منظمات مؤيدة للإسرائيليين. على هذا الصعيد يأمل الإسرائيليون في ايجاد تفاهم مع مصر على مسألة الانسحاب من قطاع غزة، ولا يجدون حرجاً في الحديث عن طموحات مماثلة فيما يتصل بترتيبات أمنية مع الأردن بشأن الضفة الغربية، وإن بدا أن موضوع غزة يحتل الأولوية هذه الأيام، لأن مصير الضفة ليس ملحاً بالتهام الخطة الشارونية ل58% منها. من الترتيبات المأمولة إسرائيلياً أن يصار إلى مزيد من تهميش عرفات ودفع فريق (عباس-دحلان) إلى الواجهة، وذلك حتى يتحول "الحل الانتقالي بعيد المدى" إلى حل متفق عليه يجري احترامه من الطرفين. كل ذلك يطرح سؤالاً مهماً حول الموقف الفلسطيني ومن ورائه الموقف العربي من خطة شارون، وكذلك من احتمال دعمه من قبل الولاياتالمتحدة. في هذا السياق يمكن القول إن من المعيب أن تستقبل خطة شارون لإخلاء قطاع غزة بحديث "فتحاوي" عن حل كتائب شهداء الأقصى كعنوان واضح لشطب خيار المقاومة داخل فتح وصولاً إلى مطاردته عند الآخرين. على هذا الصعيد لا بد من القول إن المطلوب فلسطينياً وعربياً هو تجاهل خطة شارون وتركه يتخبط، فلينسحب إذا أراد الانسحاب، وليتحمل مسؤولية التراجع إن أراد أن يتراجع. وعنوان ذلك هو رفض منحه أي مقابل بدل انسحابه، سيما وهو يحدث جزئياً (17 مستوطنة من أصل 21)، كما يحدث في ظل توجه بنقل مستوطني غزة إلى الضفة، فضلاً عن استمرار بناء الجدار. وإذا كان رفض مصر التعاطي السياسي مع الخطة متوقعاً، فإن الأصل هو الدفع باتجاه تعزيز المسار الذي فرض على شارون التراجع ممثلاً في خيار المقاومة، إلى جانب استمرار الضغوط السياسية في مسألة الجدار، من منطلق عدالة القضية أولاً، وكذلك من منطلق إدراك مأزق شارون أمام المقاومة، ومأزق بوش في العراق. خلاصة القول هي إن المعادلة القائمة تبدو في صالح الفلسطينيين والعرب، لكن المصيبة تكمن في روحية العجز التي تحكم الرؤية السياسية فلسطينياً وعربياً، على المستوى الرسمي بالطبع. ياسر الزعاترة - كاتب فلسطيني